النسخة الكاملة

ماذا جرى للمجرم الذي إغتال وصفي؟.. وماهي هي الصلاحيات المطلقة للضابط الشيشاني؟.. وكيف أعاد الطلبة العبابيد إلى مدرستهم؟

الخميس-2021-11-28 10:19 am
جفرا نيوز -


جفرا نيوز- كتب: محمود كريشان

نقف مع الحزن، وجها لوجه، عندما تصادف اليوم الذكرى الخمسون لاستشهاد وصفي التل الذي غادرنا أخضر يانعا  قبل الاوان ، مؤديا ضريبة الشرف والموقف التي دفعها بدمه الارجوان، عندما نالت منه رصاصات صدئة في القاهرة يوم 28 تشرين الثاني 1971، ليعانق عطر الشهادة وقد أزهر دمه الارجوان شيحا ودحنونا فوق الارض الطيبة.
في تلك الأثناء كانت اذاعة عمان التي اسسها  وصفي  على  تقوى الاردن ، تبث رائعة فيروز الغنائية  موطن المجد .. وقلنا لهم فيما بعد لماذا هذه الاغنية تحديدا؟.. فقالوا ان الشهيد كان يعشق هذه الرائعة الغنائية الوطنية.. لأن الاردن في عرفه  موطن المجد.. منذ تلك اللحظة.. أطلق الناس على مواليدهم اسم  وصفي  تأسيا بفارس الشهادة وعميدها، ومزهريات الورد في البيوت هنا تحيط بصورته في برواز القلب، وهو يثني شماغه على كتفه، دون ألوان..  بالابيض والاسود ، ونظرته تشي بفروسية الموقف ورجولة فارس لن يتكرر..

 نستعرض في هذا السياق مواقف من سجله الناصع بمواقف المجد والكرامة.. العزة والإباء والروح الجعفرية:

 *صاحب ولاية

كان المهندس وهدان عويس قد أورد في كتابة «العودة الى الهداة» أن نقابة المهندسين الاردنيين انتدبته مع المهندس نبيه العبوة لحضور اجتماع في بيروت تم تخصيصه لوضع النظام الاساسي لإتحاد المهندسين العرب، وظهرت في المؤتمر نقطة خلافية بين ممثلي نقابة المهندسين في سوريا ونقابة المهندسين في مصر حول مقر المؤتمر هل يكون في دمشق أم في القاهرة ، وكان رأي الوفد الاردني مؤيدا لمصر، وقد صوت الحاضرون على ذلك بالاكثرية .

وبعد عودة عويس والعبوة تم طلبهما لمقابلة مدير المخابرات العامة انذاك الباشا محمد رسول الكيلاني في مكتبه بجبل عمان، وقد ابدى اعتراضه على موقفهما بدعم القاهرة لتكون مقرا للمؤتمر بدلا من دمشق، وقام الكيلاني بإصطحاب المهندسين عويس والعبوة بسيارته الى مكتب رئيس الوزراء انذاك وصفي التل وبدأ الكيلاني حديثه باتهامهما بأنهما من أنصار جمال عبدالناصر وقال من يريد من الاردنيين ان يتبع عبدالناصر فليحمل أمتعته ويرحل عن الاردن.. وعندها قال وصفي التل همسا للمهندسين وهدان ونبيه: «طولوا بالكو يا اخوان في حكومتين في البلد» .... وقال التل للكيلاني: يا باشا هؤلاء شباب مخلصون وهم في خدمة الاردن دائما ، وأنا أعرفهم ، لذا أرجو أن تنسى الموضوع وتطوى القضية، وهكذا ونتيجة لتدخل وصفي التل لم يقم الكيلاني باعتقال وهدان عويس ونبيه العبوة.

