جفرا نيوز -
جفرا نيوز - عماد عبدالرحمن
بالنسبة للاردن، تمثل نتائج الزيارة الملكية لواشنطن بلقاءاتها المكثفة وزخمها الكبير، مساحة جديدة لمستقبل زاخر بالتعاون والعمل المشترك، واعتماد موثوق وملهم لوجهة نظر الاردن تجاه القضايا الإقليمية والدولية من قبل القوة الاعظم والأكبر على مستوى العالم.
لقاءات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين التي رافقه خلالها جلالة الملكة رانيا وولي العهد الأمير حسين، مع معظم القادة الأميركيين المؤثرين، والتي تجاوزت التنافس الحزبي التقليدي، حققت زخما اضافيا هاما، ومقاربة جديدة على صعيد مسيرة العلاقات الأردنية الأميركية، سيما وانها جاءت بعد تحولات وانعطافة غير معهودة على مستوى العلاقات الثنائية، خصوصا بعد الضغوطات الهائلة على المملكة للقبول بصفقة القرن، والتنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
هنا، برزت الحنكة السياسية والحكمة وقوة الخطاب والاقناع للملك الذي استطاع بفضل علاقاته القوية و"الشخصية»، مع معظم القادة الأميركيين والمؤسسات المؤثرة في صنع القرار، في توظيف هذا الرصيد الذي بني منذ نحو سبعة عقود، ووضع أساساتها المغفور له الملك الحسين بن طلال، لعرض التحديات التي يواجهها الاردن، بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن واقطاب إدارته، بعد توقف عملية السلام القسري منذ عام 2004، وبالتالي غياب الافق السياسي لحل الازمة المركزية للشرق الاوسط، وهي القضية الفلسطينية، والتعامل الاعتباطي وغياب الجدية في التعاطي مع هذه القضية، ما أوجد بؤر توتر دائمة وحروب ونزاعات بالوكالة، وتدخلات لقوى إقليمية وتمدد سياسي وعسكري على حساب دول المنطقة المرهقة اقتصاديا وامنيا، نتيجة تلك الحروب والصراعات.
منبع وقوة الخطاب الملكي يكمن في القدرة على إثارة اهتمام وتفكير القادة ومراكز صنع القرار، بالعواقب، في حال لم يتحملوا مسؤولياتهم تجاه القضايا ومراكز الازمات، وما يمكن أن يحدث من كوارث وتعقيدات يمكن تلافيها، اذا لم يتم التحرك في الزمان والمكان المناسبين، وهذه الثقة والخبرة مبنية على تجارب ومواقف سابقة، وليست ببعيدة، والكل يذكر موقف الملك بعد حرب العراق في عام 2003، الداعي للمحافظة على المؤسسات في العراق، والتي أدى حلها إلى حالة فوضى كبيرة لا زال العراق الشقيق يعاني من نتائجها إلى اليوم.
الجانب الأمريكي يعرف ويقدر الدور الأردني، والرصيد الإنساني الذي يتمتع به الاردن، والنموذج الفريد الذي يقدمه للعالم، في منطقة لم تعرف الاستقرار منذ ازيد منذ سبعة عقود، وهذا جاء على لسان رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم في العصر الحديث، حيث لا يكتفي الملك بتقديم حلول وخارطة طريق محكمة للدول الشقيقة فقط، بل يقدم أيضا حلولا لمشاكل وازمات للدول المارقة والتي ينجر فيها قادتها إلى مواجهات وحروب لا طائل منها، ولا تضيف لها سوى الدمار والخراب والفزع لسكانها، وازهاق أرواح الابرياء، ولا زال الملك الزعيم العربي الوحيد الذي يقدم القضية الفلسطينية على كافة القضايا الأخرى، كونه يدرك أهمية واستراتيجية ايجاد حل ظائم وعادل للقضية تقوم على اساس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أيضا هذه الثقة والتقدير الذي تحظى به المملكة، رغم شح مواردها والمعاناة الاقتصادية نتيجة مواقفها ومبادئها، آثار إعجاب الكثيرين حول العالم، وجعل من الاردن الدولة محدودة الموارد والامكانات، مصدر فخر واعتزاز لكل عربي ومسلم، وممثلا لوجهة نظر كل العرب أمام العالم، كونه يقدم إنموذجا في التسامح والاعتدال والرؤى المستقبلية والاستشرافية الثاقبة والنصائح الصادقة، لما يعانيه العالم العربي من ازمات وحالة من الانقسام والتجزأة والتدخلات الخارجية، التي أثقلت كاهله، وهنا، تحرص الإدارة الأمريكية على الاستماع لرؤية الملك ورأيه في كيفية تجاوز هذه الازمات سواء في سوريا او ليبيا او العراق وغيرها، وهذا نابع من أداء مهني رفيع وحكمة، ولغة متقنة ذات مغزى، ودراية دقيقة ومدروسة لهذه الازمات، لتحقيق الاستقرار والرخاء لدول وشعوب المنطقة.
ولم تغب قضايا الاردن واوضاعه الاقتصادية ودعمه كونه اكبر بلد مستضيف للاجئين حول العالم، عن جدول أعمال القمة الاردنية -الامريكية، ومحاولات البعض لإلغاء المؤسسات الدولية المعنية بدعم اللاجئين وفي مقدمتها «الاونروا»، وكم كان لافتا لقاء الملك مع رئيس الشركة المصنعة للقاح «فايزر» تقديرا ودعما للمؤسسات العلمية والبحثية التي قدمت للعالم اللقاح المضاد لفيروس «كوفيد 19»، حيث زودت الولايات المتحدة المملكة بنصف مليون جرعة من اللقاح قبيل الزيارة الملكية لواشنطن.
هذه الزيارة التي تأتي بعد مرور نحو 3 سنوات على آخر زيارة عمل رسمية للولايات المتحدة الامريكية، هي زيارة عمل ناجحة بكل المقاييس، ولها ما بعدها لجهة الدور والمكانة والقيادة الناجحة على صعيد المنطقة،والعالم، ليكون الاردن مرجعا و نقطة ارتكاز في اتخاذ القرارات الخاصة بالمنطقة والعالم، وهذا لم يأت صدفة او مجاملة، بل جاء نتيجة أداء مهني وقيادي رفيع للملك، وثقة وثبات على الموقف والرأي وتحليل موضوعي موثق للأحداث والازمات، وتقديم حلول ومسارات علمية ممنهجة للخروج منها بأقل الخسائر، وهذا مصدر فخر واعتزاز لكل أردني وعربي.