جفرا نيوز - شادي الزيناتي
بعد اثارة كبيرة ومدّ وجزر انتهت انتخابات رئاسة مجلس النواب التي جرت مؤخرا , بفوز مثير للنائب المخضرم عبدالكريم الدغمي بفارق قليل عن منافسة نصار القيسي وبفارق ستة اصوات فقط.
وبالعودة لآخر اربعة اسابيع قبل موعد الخامس عشر من نوفمبر , موعد افتتاح الدورة العادية الاولى , فكان موقع رئاسة البرلمان قبلة العديد من الشخصيات النيابية الوازنة التي أعلنت عن نيتها خوض الانتخابات لمنافسة العودات على موقعه, وبدا ذلك جليّا فور فضّ الدورة الاستثنائية منتصف سبتمبر الماضي , فأعلن الدغمي والصفدي والقيسي والصقور عزمهم خوض المنافسة , ومؤخرا اعلنت تمام الرياطي قبل نحو اسبوعين فقط من الموعد المقرر.
الاراء تباينت وصبّت في مجملها بمنافسة ثلاثية ما بين العودات والدغمي والقيسي مع توقعات بانسحاب الصفدي للحفاظ على موقعه نائبا اول وهذا ما حصل فعليا , الا ان المفاجأة كانت بعدم ترشح العودات مرة أخرى بعد عام واحد فقط قضاه رئيسا لمجلس النواب , ما فتح الباب على مصراعيه بالسؤال "لماذا غادر العودات" وما هي اسباب عدم ترشحه ؟!
وما بين مؤشرات هنا وهناك , طموح جارف للمنافسين , وتكتلات نيابية , وتوجهات حكومية , ومقالات صحفية , وشعارات رفعت عن التغيير واعادة الهيبة , "ضاعت الطاسة" !!
وفي العودة لأداء مجلس النواب في عامه الاول واستنادا على تقرير مركز راصد , أقر مجلس النواب خلال عامه الأول 34 قانوناً منها 23 في الدورة غير العادية و11 قانوناً خلال الدورة الاستثنائية ووصل عدد الاقتراحات بقانون التي تم تقديمها خلال العام الأول إلى 10 اقتراحات بقانون ولكن لم يتم إقرار أي منها.
كما أن مجلس النواب التاسع عشر عقد في عامه الأول 56 يوم عمل توزعت على الدورة غير العادية بواقع 47 يوم عمل، والاستثنائية 9 أيام عمل، منها 37 يوم عمل تشريعي و19 يوم عمل رقابي، حيث وصلت نسبة أيام العمل الرقابية إلى 34% من مجموع أيام العمل خلال العام الأول، وبالمقارنة مع أيام العمل الرقابية في العام الأول لمجلس النواب الثامن عشر فقد وصلت إلى 16% من مجموع أيام العمل.
وبلغ عدد الأسئلة التي تم تقديمها خلال العام الأول 999 سؤالاً نيابياً خلال العام الأول تقدم بـ 162 مذكرة نيابية و25 استجوابا , وهذه الارقام تدل على عمل رقابي وتشريعي جيد في مجلس بلغ عدد نوابه الجدد الـ 100 نائب.
كما أثنى جلالة الملك عبدالله الثاني، على دور النائب عبدالمنعم العودات، خلال رئاسته لمجلس النواب، وعلى الجهود التي بذلها وزملاؤه طيلة فترة انعقاد الدورة غير العادية لمجلس النواب التاسع عشر , وذلك خلال لقاء جلالته، في قصر الحسينية حيث لفت جلالة الملك إلى أهمية الدور الرقابي والتشريعي الملقى على عاتق مجلس النواب، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهود لتأديته.
اذن لماذا غادر العودات بعدما حصل على الثناء الملكي؟
عبدالمنعم العودات سياسي ناعم وشاب عصامي صعد بعلمه لا بماله ولا بدفع جهات معينة, فـ بات نائبا في البرلمان من اصغر رؤساء اللجان النيابية ومن الأكفأ , وقدم مسيرة برلمانية مشرفّة وكان مرجعية قانونية في مجلس النواب لا يشقّ له غبار وانجز من التشريعات العشرات بكل جدارة واستحقاق في تلك الفترات.
واستطاع الوصول لموقع رئيس مجلس النواب بكل جدارة واستحقاق في مرحلة من اصعب المراحل في عمر المؤسسة التشريعية والظروف الاستثنائية ونجح بادارة البرلمان وقيادة الدفة امام كل الامواج العاتية التي عصفت في المجلس في اولى سنواته , فكان دمثا قياديا متواضعا , ما جعل بعض منتقديه يتطاولون على وسطيته واحترامه للآخر واعتماده حرية الرأي والتعبير تحت القبة
انتصر للحريات العامة بعد رفض مواد في قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد كانت قد مررتها اللجنة القانونية واعترض عليها الرأي العام والاعلام كونها تحد من الحريات وتضع حرية التعبير والصحافة في مرمى جرائم الفساد , فرفضها نصرة للاعلام والحريات العامة.
