جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يـشكل وجود فرد مصاب بإضطراب طيف التوحد تحديا كبيرا للعائلة الأردنية، ويؤثر وجود تلك الإصابة سلبا على الوضع النفسي والإجتماعي والمادي للأسرة ويُعرقل سير حياتها بشكل كبير، في ظل وجود عدة تحديات، أبزرها انتشار مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) وسط مخاوف من موجة الوباء الثالثة وظهور «أوميكرون» المتحور الجديد للفيروس.
ويشكو ذوو المصابين بإضطراب طيف التوحد في محافظة الزرقاء من الكلفة العلاجية المرتفعة في مراكز العلاج الخاصة في ظل ندرة المراكز الحكومية، وضعف الخدمات المقدمة فيها مقارنه بالقطاع الخاص.
ولم يعرف العالم قاطبة اسماً للتوحد قبل العام 1938 حين شخّص دونالد غراي بأعراضه من قبل طبيب الأطفال النفسي ليو كانر، في ولاية ميسيسبي الأميركية، لتتابع بعدها البحوث المفصلة حول المرض الجديد الذي أطلق عليه بعض الباحثين اسماً جديداً يتهم الأم بالمرتبة الأولى، إذ عرف أيضاً بـ «الأم الباردة»، إلا أنها رفضت لاحقاً.
ويطالب ذوو المصابين بإضطراب طيف التوحد في محافظة الزرقاء بالتفاتة حكومية جادة وتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الفئة من حيث العلاج والرعاية بشكل عام.
مركز التوحد الوحيد
يتهم خالد عثمان، مدير مركز الزرقاء للتوحد المسؤولين بتهميش فئة اضطراب طيف التوحد، بينما يلملم أوراقه خلال مقابلته لمغادرة المركز الوحيد في المحافظة، إثر قرار إخلاء صادر عن المحكمة وذلك لتخلفهم الطويل عن دفع بدل إيجار استخدام المركز، المقدر بـين المالك والمستأجر بـ 300 دينار شهريا، بيد أن الكلفة التشغيلية الكاملة للمركز تقدر بـ 54 ألف دينار شهريا.
ويصف عثمان علاج اضطراب طيف التوحد في الأردن بأنه للأغنياء فقط، إذ أن فاتورة العلاج الشهريـة لمصاب التوحد في العاصمة عمان تصل إلى 800 دينار، فيما يتقاضى مركز الزرقاء للتوحد مبلغا رمزيا جدا، لا يكاد يذكر مقارنه بالرقم الأول.
وتعرف منظمة الصحة العالمية اضطرابات طيف التوحد بمجموعة من الإعتلالات المتنوعة التي تتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل وبعض الاعتلالات الأخرى تمثل نمطا لانموذجيا من الأنشطة والسلوكيات، مثل صعوبة الانتقال من نشاط لآخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس.
وتعجب عثمان من غياب إحصائية حكومية رسمية حديثة حول تعداد فئة اضطراب طيف التوحد في المملكة، معتبرا ذلك نوعا آخر من أنواع الإهمال لهذه الفئة.
وتعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من نيسان «يوما عالميا للتوعية بمرض التوحد»، وذلك لتسليط الضوء على الحاجة إلى تحسين حياة الذين يعانون من التوحد، حتى يتمكنوا من العيش، وجرى أول احتفال في العام 2008.
حالة في المحافظة
يقدر عثمان تعداد المصابين باضطراب طيف التوحد في محافظة الزرقاء بـ 4000 حالة على الأقل، منها 700 حالة مسجلة بشكل رسمي في مركز الزرقاء للتوحد، و 5 من الحالات تلك فقط يقوم المركز برعايتها ضمن قدراته المتاحة، فيما يستقبل مركز الزرقاء الشامل للتربية الخاصة 5 حالات مغايرة.
واوضح أن تلك الإحصائية أولية تقريبية، فعدد الحالات في محافظة الزرقاء أكبر من ذلك بكثير، إلا أنه يخشى من اتهامه بالمبالغة، وصدمة المجتمع، وفق تعبيرة.
ويشير عثمان إلى أن ثقافة العيب لدى الكثير من العائلات تعتبر عائقا كبيرا في عدم وجود إحصائية دقيقة، وذلك لخجل بعض الأسر في الكشف عن وجود أي من أبنائها المصابين بإضطراب طيف التوحد، خوفا من الوصمة الاجتماعية والصورة النمطية التقليدية، حتى وإن كانت الجهة المعنية وزارة التنمية الإجتماعية والغاية من الكشف الحسي صرف مستحقات مالية أو معونات من قبل الوزارة.
وتشير منظمة الصحة العالمية، في إحصائية أعدتها عام 2017، إلى أن مرض التوحد يصيب الملايين حول العالم، ويقدر عدد المرضى بنحو 70 مليونا وفق إحصائية لمنظمة «التوحد يتحدث»، التي تنظّم حملة عالمية للتوعية كل عام، وتعد أكبر منظمة متخصصة في علوم التوحد والدفاع عنه على الصعيد العالمي
ينتقد مدير مركز الزرقاء للتوحد تهافت مسؤولين ونواب وناشطين طامحين لزيارة مقرهم واطلاق جملة من الوعود التي لا تنفذ.
