جفرا نيوز -
جفرا نيوز- دخلت مباحثات فيينا الهادفة إلى إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي بلغت مراحل اعتبرها المعنيون نهائية، في فترة توقف نتيجة "عوامل خارجية"، بعد أيام من طلب موسكو ضمانات من واشنطن على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا.
تجري إيران وقوى كبرى (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين)، منذ أشهر مباحثات في فيينا لإحياء اتفاق العام 2015 بشأن برنامج طهران النووي. وتشارك الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق أحاديا في العام 2018، في المباحثات بشكل غير مباشر.
وبعدما أكد المعنيون تحقيق تقدم كبير وتبقي نقاط تباين محدودة فقط، واجه التفاوض صعوبات إضافية هذا الأسبوع.
تحدث مسؤولون إيرانيون عن تقدم واشنطن بـ"طلبات جديدة" وتسبّبها بـ"تعقيد" التفاوض وعدم اتخاذ "قرارات سياسية" مطلوبة، بينما أبدى الأطراف الغربيون قلقهم من تأخر إنجاز التفاهم نتيجة طلب روسيا ضمانات أميركية مكتوبة مرتبطة بالعقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
وجاء إعلان التوقف عبر الاتحاد الأوروبي الذي ينسّق مباحثات الاتفاق، واسمه الرسمي خطة العمل الشاملة المشتركة.
وكتب وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل عبر تويتر "ثمة حاجة إلى وقفة في مباحثات فيينا، نظرا لعوامل خارجية".
وشدد بوريل على أن "نصا نهائيا بات جاهزا تقريبا ومطروحا على الطاولة"، مضيفا "سأقوم وفريقي بمواصلة التواصل مع كل أطراف خطة العمل الشاملة المشتركة والولايات المتحدة، لتجاوز الوضع الراهن وإنجاز الاتفاق".
أتاح اتفاق 2015 رفع عقوبات عن طهران في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وأعادت فرض عقوبات قاسية، مما دفع إيران للتراجع عن غالبية التزاماتها.
رغبة مشتركة بالتفاهم
ودخل على خط التفاوض السبت الماضي إعلان روسيا طلبها ضمانات خطية من واشنطن بأن العقوبات الغربية الأخيرة على موسكو، لن تؤثر على تعاونها مع طهران في مجالات اقتصادية وعسكرية.
واعتبرت واشنطن الطلب "خارج سياق" القضية لعدم وجود رابط بين العقوبات والتعاون في إطار الاتفاق النووي، بينما أبدت باريس "قلقها" من أن تتسبب المطالب الروسية الجديدة بتأخير إضافي في إنجاز المفاوضات.
من جهتها، أعربت رئيسة الوفد البريطاني ستيفاني القاق عن "خيبة أملها الكبيرة".
وشدد مصدر أوروبي على أن "الأمر متروك الآن لطهران وبكين لإجراء محادثات مع موسكو لتطبيع الوضع"، فعرقلة الاتفاق "بعد الاقتراب إلى هذا الحد من خط النهاية أمر محبط حقا".
وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى إنه إذا ظلت موسكو غير مرنة، فإن هناك "خيارات أخرى" ممكنة، من دون أن يكشف تفاصيل.
وأضاف أن هناك أمرا واحدا مؤكدا، هو أنه "لا نريد أن نكون في موقف يسمح لروسيا باحتجاز خطة العمل الشاملة المشتركة رهينة".
لكن، لدى خروجه من فندق "باليه كوبورغ"، أبدى منسّق المباحثات من قبل الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا أمله في استئناف المباحثات "قريبا جدا".
وشدد على أن الولايات المتحدة وإيران "دائما ما اعتمدتا مقاربة بنّاءة جدا، إيجابية جدا"، معتبرا أن المفاوضات بلغت مرحلة كتابة "الهوامش"، أي أن النص الأساسي أنجز بشكل شبه كامل.
