النسخة الكاملة

مقارنة بين الأمن والأمان ولقاحات كورونا والفساد

الخميس-2021-12-05 01:16 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. ابراهيم العابد العبادي

مقالة اليوم تسعى للبحث والمقارنة بين مدى حاجتنا في الاردن تحديداً، ومختلف بقاع العالم، لتوفير لقاح فاعل خاص بالوباء المستشري في اصقاع العالم (كورونا- كوفيد -19)، وما يتطور ويتحور عنه من سلالات متسارعة اخرها (متحوري دلتا وأميكرون)، والتي قد تكون اللقاحات الحالية غير فاعلة في التصدي لها والحد من اثارها ونتائجها 

اما الوباء الثاني والذي هو أشد فتكاً وتجبراً بحياة الشعوب هو داء ووباء الفساد الذي يتفشى ويزداد انتشاراً بشكل يفوق وباء كورونا، وغيره من الاوبئة التي مرت وتمر بحياة البشرية.

يأتي الفساد وكورونا وغيرها من كلُّ أسباب العقوبات العامة بعد الشركِ بالله: ومنها الذنوبُ والمعاصِي، وانتشارُ الفواحِش والزنا، وأسباب الفُسوق المُؤدِّية إليها التي تُزيلُ النِّعَم، وتُحِلُّ النِّقَم، وتُحدِثُ في الأرضِ أنواعًا من الفساد في الماء والهواء والبيئة، وفي الشجر والثّمر، والمساكِن وابواب الرزق، والقائمة تطول...، اذ يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون(الروم: 41)، وقوله سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين} (الأنعام: 6)

تتغنى وتتشدق العديد من الدول والجهات والمسؤولين بمقولة الأمن والأمان، ويتناسون نتيجة للابتعاد عن الدين والخلق وابسط قواعد الانسانية، أن (الله جل جلاله) هو الأمان الوحيد الذي نلجأ في ظل ما تعيشه مجتمعاتنا من فوضى وعشوائية وظلم وجور وتجاوز يخالف كل الشرائع والأعراف والقوانين...كما يغضوا الطرف عن قاعدة اساسية وهي أن الله سبحانه وتعالى قد ربط وجعل الأمن مقروناً بالإيمان...، اذ قال تعالى : { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} سورة (الأنعام81- 82).

يكاد يكون الأمن من أعظم النعم لأن مقتضاه الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، فيزول عنه هاجس الخوف، ويحس بالرضا والسعادة. والشعور بالأمن غاية في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة، فكيف يشعر او يعيش الانسان بأمن وأمان في ظل الاوبئة والامراض والفساد المستشري...كيف وقد أصبح الفساد ظاهرة اجتماعية واقتصادية وسياسية متداخلة ومترابطة ومعقدة تؤثر على كافة بلدان العالم.

 فالفساد بكافة اشكاله وانواعه، يقوض المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية والسياسة، ويمنع من الدخول في معترك التنمية المستدامة ضمن اهدافها السبعة عشر، كما ويسهم في عدم الاستقرار الحكومي والانظمة ويقود نحو المجهول

 كيف لا والفساد يستنزف ويهاجم كل التوجهات المؤسسية الديموقراطية، ويلعب ويشوه عمليات الانتخابات، ويحرف الانظمة والقوانين عن مرتكزاتها، ويمعن في خلق بؤر ومستنقعات بيروقراطية مقيته، ويجهض كل الجهود في تحقيق رفاه وتنمية مستدامة والقائمة تطول وتطول رغم اعتماد الجمعية العامة اتفاقية الامم المتحدة في اكتوبر 2003، ودخلت حيز النفاذ في 2005، وتحديد يوم 9 كانون الأول "ديسمبر" الذي يطل علينا خلال الايام القادمة، باعتباره يوماً دولياً لمكافحة الفساد، وزيادة الوعي بالفساد، ودور الاتفاقية في مكافحة ومنع الفساد بكافة اشكاله الاقتصادية ما يرتبط بها من اعاقة للنمو وتقويض الخطط التنموية، واهدار المال العام وسوء استخدامه، وهروب الاستثمارات أو تدنى نوعيته، وزيادة الفجوة الاقتصادية بين ابناء المجتمع الواحد، وإضعاف ايرادات الدولة ونهبها واختلاسها، والتهرب بأنواعه، وتدمير البنى التحتية للتعليم والصحة والنقل والخدمات، وسوء جودة الخدمة والمنتج