وبين عثمان أن الغاية من تلك الزيارة، فقط التقاط الصور مع الأطفال المصابين بإضطراب طيف التوحد لتحصد آلاف المتابعات والإعجابات على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، في ظل اقتراب موعد انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات ومجلس أمانة عمّان.
معاناة مريرة
وجود حالة واحدة بإضطراب طيف التوحد داخل الأسرة كفيل بقلب حياة الأسرة رأسا على عقب، فيما تأن عائلة سامي مصطفى (اسم مستعار) تحت وطأة 3 حالات توحد استنزفت ما تبقى لهم من مدخرات مالية ونفسية، خاصة في ظل انتشار مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) حيث عادت المخاوف تطرق بابهم من جديد، وسط دخول المملكة في موجة الوباء الثالثة وظهور «أوميكرون» المتحور الجديد للفيروس.
ويصف عامر أحمد (اسم مستعار) ابنه البالغ من العمر 17 عاما بأنه لا يعرف الخجل والحياء من الناس مطلقا، إذ يقوم وأمام الجميع حركات مخجلة دون أدنى شعور بالحياء أو الخجل ممن هم حوله.
وتعترف ساجدة ابراهيم (اسم مستعار) أنها بدأت بالانهيار والإستسلام، في الآونة الأخيرة أمام إبنها البالغ من العمر 19 عاما الذي يقوم بخلع جميع ملابسه تماما، ويقوم بالتبول وقضاء حاجته في منتصف الغرفة أو على المقاعد أو في أي مكان يحلو له داخل المنزل.
ولا يمنعه من ذلك الصنع وجود ضيوف في المكان أو أي سبب آخر، لتبدأ عقب ذلك رحلة الأم في تنظيف فضلات إبنها باكية، دون أن تستبعد أن يقوم ابنها بذات الفعل حين تقتضي حاجته مرة أخرى بعد ساعتين أو ثلاث في مكان آخر وعلى هذا المنوال.
أما معاناة عائلة سامر عيسى (اسم مستعار) فتكمن في فرط حركة إبنهم المصاب بالتوحد والبالغ من العمر 15 عاما والذي لا ينام إلا نصف ساعه فقط في اليوم، مما يدفع والدته مكرهة إلى تربيطه في السرير في محاولة يائسة لضبط حركاته والمحافظة على ما تبقى من أثاث البيت غير المحطم.
أما هاشم خضر (اسم مستعار) البالغ من العمر 24 عاما والمصاب بإضطراب طيف التوحد، فهو فاقد تماما لشعور الشبع، فلا يتوقف عن طلب الطعام والتهامه على مدار الساعه، الأمر الذي يزيد من أعباء عائلته المالية الكبيرة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة جدا يعاني منها رب المنزل أصلا.
ويبدأ اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة وغالبًا ما تظهر أعراضه على الأطفال في غضون السنة الأولى حيث يحدث النمو بصورة طبيعية على ما يبدو بالنسبة لعدد قليل من الأطفال في السنة الأولى، ثم يمرون بفترة من الارتداد بين الشهرين الثامن عشر والرابع والعشرين من العمر عندما تظهر عليهم أعراض التوحد.
عزلة اجتماعية
تميل الحياة الإجتماعية للأسرة المصاب أحد أعضائها بإضطراب طيف التوحد إلى العزلة والتقيد بالطفل من ذوي الإصابة، خصوصاً أن لدى المصاب سلوك عدواني أو مزعج. ومن الصعوبة بمكان توفير مربية خاصة تعتني بالطفل لظروف مالية وإجتماعية مما يجبر الوالدين على عدم القدرة على الخروج من المنزل حتى للزيارات العالية خاصة ان الطفل المصاب بالتوحد يتسبب بمتاعب كثيرة عند خروجه من المنزل مع أسرته، الأمر الذي يضطر بعض الاسر للمكوث الطويل مع تلك الحالة على حساب الخروج من المنزل لصالح الزيارات الإجتماعية وحتى زيارات صلة الرحم بحسب ما أفاد به عثمان.
هروب الآباء
ويؤكد عثمان أن الأم هي من تكون المعنية الأولى بالمصاب باضطراب التوحد وهي صاحبة العبء الأكبر والأكثر تضررا وتضحية وصبرا ومعاناة دون غيرها، فبعض الآباء لا يتحملون مسؤلياتهم تجاه ابنهم أو ابنتهم المصابة، فيما يلجأ بعض الآباء إلى هجر بيته وزوجته مع الحالة المصابة تلك، ثم الهروب من المنزل، ليقوم بالزواج مرة أخرى وتأسيس بيت آخر، فيما يعمد بعض الآباء إلى ازهاق روح ابنه المصاب باضطراب طيف التوحد.
أب يقتل ابنه المصاب
ويستذكر خالد عثمان حكم محكمة الجنايات الكبرى في يوم الثلاثاء 27 مارس 2018 بالإعدام شنقًا لأبٍ أردنيّ، ارتكب جريمةً بشعة، في منطقة صويلح بالعاصمة عمّان، بعد أنّ أقدمَ على رمي ابنه المصاب بالتوحد البالغ من العمر 8 سنوات من عمارة مهجورة، ثم قام بحرقه بعد أن تأكد من وفاته.
