جفرا نيوز - يبدأ الإصلاح حين نعترف بوجود تشوهات وربما تصدّعات ونقاط ضعف في جوانب مختلفة من واقعنا، وعندما لا نتجاهلها أو نغلق أعيننا عنها، ونأخذ بها بعين الاهتمام والمتابعة، ذلك أن الاعتراف نصف الطريق للوصول للإصلاح، فكل مشروع اصلاحي يبدأ نجاحه بالاعتراف، والصراحة والمكاشفة وبذلك السبيل الأنجح لعبور درب آمن نحو اصلاح عملي وواقعي.
وتجسد هذا النهج في مسيرة الإصلاح التي ينتهجها الأردن، فقد تم الاعتراف دوما بوجود تصدّعات في قطاعات مختلفة، تحتاج برامج اصلاحية، وكانت دوما الإرادة السياسية العليا بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني تضع محددات لذلك، سعيا للوصول إلى منظومة اصلاحية متكاملة ونموذجية وقابلة للتنفيذ.. فلم يكن مسار الإصلاح في الأردن حديث عهد إنما هو درب تاريخي أسس للكثير من الأدوات الحقيقية التي جعلت من الإصلاح ممكننا ومتاحا، يحتاج عملا حقيقيا للتطبيق.
وذهب الأردن في درب الإصلاح منذ سنين، ولم يكن البدء بخطاه مسألة حديثة، إنما تأسست عبر التاريخ، لتتسيّد الأوراق النقاشية لجلالة الملك هذا المشهد جاعلة من الإصلاح ممكننا، ومتاحا كونها تضمن وصف واقع الحال وتشخيصه والاعتراف بالتشوهات وصولا لحلول عملية بشكل جذري، لتبقى أبواب الإصلاح مفتوحة لتطبيق هذه الأوراق ولمزيد من البرامج التي يزيد من دعمها وتعزيزها جلالة الملك من خلال عدة إجراءات عملية كان أحدثها تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ، لتصبح بذلك حالة الإصلاح أكثر حيوية وأكثر جديّة بالعمل لمزيد من الانجازات بهذا الشأن.
بين تفاصيل هذا المشهد الذي يبدو أنه يتضمن كمّا من المثالية لعلّ أبرزها وجود ارادة سياسية عليا لتحقيق الإصلاح، أكد عضو مجلس الأعيان والوزير والنائب الأسبق مفلح الرحيمي ، أن الإصلاح ليس جديدا في الأردن وهو يلج مئويته الثانية، إذ يزخر تاريخه بالبرامج الإصلاحية، ويعدّ الدستور الأردني من أفضل الدساتير في العالم وأكثرها قوة ومثالية، اضافة لأن تحركات جلالة الملك ولقاءاته ونشاطه العالمي يعدّ من أهم مؤشرات نجاح الإصلاح السياسي تحديدا في الأردن.
العين مفلح الرحيمي الذي تحدث في حوار مع عن رؤيته للإصلاح، في مكتبه بمجلس الأعيان، اعتبر أن الإصلاح الإقتصادي ضرورة للوصول لكافة أضلع الهرم الإصلاحي، بما فيها السياسي، ويعدّ رافعة لأي برامج اصلاحية، فالمواطن إن لم يعش حالة من الرخاء الاقتصادي، وإن لم يجد وظيفة ولم يجد دخلا مناسبا لن يطلب الاصلاح السياسي، فالأمر بحاجة للسير نحو الإصلاح وفق أولويات تبدأ بالإصلاح السياسي والاقتصادي.
ورأى الرحيمي أن الإصلاح ليس قفزة في الهواء وتحقيقه بالصورة المثالية يجب ان يأخذ الوقت الكافي، ويستند على أسس واضحة ومدروسة، فيجب أن يتحقق الإصلاح بتدرج في ظل توجيهات جلالة الملك بضرورة تحقيق الإصلاح، ونحن اليوم في مرحلة متقدمة فيما يخص الاصلاح.
وطالب الرحيمي بضرورة الإستفادة من الأوراق النقاشية والأخذ بها على محمل التطبيق، كونها تعدّ ثروة في التشخيص والحل، وعلى الحكومات وضع خطط وبرامج لتنفيذها وجعلها مرجعا للجنة الملكية في خطتها الإصلاحية، فهي ثروة يجب استمثارها والاستفادة منها فهي خارطة طريق حقيقة للإصلاح.