 *حجر معان

ونتوقف هنا عند ورقة بخط اليد، حصل عليها كاتب هذه السطور بخط زوجة التل المرحومة سعدية الجابري، تشرح بدقة وتفصيل، كيف تم بناء بيت وصفي، ومن ضمنه ضريحه داخل مرفقات المنزل بالكمالية، وجاء فيها: ان الشخص الذي ساعد في بنائه على الشكل العربي الإسلامي هو الشيخ عمر الهشلمون، الذي كان خبيراً في فن الهندسة الإسلامية وعمره تسعون عاماً، وكان يرسم على البلاط خطوط القباب والإيوان الصغير والكبير على الأرض وينقلها سلاح الهندسة إلى الموقع، وكان الشيخ عمر الهشلمون حرفياً يعرف صنعته وسر المهنة، وقد ساعدني في عمل الشبابيك التي تسمى الزلاق التي تدخل شمس الشروق من أحدها وشمس الغروب من الثاني، وعلى دائرها من الأسفل عملنا ثمانية شبابيك مغلقة وقد استعملت في هذا البناء الحجر الأردني من معان والزرقاء، وقد بنيناها من الداخل ومن الخارج بالحجارة فلا يوجد فيها أي قصارة ولا أي خطوط، وقد عمل الحرفيون جهدهم على أن يكون وصل الحجر بعضه مع بعض بدون تكحيل، وبدون إسمنت، وبطريقة لا ترى.

أما بالنسبة للقبب، فقد كانت مهمة صعبة وقد كان عندي بعض الشكوك في حينها، فالقبة على السطح تشكل غرفة لها باب مستقل وقد تيقنت بعد ذلك بوجود مثل هذه القباب في العالم الإسلامي، وفي الداخل ولكي يفصل الضريح عن المحراب استعملنا مشربيات وجدتها في مصر وعددها ستة من الخشب القديم، وللجامع مساحة في الخارج للصلاة، وقد ساعد في البناء الحاج صلاح من الخليل، فقام بعمل هلالين من الحجر بشغل يده وهو شقفة واحدة فوق القبة.

*هذا المجرم

المعلومات تشير ان الطلقة التي قُتل فيها الشهيد وصفي التل خرجت من مسدس احد اطراف العملية الجبانة المجرم «عزت رباح» والذي قُتل في 1982 على يد الكتائب في لبنان.


*رفض ترخيص

وهنا.. ولمن لايعلم، فقد رفض الشهيد وصفي التل فكرة السماح بترخيص المدارس الخاصة في الأردن، لأنه يعرف تماما ما يعانيه المواطن الأردني من شح في الموارد والإمكانيات المادية، لذلك أراد التل ان يكون المعلم الأردني نموذجا في العطاء، بعيدا عن المغريات المادية، لدى من أراد أن يتاجر في قضية التعليم في الأردن، وكان المعلم الحكومي عند حسن ظن الشهيد وصفي التل به.

 *ثقة مطلقة

اما علاء علاء الدين نجل قائد القوات الخاصة اللواء الركن المرحوم احمد علاء الدين الشيشاني فيقول: رحم الله وصفي التل فقد كان من مدرسة الراحل الحسين، يثقون بالرجال الرجال، وكان لوالدي كامل الصلاحيات لعمل ما يراه مناسبا ايام احداث الأمن الداخلي المؤسفة، وحينما لم يرق ذلك للبعض كان وصفي يدافع عن قرارات والدي رحمه الله كونه يقاتل في الميدان وبعض القرارات لا يمكن تأجيلها لحين انتظار امر او تعليمات، بحيث وفي حال تاخرت تلك الأوامر يمكن خسارة ارواح او مناطق لصالح العصابات الخارجة على القانون، وكان والدي رحمه الله دائم الاجتماع مع الشهيد وصفي لاطلاعه على كل المستجدات الميدانية والعسكرية وكل التفاصيل كبيرها وصغيرها كون اي معلومة مهما كان حجمها تساعد اصحاب القرار لاتخاذ القرار السليم والصحيح، وعليه كانت علاقتهما رحمهما الله علاقة ثقه أكيده وتعاون مشترك لحماية الأردن.