مكتبه مفتوح الابواب , يعامل الجميع بسواسية من نواب ومراجعين ومواطنين , ضمن اطر القانون والتشريعات والنظام الداخلي فلا عداوات ولا مناورات ولا مؤامرات من تحت الطاولة.
نظّر كثير النواب وعملوا على ازاحة العودات تحت شعار التغيير ,, فعن اي تغيير يتحدثون , وهو رئيس لأول مرة , وهو الاصغر عمرا في نادي رؤساء البرلمان فمثّل الشباب والخبرة ونجح في ذلك , أوليس الأولى أن يتغير اولئك وادائهم المخيب لكل آمال الشعب الذي شارك في الانتخابات والذي لم يشارك, أم هل كان المطلوب ان يكون الرئيس صاحب نفوذ واموال ليعاد انتخابه؟
لا أجد شعارات التغيير واعادة الهيبة مجدية لتستخدم ضد العودات , فهو من الجيل الجديد ورئيس لأول مرة , والهيبة تكون للمؤسسة وليست للرئيس , وهيبة الرئيس من هيبة المجلس وهيبة المجلس تتأتى من الاداء وقوة النواب ولن يعيدها رئيس مهما كان حجمه ,الا اذا تغيّرت الادوات , فالأدوات هي الأساس!!
اذن مجددا ,, لماذا غادر العودات ؟!
العودات لم يشتبك مع قضايا الرأي العام كما يجب , وظل حبيسا لآراء مستشاريه بالبعد عن كل ما من شأنه احداث اي جلبة واغلاق الباب امام وسائل الاعلام , في الوقت الذي يبحث فيه الشعب والاعلام عن اشتباك واجابات وشخص يقود مؤسسة الشعب للوقوف بجانبهم ووقف تغول الحكومة على الطرفين , فالحرص الزائد كانت نتائجه سلبية جدا على الاداء , والعمل خارج الاضواء في البرلمان لا يسمن ولا يغني من جوع , كما ان ضعف الخبرة وحداثة العهد في الموقع وبعدم وجود مستشارين اكفياء يوجهون بوصلته برلمانيا افقده جزءا كبيرا من العمل المطلوب.
العودات بحكم رئاسته للدورة غير العادية الاولى لمجلس احتوى 100 نائب جديد وحديث عهد في البرلمان وبظروف وبائية واقتصادية وانتخابية شابها ما شابها , ناهيك عن الاحداث التي عصفت بالمجلس ورافقت تلك البداية اثرت بشكل كبير على الاداء العام واضعفت الكل ولم تساعد العودات على الظهور.
كما ان العودات لم يستطع الارتكاز على كتلة نيابية تدفع به على حال منافسيه الدغمي والصفدي اللذان كسبا ود الشعب والمستقبل على الاقل , كما انه لم يستطع انشاء تحالف يحمي ظهره كـ تحالف وطن الذي انشأه الرئيس الأسبق عاطف الطراونة في ذلك العهد , اضافة الى انه ابتعد عن طريق المال في اكتساب اي شعبية وهمية.
ولا يخفى ان وجود شخصية برلمانية بحجم الدغمي وما يملك من خبرة الثلاثين عاما اضفت على المشهد خيارا جديدا وهاما لقيادة المرحلة المقبلة وسط هبوط الاداء والرضا الشعبي عن الاداء البرلماني بمحاولة لانعاش المجلس لما تبقى له من اسابيع او اشهر مقبلة من عمره.
تلك الاسباب مع دخول الاردن بمرحلة جديدة , تحتاج للتغيير , بكل المفاصل لضخ دماء جديدة في الحياة السياسية , جعلت منه اول من يغادر موقعه , ومن كل بد سيكون تبعات لذلك التغيير سيطال مؤسسات اخرى لجسم الدولة في المنظور القريب لتتماهى مع متطلبات المرحلة المقبلة.
الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة والبرلمان وكل مؤسسات الدولة , سبب هام , لبدء عمليات الجراحة التجميلية لمؤسسات الدولة السياسية , وهذا لا يعني ذلك ان نجعل البرلمان مسرحا للتنفيعات والمصالح الشخصية على حساب الوطن والمواطن في مرحلة مقبلة احوج ما يكون فيه الوطن لابنائه ونحن نتوجه نحو مرحلة جديدة من الاصلاح السياسي واقرار تعديلات دستورية وقانوني انتخاب واحزاب جديدين اضافة لتعديلات دستورية مؤثرة.
مجدداً.. النظام الاردني "نيابي ملكي" والاداء النيابي العام هو الاساس باعادة هيبة المجلس , فهل يصلح العطار ما افسد الدهر؟