حديث الخاص مع مفلح الرحيمي، شكل قراءة دقيقة لمسار الأحداث المحلية ذات العلاقة بالإصلاح، ويأتي ضمن سلسلة من اللقاءات تجريها » في اطار العصف الذهني مع خبراء وسياسيين بشأن الإصلاح الذي يريده ويوجّه به جلالة الملك عبد الله الثاني تنشرها تباعا، ورقيا والكترونيا، ومن خلال فيديو ينشر عبر مواقع الصحيفة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها.
وتاليا نص اللقاء مع العين الرحيمي:
الاصلاح ليس قفزة بالهواء
: ما هي طبيعة الإصلاح الذي نريده اليوم، وهل هناك ضرورة للتركيز على إصلاح دون الآخر، ونمنح الأولوية للإصلاح السياسي على سبيل المثال وتأجيل الاقتصادي والاداري؟.
ــ الرحيمي: يجب الإشارة بداية إلى ان الاصلاح ليس جديدا في الأردن، فقد بدأ منذ تشكيل الدولة، بالتالي هو يسير وفق نهج عمل واضح ومنظم، وتاريخي.
وكما نعلم فإن الاصلاح ليس قفزة بالهواء، فهو يأتي بالتدرج ونحن الآن في مرحلة تحرك جاد لتحقيق الإصلاح بتوجيهات ملكية واضحة، ولا شك أننا في مرحلة متقدمة جدا، يترك بها العمل على التعديلات التشريعية وتعديلات على القوانين الناظمة للعمل السياسي.
وإذا ما توقفنا على الأولوية الاصلاحية خلال المرحلة الحالية، فأنا أرى أن الوضع الاقتصادي مهم كونه رافعة من روافع العمل السياسي، ذلك أن أي مواطن تحديدا خلال المرحلة الحالية والتي يعاني منها الأردن كما العالم أزمة اقتصادية يبحث عن عمل، ودخل مناسب وتحسين وضعه المعيشي، بالتالي فإن الوضع الاقتصادي ضرروة اليوم لإصلاحه، وربما هذا الجانب يمكن تحسينه من خلال العمل على زيادة الاستثمار وتسهيل هذا الجانب من خلال التشريعات الناظمة للاستثمار، ذلك أن الراحة الإقتصادية تقود للراحة السياسية، والمواطن يهمه الاصلاح الاقتصادي كأولوية ومن ثم يأتي الاصلاح السياسي.
وعلي هنا الإشارة إلى عدة جوانب غاية في الأهمية من شأنها المساهمة في تحقيق الإصلاح الذي نريد، لعل أبرزها نشاط جلالة الملك قائدا في المنطقة لحل أزماتها، الإضطرابات التي تمر بها وقيام جلالته بدور هام جدا في هذا الإطار، ولذلك تأثير هام وقوي لتحقيق الإصلاح الناجح.
أضف لذلك وعي المواطن الأردني، وفي هذا الوعي السياسي والاقتصادي والإدراي خطوة في الاتجاه الصحيح لصالح الإصلاح، من شأنها وضع الأمور في نصابها الصحيح شعبيا،،فالمواطن مثقف وواع واستطاع ان يخرج بسلام من احداث المنطقة بالتالي فإنه قادر على الإصلاح.
اللجنة الملكية نجاح مؤكد
* في توجيه ملكي غاية في الأهمية جاء تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، كيف تقرأون أهميتها، وتنوّع أعضائها ومدى تأثيره على مخرجات عملها؟.
ــ الرحيمي: وجّه جلالة الملك بالبدء بعملية اصلاح سياسي شاملة، وعميقة، وجاء تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المظومة السياسية خطوة هامة بهذا الشأن، لتبدأ بالعمل على اجراء خطوات اصلاحية عملية، مبنية على اجراء تعديلات تشريعية للقوانين الناظمة للعمل السياسي، وصولا للإصلاح المبني على أسس ثلاثة، سياسية واقتصادية وادارية، كون هذه الأسس مرتبطة ببعضها.
وكغيري من الكثيرين لم يكن صحيحا وعادلا ان نحكم على اللجنة في بدايات عملها، لكن كانت خطى النجاح واضحة لما تتمتع به من تنوّع كبير، ولا شك تشكيلتها تحمل علامة عالية جدا، وحتما ووفقا لما يتم الإعلان عنه بين الحين والآخر فإن نجاح عملها يمكن قراءته بوضوح.
انا متفائل جدا باللجنة وادائها ومخرجاتها، وحتما ستصل الى توصيات هامة وناضجة لكنها تحتاج لمزيد من الوقت.
الاوراق النقاشية ثروة
كيف تقرأون أهمية الأوراق النقاشية فيما يخص الإصلاح، وبرأيكم كيف على اللجنة الملكية الإستفادة منهاوهل ستشكل لها رافدا فكريا بعملها؟.
