جفرا نيوز -
جفرا نيوز : د.ابراهيم العابد العبادي
حدثت هذه القصة وتحدث في كثير من المواقع وليست حكرًا على بلدٍ او جهة ما بعينها، كما أن هذه القصة القصيرة لا ترتبط بتراث وطني او أدب عالمي معين بل جاءت من بنات وأولاد أفكار الكاتب …وقد تمتد من الجد السابع فيما مضى من عقود، وحتى الجد الخمسون مستقبلًا…
.
وتقول القصة يا سادة يا كرام…انه كان هناك بلد وادعٍ آمن… مؤلف من تجمعات قروية وشبه قروية محدودة جدًا رغم التباعد الجغرافي النسبي في ذاك الزمان ..اي ما قبل عصر الثورة الصناعية ….وعودة للبلد محور حبكة القصة…فقد كانت تقسيماتها الديموغرافية والجيوسياسبة قائمة على أربع أركان ثلاثة منها معلومة والرابع حسب الواقع الحالي يسمى افتراضي او غير منظور
…الأول والثاني منها يشكلون أغلبية سكان البلد في حينه… وهم ممّن يمكن وصفهم البدو او شبه البدو، وهم ضمن النطاق الجغرافي الصحراوي او المتاخم لحدود البلد نحو الداخل.. فيما النمط الثاني وهم •الفلاحين• الذين يقطنون بيوت من الحجر والطين والقش… أسقفها من الخشب والقصيب …ضمن تجمعات قروية متناثرة ومتباعدة، ويمتهنون الزراعة وتربية بعض المواشي والطيور الداجنة
اما النمط او الطبقة الثالثة وهم من يطلق عليهم صغار التجار والحرفيين وبعض المتعلمين على الرغم من قلتهم، ومواقعهم مراكز القرى الكبيرة على مقربة من منابع المياه والعيون وضفاف الجداول النهرية…او حول الطرق وتقاطعاتها ….في حين كان هناك نمط او طبقة رابعة لا يكاد معرفتها او تحديدها الا من قبل مجموعة محددة من المتنورين…وهم المتغلغلين والمتّسربين وقُطّاع الطرق وغيرهم …وهذه الفئة على تماس وتواصل مع ممثلي دول الاستعمار المحيطة بالبلد محور الحديث….والطامعين بالسيطرة على مقدرات هذا البلد باقل كلفة ممكنة وبغض النظر عن الطريقة. وتشير المعلومات وتركيبة الأحداث أن الصنفين الاول والثاني وهم الأغلبية الساحقة كانوا متناحرين متصارعين وعلى خلاف شبه دائم لسبب او بدون سبب … من باب الغطرسة والتنكر او حُب الظهور …لكنهم كانوا يتعاملون فيما بينهم ويتبادلون المنافع عبر الوسيط ( النمط الثالث صغار التجار) الذين ياخذون خيرات الطرفين بقيمة متدنية بل أن الاغلبية اصبحت غارقة بالديون لصالح التجار والمُرابين…ولكنهم الاغلبية بدأوا يحاولون رفض هذا الواقع الأليم ….وفكروا وقرروا شراء وسيلة نقل ( باص) لتخدمهم وتنقلهم وتصل بهم الى مراكز الخدمات وتحسين نوعية حياتهم….ولكنهم اختلفوا على امور عدة منها القدرة على توفير كلفة الوسيلة، ومكان الانطلاق والمبيت، ومقدار او بدل الاجرة،… الخ، وهنا برز ما يسمى الشهبندر…( كبير تجار السوق) مستغلًا الخلاف ليطرح حلًا جذريًا …يتمثل بتواضعه وقيامه مع مجموعة من التجار بتمويل شراء الباص خدمة للأغلبية ….وتوفير مكان للمبيت والصيانة بوسط السوق ووضع مواعيد وخطة لسير الرحلات المنتظمة….شريطة أن تقوم ( الاغلبية) البدو والفلاحين بتسديد الثمن والفوائد وفوائد التأخر وفرق سعر الصرف …للتجار من منتجاتهم الموسمية ….وفق مصطلح تجاري اجتماعي سائد في حينه (على البيدر، او على القِطاف… او الموسم)وإن قصروا يتم التأجيل للموسم التالي مع اعادة جدولة حجم الدين وخدمات الدين…الخ، لكن الشهبندر أستطرد قائلا ولكن هناك مشكلة كبيرة وهي من سيقود او يسوق الباص…. لتظهر علامات الاحباط من جديد…وقبل اعتلاء الصوت للنقاش…برز صوت ناعم رزين كان يجلس في معية التجار… مقترحًا انه يعرف شخصًا مؤهلًا وهو ثقة ويمكن ان يقبل ذلك لقاء كروة شهرية او موسمية او من خلال حصة او نسبة من إيرادات الباص…. لتتعالى من جديد اصوات الفرح والقبول بهذا الطرح العبقري….