جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - د . نوفان العجارمة
بدأت السرية المصرفية السويسرية وسيلةً لحماية المصالح المصرفيةالأوروبية الثرية، وقد أُقرت سويسرا سنة 1934 القانون الاتحادي بشأن البنوكوالادخار، والذي أقر سرية الحسابات لغاية حماية أصول الأشخاص الذين تعرضوا للاضطهادمن السلطات النازية في حينه، وقد جعل هذا القانون الكشف عن معلومات صاحب الحساب لطرف ثالث جريمة جنائية تصل عقوبتها السجن لمدة 3 سنوات ، وقد أدى هذاالأمر الى ازدهار النظام البنكي السويسري، حيث قدرت جمعية المصرفيين السويسريين فيعام 2018 ان البنوك السويسرية تمتلك اصولاً بقيمة 5.6 ترليون دولارأمريكي أي 25% من جميع الأصول في العالم ؟؟ ورغم المحاولات لتجاوز السريةالمصرية من خلال تعديل التشريعات ذات العلاقة الا ان البرلمان السويسري رفض إلغاءالسرية المصرفية وصوت الشعب باستفتاء عام على ذلك أيضاً.
ونتيجة لذلك وبناء على عدة ضغوط دولية انضمت سويسرا في عام 2017 إلىمجموعة من الدول (38 دولة) من خلال اعتماد نظام التبادل التلقائي للمعلومات (AEOI) وهو المعيار العالمي الذيطبقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لمكافحة التهرب الضريبي وبموجب هذا المعيار، ترسل البنوك تلقائيًامعلومات العميل الأجنبي إلى سلطات الضرائب الوطنية التابع لها، مع بيانات عنالمقيمين الأجانب، ويهدف هذا المعيار إلى منع الأجانب الأثرياء من إخفاء الأموالغير المصرح بها في سويسرا والتأكد من التزامهم بالقوانين الضريبية في جميع أنحاءالعالم. ونظام الحسابات السرية ليسحكراً على النظام البنكي السويسري، فهناك ثمانية دول لديها قوانين للسريةالمصرفية بما في ذلك سويسرا، منها: وليختنشتاين والدانمارك والنمسا وسنغافورةوهونغ كونغ وبنما وأوروغواي.
فكل دولة لديها مستويات مختلفة من الحماية والسرية للعميل.لكن جميعهم يتمتعون بحماية كبيرة للأصول والخصوصية، عند دمجها مع الأدواتالقانونية المناسبة.لكن تبقى سويسرا الدولة الأهم لعدة أسباب منها: الاستقرار الاقتصاديوالسياسي في سويسرا فهي دولة محايدة وبعيدة عن النزاعات، وانخفاض الضرائب لديها،فلا يخضع صاحب الحساب البنكي (الأجنبي) إلى ضريبة الدخل طالما لم يكن الدخل منشركة أو أسهم سويسرية، إضافة الى اعتمادهم نظام الحسابات المرقمة عن طريق تعيينرقم لصاحب الحساب بدلاً من الاسم، مع عدم كشف البنك عن هذه الحسابات للجمهور، أوحتى لمعظم موظفي البنك، وإذا تم فتح الحساب باسم شركة خارجية فلا يتم الكشف عنهويته حامل حسابات الشركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: دولة بهذه العراقة والضخامةالمصرفية حيث يوجد لديها أكثر من 400 بنك ، فهل من السهل اختراق هذه الحسابات كماحصل مؤخرا مع بنك كريدي سويس وهو أكبر ثاني بنك في سويسرا؟؟ ألا يدرك النظام المصرفي السويسريخطورة هذا الامر؟ ألا يخشى النظام المصرفي السويسري خسارة ميزة تنافسية مقارنة بمنافسيه؟؟ لقد تمقبل يومين تسريب بيانات لأكثر من 18000 حساب مصرفي، كشف عنه تحقيق شاركت فيه أكثرمن 40 وسيلة إعلامية، عن عشرات الحسابات في بنك كريدي سويس التي يُزعم أنها مملوكةلمسؤولين حصوا لها بطريقة غير قانونية، وقد أعلن بنك كريدي سويس علىالفور رفضه التام لهذه المزاعم. وقد أصدر بنك كريدي سويس يوم الأحد20/2/2022 بياناً جاء فيه: أنه "يرفض بشدة المزاعم والتلميحاتحول الممارسات التجارية المزعومة للبنك"، وأضافت أن "الأمور المعروضة هيفي الغالب تنتمي إلى الماضي، ويعود تاريخها في بعض الحالات إلى أربعينيات القرنالماضي، وتستند التقارير المتعلقة بهذه الأمور إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أوانتقائية أُخرجت عن سياقها، مما أدى إلى تفسيرات متحيزة للسلوك التجاري للبنك".