ــ الرحيمي: لا يختلق اثنان على الأهمية الكبرى للأوراق النقاشية، فهي ثروة معلوماتية وفي الخطط الإصلاحية، ولكن مع الأسف لم يتم التعامل معها كما يجب، فلم تقم أي جهة تنفيذية بترجمتها أو وضع برامج مبنية عليها لتجعل منها واقعا ملموسا، ولم ينفّذ منها سوى شيء بسيط جدا ووضعت برامج زمنية وتم تطبيقها على أرض الواقع.
هي أوراق ثمينة وهامة، ويجب أن تكون دليلا تسترشد به اللجنة الملكية لغايات الوصول للإصلاح الذي نريد ونسعى له جميعا، كونها تتضمن تفاصيل تشخيصية لواقع الحال ووضع الحلول المناسبة للإصلاح المنشود.
الصحافة الورقية والاصلاح
: لكم رؤية خاصة تجاه الصحافة الورقية تحديدا وربطها بالإصلاح، هل يمكن وضعنا بصورتها؟.
ــ الرحيمي: الصحافة الورقية هامة جدا، ولها كل التقدير كونها مؤسسات عريقة وضخمة ووطنية، ودورها رائد في خدمة الوطن وتقديم المعلومة الصحيحة والمهنية، والدقة، وفي ذلك دعم لكل ما هو ايجابي ويلغي السلبية والأخطاء التي من شأنها تأخير خطى الإصلاح.
الصحافة الورقية التي تعمل على تشغيل الصحفيين والفنيين ، تقوم بدور هام في التوظيف، اضافة لما تقوم به من دور رائد في الاعلام والاصلاح السياسي ونقل تفاصيله، وما تم وسيتم من انجازات بهذا الشأن، فهي لها دور مهم ورائد.
ونظرا لما تقوم به الصحافة الورقية من دور في الإصلاح ودعمه، وحول قضايا الوطن والشباب وفي مواجهة البطالة يجب دعمها وتذليل أي عقبات تواجه عملها.
الأحزاب حضور متواضع
الأحزاب ودورها في الاصلاح السياسي، وأهمية تعزيز حضورها، فضلا على ما يثار بتوجه لتخصيص كوتا للأحزاب، أين نحن من هذا وهل العمل الحزبي في الأردن بخير، ويسير بالاتجاه الصحيح، أم أنه ما يزال بحاجة لمزيد من العمل؟.
ــ الرحيمي: حتى ينضج العمل الحزبي نحن بحاجة الى فترة ربما تصل لأربع سنوات، احزاب كثيرة ولكن للاسف غير منظمة، ولا يوجد ترتيبات بين هذه الأحزاب لتشكيل حكومات حزبية، رغم أن الكرة في ملعب الأحزاب إلاّ أنه للأسف يوجد قصور في العمل الحزبي، والأحزاب.
رغم أن الأحزاب اداة ساسية هامة في الأردن، إلا أنه للأسف لا دور لها في العمل السياسي وكذلك الإصلاحي، فهم باحثين عن حكومات حزبية وبرلمان حزبي، لكن لا يحركون ساكنا بهذا الشأن.
لا شك أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وأرى أن الخطى تسير نحو الأفضل، ونأمل أن نجد أحزابا تولي العمل الحزبي أهمية وتضع هذا الأمر ضمن أولوياتها، وتدعو الشباب للإنضمام اليها، حتى نصل إلى حضور حزبي في الحكومات والمجلس النيابي بشكل عملي، لكن الأحزاب ما يزال حضورها متواضعا.
كوتا الأحزاب والمرأة
: ما رأيكم في الطرح بتخصيص كوتا للأحزاب في مجلس النواب تضمن (30) مقعدا؟.
* الرحيمي: لو أردتم رأيي ، فأنا أحبذ ان يكون كل أعضاء مجلس النواب حزبيين، فأنا مارست العمل النيابي، وعملت في الحياة الحزبية، لكن نظرا لظروف الأحزاب في ذلك الوقت وللأسف وجود أحزاب أجنداتها من خارج المملكة، بقيت تلك التجارب بسيطة، كون الاحزاب في ذلك الحين كانت في معظمها تنتمي للخارج وأجندتها ليست آمنة، بالتالي كان العمل الحزبي سيء السمعة.
أمّا اليوم علينا التأكيد أننا بحاجة للأحزاب، ويجب العمل على وضعها في الطريق الصحيح، وهو ما تعمل عليه اللجنة الملكية، نحن بحاجة الى أحزاب وطنية، انتماءاتها للوطن، حتى لو كانت معارضة، لكن يجب ان تكون وطنية بالكامل انتماءاتها للوطن والمواطن، وفكرة وجود كوتا مسألة هامة جدا.