اما الفساد السياسي، فحدث ولا حرج بدءً من اختيار الحكومات، والخروج عن ادوارها فلا تنفيذ السياسات العامة، وانهيار هيبة الدولة وتحييد القوانين، وعدم المؤسسية، ومحاربة واضعاف جهود الاصلاح الديموقراطي، واقصاء ومحاربة الكفاءات والخبرات، وتعيين المقربين واصحاب المحسوبيات، وضعف القرارات وعدم الاستقرار السياسي، وتحييد المجالس المنتخبة والسيطرة عليها، ومقاومة الجهود الرقابية في القطاعين العام والخاص

وفي ظل الفسادين السابقين يصعد ويسود الفساد الاجتماعي، مما يؤدي الى سلوكيات الكراهية والعنصرية والطبقية وانهيار النسيج المجتمعي، نتيجة لعدم العدالة والمساواة وغياب تكافؤ الفرص، وانتشار الجريمة ومخالفة الأنظمة والقوانين وعدم الانصياع

وبالتالي يستشري الفساد المُعّرف على أنّه أعمال غير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، مثل المديرين، والمسؤولين الحكوميين وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، ومن الأمثلة على ظواهر الفساد إعطاء وقبول الرشاوى والهدايا غير الملائمة، والمعاملات السياسية غير القانونية، والغش أو الخداع، والتلاعب في نتائج الانتخابات، وتحويل الأموال، والاحتيال، وغسيل الأموال وغيرها لتطول قائمة انواع واشكال واسباب الفساد، لتشمل الفساد الوظيفي والفساد الأخلاقي وصولاً الى الفساد المؤسسي والمجتمعي.

وفيما يتعلق بكورونا، ومن واقع البيانات الاحصائية الرسمية المنشودة، ومع تاريخ اعداد هذه المقال، فقد تجاوز اجمالي الحالات بالعالم (265) مليون حالة، وما يقارب (5.3) مليون وفاة،... اما في الاردن فقد تجاوزت الحالات حدود (971 الف حالة) منذ بدء الجائحة، وتجاوزت الوفيات (11700) وفاة، وبلغ اجمالي اللقاحات للعالم اجمع ما يقارب (8) مليار جرعة ليشكل اجمالي الاشخاص الملقحين بالكامل من نسبته (43%) من سكان العالم، فيما بلغ اجمالي اللقاحات في الاردن، ما يقارب (8) مليون جرعة، وبلغ نسبة الاشخاص الذين تلقوا اللقاح بالكامل ما نسبتهم (35.3%)، ومن واقع البيانات يتبين ان الاردن ما زال اقل من متوسط دول العالم في تلقي اللقاح، فيما كان يتوجب أن يكون ضمن فئة الدول الأعلى والتي تجاوزت بعضها حدود (85%)...لكن نظام الفزعات لا يمكنه التعامل مع هذا الواقع الا بالشعارات البراقة والعبارات الرنانة والخروج على الشاشات والمحطات للتصريح والتحليل والتبرير، دون عمل ميداني منطقي.

الحقيقة ان حالنا لا يسُر في كلا الأمرين، ففي لقاح كورونا ما زال التلكؤ وضعف العمل المؤسسي وانعدام الثقة العامة بالقرارات الحكومية وتضاربها وعدم المصداقية، تجعل سير عملية التلقيح ضد كورونا مشابهة تماماً للجهود التي تُبذل في مكافحة الفساد، فما نسمع عنه ونقرأه ونراه، قد يتطلب أن يستمر التلقيح لمدة عشر سنوات قادمة ارتباطاُ بنتائج وتوصيات الاصلاحات التشريعية والسياسية، وتنفيذها على ارض الواقع.. كذلك ليستمر الفساد في النمو والترعرع حتى ذلك الحين، ان بقينا على قيد الحياة...كيف لنا كشعب أن نثق في اجراءات وسير عملية التلقيح باعتبارها عملية لا تشكل نوعاً او شكلاً من اشكال الفساد...اللهم انا نشكو اليك ضعف حالنا، وحمى الله الاردن ارض الحشد والرباط ...ولا نامت أعين الجبناء.