النسخة الكاملة

مدى دستورية إنشاء مجلس الأمن الوطني

الخميس-2021-11-19 07:12 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز -كتب نوفان العجارمة - 


التكييف القانوني لمجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية ومدى دستورية إنشاؤه 
 
أمضيت سحابة هذا اليوم في تصفح عدد كبير من دساتير العالم للوقوف على ماهية أو محتوى الدستور، وقد وجدت بان هذه الدساتير تُجمع على وجود سلطات رئيسية ثلاث (تشريعية وتنفيذية وقضائية) إلا أنها اختلفت فيما بينها اختلافاً بيّنا حول ضرورة وجود عدد من المؤسسات الدستورية الى جانب هذه السلطات الرئيسية الثلاث.
فالدستور الهندي على سبيل المثال كان أكثر الدساتير اسهاباً (395 مادة) والدستور الأمريكي أشدها اقتضاباً (7 مواد) وجاءت بقية الدساتير وسطاً كالفرنسي (89 مادة) والاسباني (169 مادة) والبلجيكي (169 مادة) هو والأصل التاريخي للدستور الأردني. وقد تضمنت هذه الدساتير انشاء مؤسسات دستورية الى جانب السلطات الرئيسية في الدولة كدواوين المظالم والمحاسبة ومجالس او مراكز تعنى بحقوق الإنسان وكذلك الشأن الاقتصادي والاجتماعي والديني والبيئي والشباب والمنافسة والأمن القومي وغيرها من المؤسسات التي أوجب الدستور وجودها تجسيداً للقيم والمبادئ التي ترتكز عليها الدولة، والأهداف التي تسعى لتحقيقها لصالح أبناء شعبها، باعتبارها الآليات ضرورية لضمان تحقيق هذه الأغراض.
وبالرجوع إلى مشروع تعديل الدستور الأردني لسنة 2021 نجد أن المشروع تضمن إنشاء مجلس يعنى بالأمن الوطني و الدفاع و كذلك السياسة الخارجية، وهذا المجلس على قدر من الأهمية ويرقى الى المؤسسات الدستورية التي تعارفت دساتير العالم على تضمينها في دساتيرها ومن ثم، فان ما ورد في مشروع الدستور المعدل لم يخرج عن المألوف ومجلس الأمن الوطني هو دائرة حكومية ذات طابع دستوري، وهو من طبيعة المؤسسات التي تعارفت دساتير العالم على النص على استحدثها ، وقد سبق للمشرع الدستوري الأردني بأن أخذ بمفهوم حيث نص على إنشاء ديوان المحاسبة والمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب وقد تم استحداث هذه المؤسسات . 
وقد أسلفنا بأن مجلس الأمن الوطني هو دائرة حكومية أو مجلس حكومي يقوم بعمل تنفيذي  يدخل ضمن إطار  أعمال السلطة التنفيذية وان استحداثه يحقق مصلحة اردنية عليا ، ويضمن  أمن واستقرار الدولة ،ويؤدي الى  ثبات و استقرار سياستها الأمنية والدفاعية و كذلك سياستها الخارجية بحيث تكون سياسة دولة عابرة للحكومات، عمادها المصلحة الوطنية العليا ، ولا تتغير بتغير الأشخاص أو الأحزاب او توجهات الفكرية أو الفلسفية او العقائدية  في أوقات السلم والحرب موضحاً ما يلي : 

1.     أن النصوص الدستورية يجب أن تفسر بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً بما يقيم بينها التوافق والنأي بها عن التعارض، فالأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوَم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي. لذلك لا يجوز لنا أن نفرد حكماً خاصاً للمادة الدستورية وبشكل يعزلها عن باقي نصوص الدستور.
2.    مجلس الأمن الوطني – حسب مشروع التعديل- ينعقد برئاسة جلالة الملك والملك رأس الدولة والسلطة التنفيذية مناطة به ويتولاها بواسطة وزرائه وفق لأحكام المادتين (26) و (30) من الدستور.
3.     جلّ تشكيلة مجلس الأمن الوطني من السلطة التنفيذية وهم (دولة رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية ووزير الداخلية وقائد الجيش ومدير المخابرات العامة). لذلك فان هذا المجلس هو دائرة حكومية ويقوم بعمل تنفيذي يدخل ضمن نطاق مهام السلطة التنفيذية.
4.     تنظم كافة شؤون مجلس الامن الوطني بموجب نظام مستقل (نظام يصدره مجلس الوزراء استنادا لأحكام الدستور مباشرة) وهذا يؤكد طبيعة العمل التنفيذي والطابع الحكومي لهذا المجلس ابتداءً وانتهاءً.
5.    ان الأخذ بأسلوب الأنظمة المستقلة ليس امراً مستحدثاً في الدستور الأردني فقد سبق وان اوجب المشرع الدستوري تنظيم  التقسيمات الإدارية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها واسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم بموجب  أنظمة مستقلة ( المادة 120 من الدستور ) كما أوجب تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بموجب  أنظمة مستقلة ( المادة 45/2) من الدستور، كذلك أوجب مراقبة تخصيص وإنفاق الأموال العامة وتنظيم مستودعات الحكومة بموجب  أنظمة مستقلة ( المادة 114 من الدستور). 
6.     لقد أجاز الدستور الأردني في المادة (45/1) منه ان يعهد بإدارة بعض شؤون الدولة الداخلية والخارجية إلى أي شخص أو هيئة أخرى شريطة ان ينص على ذلك بموجب الدستور أو القانون،  وعليه، فأن إنشاء هذا المجلس وتوليه جزء من شؤون الدولة الداخلية الخارجية  يتفق وأحكام المادة (45/1) من الدستور . 
7.    ان مشروع الدستور المعدل و المتضمن استحداث (مجلس يعنى بالأمن الوطني و الدفاع و السياسة الخارجية)  يهدف الى تقنين عرف مستقر منذ إنشاء الدولة الأردنية  منذ مئة عام، فجلالة الملك هو من يقود السياسة الخارجية للدولة لذلك اتسمت هذه السياسة بالثبات و الاستقرار والنجاح  وقد جنبت الدولة اخطر الازمات و المنعطفات التي مرت  بها منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى ذلك فان القوات المسلحة الأردنية برئاسة القائد الأعلى هي من ترسم و تنفذ السياسة الدفاعية، والأجهزة الأمنية (دائرة المخابرات العامة والأمن العام) هي من ترسم وتنفذ السياسة الأمنية ضمن القوانين الناظمة لعملها والقاصي والداني يشهد لها بالاحتراف و المهنية ، و الأمن الذي ننعم به – والحمد لله – شاهد حي على ذلك ، ومعظم الدول التي تسربت السياسية الى أجهزتها الأمنية والدفاعية حرفتها عن مهنيتها ومسارها التي وجدت من أجله ، وهذا الحق ضررا بالغاً بالمجتمع.