النسخة الكاملة

التنمر الإلكتروني.. ذاق وجعه السياسيين قبل المواطنين

الخميس-2021-07-26 09:48 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يتعرض النشطاء والشخصيات العامة، وبخاصة المشتغلون في السياسة رجالا ونساء، إلى أشكال عديدة من التنمر على منصات التواصل الاجتماعي.

هذه الظاهرة تزايدت في الآونة الأخيرة، وطاولت مجموعة من السياسيين، واتخذت أشكالا شديدة الوقع ومؤذية، وجاوزت بعضها آداب الخطاب، وبعبارات خادشة للحياء العام.

وفي الوقت ذاته تزايدت الشكاوى من هذه التجاوزات، وعبر كثيرون عن سخطهم مما يجري تداوله من تنمر إلكتروني، ومن حجم «الإسفاف» الذي تتسم بعضها به.

ورأى مختصون أن المشكلة في ما يحدث من تجاوزات، وبخاصة حيال المرأة، يخرج عن سياق الموضوع، ليتحول النقد إلى «التنمر والاستقواء» لدوافع إما شخصية أو مؤثرات اجتماعية سلوكية، وتتناول الحياة الشخصية للشخص بدل مناقشة أفكاره.

مستويات من التنمر

الاستشاري التربوي والاجتماعي الدكتور خليل الزيود يرى أن الإساءة تكون على ثلاثة مستويات؛ الأول إساءة معرفية، وهي مشكلة استخدام ألفاظ فكرية وعدم الاتفاق مع الفكرة أو التقليل من شأن الفكر المطروح والاستخفاف به.

والثاني: إساءة شخصية، وتكون من خلال استخدام مفردات تسقط الشخص نفسياً وتخرجه من صلب الفكرة للدفاع عن مظهره، وخصوصاً إذا كانت امرأة.

والمستوى الأخير: إساءة جندرية، وهي معاداة الرجل أو المرأة انطلاقاً من منظور جندري والتمييز بينهما.

ويطرح الزيود سؤالا: لماذا نسيء؟ ليجيب بالقول: «بسبب تسيُّد فكرة «أنا الرجل» أو فهم النصوص الدينية بشكل خاطئ أو بسبب ضغط القوانين والتشريعات التي تسهم في الإساءة إلى المرأة.

المشكلة اجتماعية

وقال المحامي الدكتور صخر الخصاونة، إن التنمر يبرز عبر مواقع التواصل الإجتماعي بشكل أكبر على السياسيين أو من يحملون فكرا سياسيا أو عقائديا مخالفا للدين أو التقاليد.

فهؤلاء، بتقديره، هم الأكثر عرضة للنقد من الجمهور، وبخاصة إذا كانت هذه المنشورات أو الأفكار صادرة عن امرأة، فيكون حجم التنمر أكبر ويكون المجال للنقاش العام على اعتبار أن المرأة تمثل ركائز للقيم والعادات والتقاليد.

ويلفت الخصاونة، وهو مختص بالتشريعات الإعلامية، إلى أنه عندما يُنشر أو يُبث تعبير أو تغريدة صادرة عن امرأة تصطدم مع العادات والتقاليد والدين؛ فإن النقاش لا يكون حول الموضوع ولا يمارس الجمهور دوره في النقد بل يجري التعرض للحياة الخاصة بها.

ونتيجة السرعة في نقل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي «يصبح المجال واسعا وفضاءً رحباً للانتقاد».

ويؤكد الخصاونة أن المشكلة «اجتماعية.. نتيجة الفهم الخاطئ لممارسة حرية الرأي التعبير وللتمييز الموجود في المجتمع بين الذكر والأنثى»، كما أن المدى والنطاق المستخدم في التعليق يخرج عن إطار حق النقد ويدخل في باب الاعتداء على الحياة الخاصة والفكر، والسلوكيات الشخصية غير المتعلقة بالحدث.

التنمر يضعف المشاركة السياسية للمرأة

المحامية إسراء محادين ترى أن المرأة تتعرض للتنمر بشكل أكبر من الرجال وتكون مستباحة للإشاعات والتعرض لحياتها الشخصية والأسرية، وتتعرض للنقد «لأنها الضحية الأسهل ولأن ثقافة المجتمع تسوّغ الهجوم على المرأة والإساءة إليها بأشكال عديدة دون التأكد من مصداقية ما يتم نشره حولها».

ولاحظت محادين، التي تدير مركز قلعة الكرك للاستشارات والتدريب، أن التنمر يركز على شخص المرأة ومظهرها وحياتها الشخصية وليس على ما تنشره من آراء أو كتابات على المرأة، ولفتت إلى أن المركز ناقش سابقا، عبر ندوات، قضية العنف الانتخابي الذي يؤثر على مشاركة المراة سياسياً ويحد منها.

السياسيات هن الأكثر تعرضا للعنف

وأظهرت دراسة أجريت العام الماضي حول «العنف السياسي عبر الإنترنت ضد المرأة في الأردن» أن السياسيات الأردنيات يتعرضن لدرجات عالية من العنف السياسي عبر الإنترنت.

وتضمنت الدراسة التي أجريت في الفترة من نيسان إلى تشرين الأول من العام الماضي، إجراء تحقيق مع سياسيات من مختلف الفئات السكانية بما في ذلك النساء من مناطق مختلفة من البلاد من مناصب مختلفة.

وكان بينهن عضوات سابقات وحاليات في البرلمان ووزيرات في الحكومة، متنوعات من حيث معتقداتهن الشخصية والدينية وميولهن السياسية.

واشتمل البحث، الذي أجرته منظمة «عالم الحروف»، على خمس دراسات حالة.

وكشف التحليل لوسائل التواصل الاجتماعي أن السياسيات الخمس المشاركات في الدراسة تعرضن للعنف السياسي عبر الإنترنت، وتعرضت كل منهن لأربعة إلى خمسة أنواع من العنف سواء كن نشيطات جدا أو كان نشاطهن منخفضا على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من المعتقدات السياسية أو الدينية للمشاركات في الدراسة، وما إذا كن يرتدين الزي «المحتشم» أو الحجاب أم لا، فإن التعليقات ذات الطابع الجنسي أو حول مظهر المرأة لم تكن تعتمد على أسلوب لبس أو اختيار الحجاب.

وأظهرت نتائج الدراسة أن غالبية أعمال العنف السياسي عبر الإنترنت مرتبطة باغتيال الشخصية والتشهير وادعاءات عدم الكفاءة. وجميع النساء المشاركات في الدراسة أفدن بأنهن يتعرضن لذلك.

وبالمثل، كشف تحليل وسائل التواصل الاجتماعي عن مستويات عالية من الإهانات والشتائم والتعليقات المسيئة على أساس الجنس. كما تلقت جميع النساء ملاحظات جنسية وكانت لديهن حالة ملاحقة واحدة على الأقل، وتلقت امرأتان تهديدات بالعنف الجسدي والاعتداء.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن حدوث العنف السياسي عبر الإنترنت أعلى حتى مما تم رصده خلال هذه الدراسة. وأيضا أفادت غالبية المشاركات بأنهن يقمن بحذف التعليقات المسيئة أو حظر المتابعين المسيئين أو حتى أولئك الذين ينتقدون بأي شكل من الأشكال.

ويرى الزيود أن مواجهة التنمر الإلكتروني يكمن في التنشئة الأسرية أولا، وكذلك من خلال التوعية عبر منابر المساجد والغرف الصفية والمحاضرات الجامعية، ومن خلال الضخ الإعلامي الدائم الذي، بتقديره، سيكون مفتاح تغيير السلوكيات.

الرأي