*في الإذاعة الأردنية

المرحوم الزميل الاعلامي عبدالمنعم ابوطوق الثمانيني المتمتع بذاكرته الزاخرة، كان قد قال ان وصفي المتواضع الطيب المحب للعمل، وفي ذات زمن جميل، قام بزيارة تفقدية لدار الاذاعة والتلفزيون، فدخل الى دورة المياه، ليجد ان اطراف ارضية البلاط فيها شيء من  السواد ، فقال للعامل المكلف بذلك: لماذا لم تنظفها؟.. ليرد العامل انه حاول لكنها بقيت.. فما كان من وصفي الا ان شمر عن ساعديه ، وتناول فرشاة يدوية خشنة ، بعد ان سكب الماء والمنظف فوق البلاط، واصبح يمسح البلاط بشدة، ثم سكب الماء عليه، وقال للعامل ها هو البلاط رجع ابيض طخ لانج  بيوج وج .. بس انت يا ابني ما بدك تتعب بشغلك!.

*شاهد عيان

الزميل الأستاذ عبدالحليم السعايدة كان قد استذكر مواقف الكبار وقال: انه وقبل استشهاد وصفي التل  كان لي معه قصة رائعة حيث حدثت مشكلة بين مجموعة من الطلبة وانا احدهم مع فرح الزيود ويوسف زيادات وجميعنا طلاب ننتمي لعشيرة عباد وبين أستاذ وطالب أثر مشاجرة مع أحد الطلبة كان قد اساء لاحد رموز الدولة الاردنية، وعلى أثر ذالك قامت إدارة المدرسة بفصلنا من المدرسة وانتلقنا إلى مدرسة اخرى ولكن لم نستطع دفع الرسوم مرتين، وعلى اثر ذلك ارسلنا برقية إلى دولة الشهيد التل وبعد يومين جاء الرد التالي: عبدالحليم ورفاقه أرحب بكم يوم الثلاثاء الساعه الثانية بعد الظهر والبرقية وصلت إلى العنوان الجديد للمدرسة الحسينية الثانوية واحضرها الاستاذ فوزي بالي، وفي الموعد المحدد ذهبنا إلى دار رئاسة الوزراء وكانت حينها على الدوار الثالث، ودخلنا مكتب دولته وكان يرتدي فوتيك وشربنا القهوة وعرفنا بانفسنا ورحب بنا، وقمنا بشرح ما حدث لنا، وقال التل: ابشروا انتم نشامى وقال سأعاقب كل من أساء لكم.. ثم سأل كم الرسوم قلت 80 دينارا لنا جميعا، فسحب من جيبة الفوتيك 80 دينارا، وقال: هذا مصروف لكم.. والطلبة جميعهم احياء.

*لسه نايم

أما الدكتور عوني تغوج الشركسي الذي قال: حدث عندما كان وصفي التل رئيسا للوزراء ان هطلت ثلوج كثيرة، واتصل وصفي بالاشغال  ليزيلوا الثلوج.. وتم ذلك ليلا حتى يتمكن وصفي  من الذهاب الى عمله.. عند الصباح اتصل وصفي بعمي والد زوجتي المسؤول في وزارة الأشغال طلعت فريز النابلسي مستفسرا فرد عليه بعفوية: انت لسّه نايم، اي قوم وافتح الشباك وشوف .. سلام خلينا نشتغل.. ضحك وصفي وتأكد وشكره.. وقد قدم لعمي طلعت فريز النابلسي وساما عن طريق وزارة الاشغال..

اذا.. هذا جزء يسير من مواقف وسيرة الشهيد وصفي التل، الذي لن تنساه الأجيال، وسيبقى العنوان العريض الخالد في سفر الوطن.

Kreshan35@yahoo.com