: في اطار الحديث عن الكوتا، هل أنتم مع رفع نسبتها المخصصة للمرأة، حيث يتم طرح رفعها لتصل (18) مقعدا، ما هي وجهتكم على هذه الخطوة؟.
ـ الرحيمي: مع الأسف ما يزال المواطن الاردني لا ينتخب المرأة، على الرغم من نجاح المرأة بالعمل العام سياسيا واقتصاديا، بشكل كبير، الأمر الذي يجعل منها حاضرة بقوة ويجب أن تأخذ فرصتها بالعمل السياسي.
في مجتمعنا نفخر بالمرأة، ونحن نقول «فلا أخو فلانة» بمعنى ان المرأة مصدر فخر للرجل الشرقي، ويجب الأخذ بها على محمل الاهتمام، ووجود الكوتا مسألة هامة وداعمة للمرأة، لكن يجب ان تأخذ هي زمام المبادرة، وتسعى لدخول المعركة الانتخابية، وكذلك تعمل على تمكين ذاتها سياسيا.
الحكومات البرلمانية
: هل ترون ان الوصول للحكومات البرلمانية بات ممكنا؟.
ــ الرحيمي: نعم بالطبع ممكنا، ولدينا تجارب متعددة بوجود حكومات برلمانية، وهذا أمر تاريخي في زمن سليمان النابلسي على سبيل المثال، وحدث ان كانت حكومات بالكامل من مجلس النواب، وفي ذلك مسألة هامة تاريخية، بالتالي الحكومات البرلمانية موجودة في تاريخ المملكة.
حتى في تشكيلة الحكومة حتى اللحظة، لا يمكن رؤيتها أنها حكومة إلاّ بعد حصولها على الثقة من مجلس النواب، وفي ذلك اشارات سياسية هامة أن الحكومة لا تكتسب شرعيتها إلاّ من مجلس النواب ومنحها الثقة، بموجب الدستور، الذي يعدّ من أقوى الدساتير في العالم، فالأصل تنفيذ الدستور.
الشباب أساس الإصلاح
ما هي وجهة نظركم في التعامل مع الشباب ودمجه في الحياة الساسية؟.
ــ الرحيمي: الشباب هم الأساس، ويجب أن تكون كافة السياسات والخطط موجّهة لهم، وحثّهم على دخول الأحزاب، وعلينا هنا الإشارة إلى ان مشكلتهم اليوم اقتصادية وتدريب وتأهيل وتمكينهم لدخول معترك الحياة بشكل ايجابي وعملي.
وعلى الأحزاب أن تضع خططا وطنية تركز على الفكر الشبابي بلغة تصل لهذه الفئة الهامة في المجتمع، لدمجهم في العمل الحزبي والسياسي بشكل يجعل منهم شركاء فاعلين في العمل السياسي الحزبي.
واليوم هناك عدة رؤى لدعم الشباب ودمجهم في العملية السياسية والإصلاح وفق ما تدرسه اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تحديدا فيما يخص تخفيض سن المرشح وهي خطوة هامة في وضع الناخب والمرشح محل بحث لغايات تطوير واصلاح، وصولا لمنظومة اصلاحية متكاملة تأخذ بيد الشباب وتدعم حضورهم السياسي والإصلاحي بشكل عام.
: سؤالنا الأخير .. اذا طلب منكم تحديد واختيار مفتاح للإصلاح، فما هو برأيكم مفتاح الإصلاح الذي ترونه مناسبا؟.
ــ الرحيمي: مفتاح الإصلاح من وجهة نظري اليوم هو الاقتصاد، فلا بد من وضع خطط اقتصادية تحقق اصلاحا وتقدّما بهذا الجانب، وإن لم يكن لدينا اقتصاد قوي ومتين، قادر على مواجهة التحديات وظروف المرحلة وتوفير فرص عمل وتدريب وتاهيل الشباب وتمكينهم، إن لم يحدث ذلك فنحن سنبقى في دائرة البحث عن مفتاح حقيقي للإصلاح، ذلك أن الوصول لذلك يأتي من خلال السير بالتوزاي ما بين الاصلاح السياسي والاقتصادي، ودون تحقيق خطى عملية في الاصلاح الاقتصادي يبقى حديثنا عن الإصلاح السياسي منقوصا، لأن الاصلاح الاقتصادي رافعة من روافع الاصلاح السياسي.
الدستور - نيفين عبدالهادي