وهنا كان الصنف الرابع المشار اليه اعلاه، وبمساعدة التجار قد دخلوا بسهولة وسلاسة في مجتمع الاغلبية الساحقة…وحتى تكتمل الصورة …تم كذلك طرح فكرة أن يكون الكنترول من طرف السائق لأسباب تقنية وفنية ومنها امكانية المساعدة في القيادة والتنظيف والصيانة البسيطة وجمع الاجرة من الركاب اثناء المسير. وهنا كانت البداية لدور السائق والكنترول في السيطرة على الباص والايرادات وعدم تقديم الخدمة في كثير من الاحيان…واقناع الأغلبية من المواطنين انهم يوسعون الاستثمار وزيادة عدد الباصات وعدد الخطوط والتوسع بخدمات اخرى تشمل سيارات ووسائط نقل وشحن مختلفة ومراكز للصيانة والتصليح والخدمات ومحطات الوقود والميكانيك ….الخ حتى شملت الطيران وغيره…باستثاء خدمات الحماية والأمن والحراسة التي كانت تمنح في معظمها لابناء الاغلبية وغيرهم، لكن حجم مديونية الاغلبية يزداد يومًا بعد يوم …..والسائق والكنترول توغلوا بكافة منحنيات ومنعطفات الحياة …وانتقلوا مع ابناءهم وذريتهم وانسبائهم واصدقاءهم والمقربين عبر هيئات ومؤسسات مستقلة ومنظمات وبالتعاون مع مؤسسات مجتمع مدني خاصة بهم…. لقيادة الدفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكافة ابعادها …كما كان يلاحظ ان الخدمات في التعليم والصحة والبنية التحتية والنقل ….تتردى وتتراجع بشكل عميق يومًا بعد يوم… ضاربة مختلف القطاعات حتى وصل الترهل الاداري ذروته …بالرغم من أن فاتورة الانفاق الكبيرة وحجم وانواع الضرائب العجيبة والغريبة لا تتوقف…والتي تقطع الظهر وتثقل كاهل الاغلبية…فتزايدت نسب البطالة وتوسعت جيوب الفقر…وانتشرت الفوضى وظهرت مشكلات وتحديات وآفات اجتماعية دخيلة وغريبة…وتردّت الأخلاق وانحدرت القيم….الا ان الثابت الوحيد الايجابي هو ازدياد ثروات ومقدرات السائق والكنترول واعقابهم وحاشيتهم واعوانهم من التجار الجشعين والإقطاعيين
وعبر مؤشرات أداء معيارية تديرها لجان وبعثات البنك الدولي وصندوق النقد والصناديق السيادية الدولية …ولم تعُد ايرادات البلد ومقدراته تكفي لسداد فوائد القروض المترتبة …ودون البحث او التفكير بحجم وقيمة الديون التي اغرقت البلد…الواقع والمؤكد ان الصنفين الاول والثاني وجزء من الصنف الثالث باتوا مطية للصنف الرابع الذين ما زلنا لا نعرفهم ولا نعرف أصولهم ولا فروعهم … لكنا نمجدهم ونشكر جهودهم …حتى اصبح الباص مرهون ومديون بمئات الاف ضعف قيمته الحقيقية…رغم انه غير صالح للاستخدام…الامر الذي يدفع بالتفكير محددًا باستخدام المحطات النووية للتشغيل مستقبلًا…وعبر تكتلات دولية واستثمارات تكاملية…لكن فاتورة الاصلاح والوقود ستسجل على حساب الاغلبية بأعلى كلف وفقًا لاسعار النفط العالمي وباضعاف مضاعفة عبر هيئة خاصة بالتدمير وباشراف سائق الباص والكنترول…. ختاما وفي درب الغفلة ..فاق احد الركاب من سباته وقال للسائق…هّوب نزلنا هون…. ليضحك الكنترول ويقول ويقول شكلك اضعت الطريق ……مع خالص الاحترام والتقدير لجميع الاخوة السواقين والكنترولية…على ارض الواقع…حمى الله الأوطان من كل شر.