جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ربما كان التركيز الإعلامي في قضية إفلاس FTX، ثاني أكبر منصة تداول للعملات المشفرة، على الخسائر التي مني بها قطاع الـ"كريبتو" وصدقيته التي باتت على المحك، لكن ثمة جانباً آخر مهماً يعود لرئيس منصة FTX سام بانكمان-فرايد، الذي أفلس بدوره وفقد فوق 26 مليار دولار من ثروته. تختصر قصة سام اليسار الأميركي والحركات التي يروج لها مثل حركة "الإيثار الفعال" أو المؤثر، أو Effective Altruism التي كان سام أحد أعلامها. تركز هذه الحركة اليسارية على الأثرياء، وتحثهم على العطاء شيئاً من ثرواتهم لإحداث تغيير فعال ومؤثر في قضايا شائكة بالمجتمعات، مثل قضايا الفقر والأمراض والمناخ، وغيرها.
قصة سام واليسار
أثرت هذه الحركة بشكل كبير في سام بعد أن التقى عام 2012 مؤسس الحركة الكاتب والفيلسوف الاسكتلندي وليام ماكاسكيل William MacAskill، وهو أيضاً أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد البريطانية، وأقنعه وقتذاك بفلسفة الثراء و"الإيثار الفعال"، بمعنى أن يجني المال الكثير ثم يوهبه لمن يحتاج إليه. وقرر بعد ذلك سام الذهاب إلى "وول ستريت"، مدفوعاً بهذه الفكرة، حيث عمل عام 2013 في شركة تداول Jane Street Capital بنيويورك حتى عام 2017، ثم انتقل للعمل لفترة قصيرة كمدير للتطوير في مركز متخصص بـ"الإيثار الفعال" Centre For Effective Altruism، أسسه ماكاسكيل نفسه في جامعة بيركلي التي تعد واحدة من أعرق الجامعات الأميركية، وتقع شمال منطقة السيليكون فالي الشهيرة في صناعة التكنولوجيا.
تأسيس شركات التداول
من هذا المركز اتجه سام نحو تأسيس شركة Alameda Research بنهاية 2017، الشركة الشهيرة في التداول، والتي كانت خلف سقوط FTX، حيث أسسها مع شريكته Tara Mac Aulay، وهي مسؤولة أيضاً في مركز "الإيثار" نفسه.
تخصصت الشركة في بداية عملها في تداول العملات المشفرة مستفيدة من بدايات صعود الـ"كريبتو"، حيث جنت الأموال من خلال الاستفادة من فرق أسعار عملة "بيتكوين" بين أميركا واليابان، حيث يتم شراء "بيتكوين" من أميركا، ثم بيعها في السوق اليابانية بسعر أعلى، وكان يتم تحويل ما قيمته 25 مليون دولار يومياً.
وهب أموال FTX
لاحقاً، أسس سام شركة FTX عام 2019، وظل مدفوعاً بحلم الثراء لأجل تغيير العالم، لذلك لم يظهر كثيراً من مظاهر الثراء في البداية، وكان دائماً يلبس ثياباً عادية في مقابلاته، ويتحدث أنه يريد التبرع بجميع أمواله للأعمال الخيرية.
كان هذا الاندفاع وراء تأسيس صندوق FTX المستقبل، وهو عبارة عن صندوق مخصص لدعم حركة "الإيثار الفعال"، حيث خصص 130 مليون دولار لدعم 262 مشروعاً في هذه السنة، كما كان وراء خطة مؤسسة FTX لمنح مليار دولار من الأموال لمشاريع حركة "الإيثار". وبالطبع، خلف كل ذلك كان الفيلسوف وليام ماكاسكيل الذي ظل الملهم لسام.
صدمة لليسار الأميركي
لكن انهيار شركة FTX شكل صدمة للحركة ولصدقيتها، ولليسار الأميركي عموماً. وكشف عن جانب آخر من تعبئة الحركات اليسارية التي أودت بأموال الملايين الذين أودعوا أموالهم في الشركة لتداول العملات المشفرة، ليكتشفوا لاحقاً أن أموالهم استخدمت لأغراض مختلفة مثل التبرعات لمشاريع حركة "الإيثار الفعال".
التبرع لفريق بايدن
من المفارقة أن سام هو أكبر المتبرعين للحزب الديمقراطي، وثاني أكبر فرد متبرع للرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، إذ تبرع بمبلغ 5.2 مليون دولار لبايدن عام 2020، وبـ40 مليون دولار للحزب في الانتخابات النصفية للكونغرس هذه السنة.
ويأتي دعم سام للديمقراطيين، بسبب التركيز الذي يوليه فريق بايدن ونوابه في البرلمان على القضايا اليسارية التي يتبين أيضاً زيف كثير منها، خصوصاً في ملف الطاقة والبيئة وأزمة المناخ، فقد كان بايدن من أكبر أنصار وقف التنقيب عن النفط لأسباب بيئية، ثم تراجع عنها سريعاً مع ارتفاع أسعار النفط في خضم الحرب الروسية-الأوكرانية وقرب الانتخابات النصفية، وكذلك فعلت أوروبا التي عادت لاستخدام الفحم لتعويض النقص في إمدادات الطاقة الروسية.
تحقيقات جارية
وتختزل هذه القضايا الخلط الحاصل بين المثالية المفرطة التي تبناها اليسار الأميركي (ومن خلفه الأوروبي) وبين الواقع. ففي قضية سام وFTX تكشف التحقيقات التي تجري حالياً في ملف إفلاس شركة FTX في المحاكم الأميركية عن فضائح ضياع المليارات من المنصة بشكل فجائي وتبددها جميعاً. وهناك بحث جاد من قبل المحققين لمعرفة إذا كان هناك تعمد في أخذ الأموال من المتعاملين لإعطائها هبات للأعمال الخيرية ضمن فلسفة "الإيثار"، قبل أن يصطدم سام وشركته بفخ أزمة الملاءة المالية.