من جهته، رفض المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف تحميل موسكو "كامل المسؤولية"، مشددا على أن "إنجاز الاتفاق لا يرتبط حصرا بروسيا" الراغبة في أن يتحقق التفاهم "سريعا".
كما شددت إيران على أن توقف المباحثات لن يغيّر رغبتها في الاتفاق، وأن ذلك لن يتأثر بأي "عامل خارجي".
وكتب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده عبر تويتر "لن يؤثر أي عامل خارجي على رغبتنا المشتركة في المضي قدما من أجل اتفاق جماعي".
وأمِل في أن يكون التوقف "دافعا لحل أي مسألة متبقية و(تحقيق) العودة النهائية"، مؤكدا أن "الإنجاز الناجح للمباحثات سيبقى محور التركيز الأساسي للجميع".
شبح أوكرانيا
ترتبط طهران بعلاقات وثيقة مع موسكو سياسيا واقتصاديا وعسكريا. كما أدت روسيا دورا أساسيا في التفاوض بشأن الاتفاق وخطواته التطبيقية، مثل نقل يورانيوم مخصّب من إيران إلى أراضيها، ودعم برنامج طهران المدني.
إلا أن محللين يرون أن موسكو قد تسعى في الظروف الراهنة، لاستخدام ورقة الاتفاق في التجاذب بينها وبين الغرب.
واعتبر الباحث في معهد الأبحاث الأميركي "مبادرة التهديد النووي" إريك بروير أن "النزاع في أوكرانيا دخل الآن بطريقة ملموسة للغاية" في هذا الملف الذي لا يتأثر عادة بالتوترات الجيوسياسية.
وحذّر بروير من أن المطالب الروسية "أعاقت العملية في اللحظة الأخيرة، مهددة بتعريض المحادثات للخطر ومنع إعادة إرساء الاتفاق".
وقال الأستاذ في جامعة بول فاليري في مدينة مونبلييه الفرنسية كليمان تيرم لوكالة فرانس برس، إن "موسكو قد تستخدم المسألة الإيرانية للدفاع عن المصالح الوطنية الروسية في مواجهة نظام العقوبات الذي فرضته واشنطن".
وأضاف الأكاديمي المتخصص بالشأن الإيراني أن هدف روسيا قد يكون السعي "للحصول على مهلة لإعادة تفعيل الاتفاق النووي لتأخير ضخّ النفط الإيراني في الأسواق"، لأنه "من خلال الإبقاء على سعر البرميل مرتفعا، يمكن للكرملين استخدام سلاح الطاقة ضد الغرب".
شهدت أسعار النفط والغاز ارتفاعات حادة في الأيام الماضية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وبلغت مستويات لم تعرفها منذ أعوام عدة.
وتعد إيران من الدول الغنية بموارد الطاقة خصوصا النفط والغاز، وقد أبدت استعدادها في الآونة الأخيرة، لأن تعيد صادراتها النفطية إلى مستويات ما قبل العام 2018 (إعادة فرض العقوبات الأميركية)، خلال شهر أو شهرين من إنجاز اتفاق في فيينا يتيح رفع العقوبات عنها.
وطالت العقوبات قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني، من أبرزها تصدير النفط الذي كان يشكّل موردا أساسيا لخزينة الدولة بالعملات الصعبة.
ورأى محللون في الآونة الأخيرة أن عودة مستويات النفط الإيراني في الأسواق العالمية، قد يسهم في خفض الأسعار.
وبينما ركّز الغرب على عودة إيران سريعا إلى تطبيق التزاماتها، أكدت طهران أولوية رفع العقوبات والتحقق من ذلك وضمان عدم تكرار الانسحاب.
وشدّدت دول غربية مرارا على ضرورة الإسراع في إنجاز المباحثات نظرا لأن الاتفاق قد لا يعود ذا فائدة في ظل تسارع الأنشطة النووية الإيرانية.
اعتبارا من 2019، تراجعت إيران تدريجا عن التزاماتها، وقامت بخطوات عدة من أبرزها زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم بشكل كبير.