وأضاف البنك أن ما يقربمن 90٪ من الحسابات التي تمت مُراجعتها (من طرف ناشري التقرير - التحرير) أغلقتاليوم أو كانت في طور الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحفية. وقال أيضًا إنهيأخذ التسريب المزعوم في الإبلاغ على محمل الجد، وشدد على أن لديه أنظمة قويةلحماية البيانات...)) . وقدذكرت عدة مواقع بأنه تم تسريب البيانات قبل أكثر من سنةإلى الصحيفة الألمانية (زود دويتشه تسايتونغ ) من قبل شخص يصف نفسهبمُبلّغٍ عن المخالفات بشأن حسابات تعود إلى 37 ألف شخص بقيمة إجمالية تزيدعن مئة مليار دولار " كما ورد في موقع https://www.swissinfo.ch/ara وفي هذا السياق يتضح ما يلي:
1. إذا كانت البيانات سربتقبل عام فيفترض بأن البنك على علم بذلك، ومن واجب البنك اعلام أصحاب الحسابات بهذاالامر، أو على الأقل قيامه بإجراء تحقيق داخلي لمعرفة حقيقة هذا الامر، ويبدو انهلم يفعل ذلك، وهذا يضع البنك في إطار المسؤولية القانونية كونه أخل بالتزاماتهالتعاقدية على الأقل.
2. لو افترضنا انه تم قرصنةالمعلومات الخاصة بالبنك، ألا يتم كشف ذلك في حينه، الا يتم فتح تحقيق رسمي من قبلالدولة ونحن نتحدث عن ثاني أكبر بنك في سويسرا وليس سوبرماركت؟؟ عدا عن ذلك فيالعادة قراصنة البنوك يسعون للسطو على الأموال وليس على المعلومات؟؟ من يخاطر بنفسه بعقوبات جنائية حتى يحصل علىمعلومات فقط؟؟ إضافة – اذا كان موظف لدى البنك- الى المنع من ممارسة المهنةتجاه المصرفيين المتورطين أو سحب الترخيص المصرفي من المؤسسات المُتورطة؟؟
3. من يقرصن معلومات أو (يهكرها)عادة يحصل على معلومات كمية كبيرة وبشكل عشوائي: والسؤال ألا توجد حسابات بنكية فيالمنطقة العربية إلا لمن ذكرهم التقرير فقط (وجلهم خارج الخدمة أو توفاهم الله)؟؟
4. لقد دافع البنك عن نفسهوأكد مشروعية هذه الأموال وأنه قبلها بشكل قانوني، وبالتالي هذه الأموال غيرمتحصلة عن مخالفات أو جرائم، لان على البنك واجب في التأكد من أن الأموال التييتعامل معها لها مصدر شرعي، وهذا واجب دوائر الامتثال في البنوك، لا سيما ان قبولأو عدم قبول العميل يعود إلى البنك.
5. لا اعلم كيف توصل ناشري التقرير – التحرير بأن هذه الأموال مصدرهاغير مشروع وما هي الأدوات التي استخدمت للوصول إلى هذا الاستنتاج ؟ وهل مجرد فتححساب بنكي من أي مسؤول أجنبي قرينة على عدم مشروعية المال؟
واخيراً، قد يسأل البعض ما هي مصلحة البنك فيذلك؟؟ أمام خسارة متوقعة نتيجة لهذا التسريب، فالبنك أمام احتمالين: الأول: أنه تعرض فعلا لقرصنة أو تسريب معلومات من داخل البنك من قبل موظفيه دون علمه، وهذا لايخلي مسؤولية البنك أمام عملائه نتيجة لهذا التقصير والإهمال، أما الاحتمال الثاني:فيتمثل بأن التسريب تم بمعرفة البنك وبموافقته، وفي هذه الحالة لابد من وجود جهةمالية ضخمة وراء هذا الامر، وأنها على استعداد لتعويض البنك عن أي خسارة بهذاالخصوص.
الخلاصة، نحن أمامقضية قانونية يتحمل مسؤوليتها البنك نفسه، وبتقديري فإن أصحاب هذه الحسابات لديهمأساس قانوني لمقاضاة البنك أو أي موظفين عاملين لديه مسؤولين عن عملية التسريب.