وبين عثمان أن الطفل كان مصابا باضطراب طيف التوحد، ووالداه مطلقان، وقبل الجريمة أقدمت والدته على إرساله وأشقائه لوالدهم المتزوج من زوجة أخرى، ليعيشوا في كنفه في منزله.
ولم يتمكن الأب من احتمال ابنه المصاب، فقام بالتخلص منه عن طريق اصطحابه من منزله إلى عمارة مهجورة في منطقة صويلح، وهناك قام برميه من أعلى العمارة، وبعدما تأكد أنه فارق الحياة، قام بحرق جثته.
الدمج ناجع
تشير وثيقة تعريفية أصدرتها منظمة الصحة العالمية في أبريل إلى أن قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد تتباين، ويمكن أن تتطور بمرور الوقت، فقد يتمكن البعض من التمتع بحياة مستقلة، لكن البعض الآخر قد يعاني إعاقات وخيمة ويكون في حاجة للرعاية والدعم مدي الحياة، وغالباً يؤثر التوحد سلباً في فرص التعلم والعمل.
من جهته يؤكد الخبير في حقوق ذوي الإعاقة الدكتور مهند العزة في تصريحات صحفية أن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة مهم جدا، حيث أكدت عليه اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة التي نصت في قوانينها ومبادئها على إلزامية التضمين والدمج حيث احتل اهتماما كبيرا في الاتفاقية من خلال المادة 3 والمادة 4، فضلا عن المبادئ العامة والإلزامية للاتفاقية.
ويبين العزة في تصريحات صحفية أن المادة 31 /2007 من القانون الحالي الذي يتعلق بورود قانون يتعلق بحق الأشخاص ذوي الإعاقة بالدمج، لافتا إلى أن المادة 3 واحد من أهم المرتكزات للاتفاقية، مشددا على أهميته من الناحية العملية والنظرية.
العلاج ممكن
من الناحية الطبية، بين الطبيب مالك صوان، أن لعلاج اضطراب طيف التوحد طرق عديدة مستخدمه، منها علاج تربوي من خلال استخدام مجموعة من البرامج المتنوعة التي تحتوي على العديد من الأنشطة، بهدف تحسين مهارات الإتصال والسلوك، والمهارات الاجتماعية.
ويوضح صوان أن هناك علاجا سلوكيا يستخدم في برامج تعالج الصعوبات اللغوية، والسلوكية، والاجتماعية، إضافة إلى تعليم العديد من المهارات الجديدة وتركز بعضها على تعليم الأطفال كيفيّة التواصل مع الآخرين، والتصرّف بالمواقف الاجتماعية.
أما العلاج الدوائي فلا يتم اللجوء إليه إلا بعد إخضاع الطفل للعلاج السلوكي، وفي حال لم يبد أي استجابة للعلاج السلوكي، وذلك في المراحل المتقدمة من فرط الحركة شريطة مراعاة الحالة النفسية للطفل.
وشدد الدكتور صوان على دور الأم في معرفة ما يفرح ابنها المصاب باضطراب ظيف التوحد وما يغضبه والحرص على عدم إبقائه وحيدا لفترة طويلة، والحوار معه فيما يدور في داخله وتعزز الحرص على تواصل الطفل مع محيطه، بصريا ولفظيا، وتشجيعه وتحفيزه بالهدايا، والحث على تواصل الطفل ولعبه مع الأطفال من عمره.
الحقوق مكفولة
في الجانب الحقوقي يوضح عمر الجراح، مدير مركز الأمان لحقوق الإنسان قائلا: «لابد أن نميز بين التزامات الدولة وما يطبق على أرض الواقع، ففي قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 أوجب للأشخاص ذوي الاعاقة حقوقهم في شتى المجالات ومنهم الاشخاص ذوو اضطراب طيف التوحد، وهذا القانون خاص له أولوية التطبيق على جميع القوانين العامة
ويضيف الجراح: «يصنف الأشخاص ذوو اضطراب طيف التوحد من الأشخاص ذوي الاعاقة لأن الشخص ذوي اضطراب طيف التوحد له متطلبات يجب العمل على تلبيتها ولديه جوانب قصور في التواصل بشقيه اللفظي وغير اللفظي ولدى نسبة كبيرة منهم اعاقة ذهنية يرافقها اضطراب طيف التوحد الذي يعرف بانه اضطراب نمائي شامل يشمل معظم جوانب النمو الاجتماعية التواصلية وغيرها وتم إدراجها بنظام الاعفاء الجمركي»، منوها في الوقت ذاته إلى أنه وفي العادة يتم استخدام مصطلح ذوي الاعاقة بشكل مباشر للاشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد على أنه في الحديث عنهم نستخدم مصطلح الاشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، لكن في الحديث عن الاشخاص ذوي الاعاقة يشار اليهم على انهم من هؤلاء الاشخاص.
الدستور