النسخة الكاملة

عن أبناء العسكر وأشياء أخرى

الخميس-2021-07-13 08:51 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بلال حسن التل

رب «ضارة نافعة»، قول ينطبق تماماً على الجدل الذي دار مؤخراً حول معركة الكرامة، إذ أن هذا الجدل دفع الكثيرين إلى البحث عن الحقيقة من خلال استنطاق الصنّاع الحقيقيين للمعركة، والذين روى بعضهم الكثير من الحقائق والتفاصيل، التي تصحح الكثير من الأضاليل من جهة، وتنصف صناعها الحقيقيين من جهة ثانية.

من بين صنّاع نصر الكرامة الذين تحدثوا حولها مؤخراً، اللواء الركن المتقاعد حاكم طافور الخريشا، والذي سآخذ جزءاً من حديثه لأنه جزء مهم من وجهة نظري، فهو يوجه البوصلة نحو حقائق اجتماعية وسياسية أردنية، تجري محاولات مستميتة لطمسها.

يقول اللواء الخريشا «إنه عندما استلم قيادة الفصيل الرقيب أحمد حامد الحنيطي كان مثالاً للقائد الفذ والقوي الشجاع الذي لا يعرف الخوف»، وبعد أن يتحدث اللواء الخريشا عن بطولة الرقيب الحنيطي يقول: «إنه أثناء حديثي والإشادة بالرجال أصحاب المواقف المشرفة في معركة الكرامة ممن كان لهم الفضل بعد الله بتحقيق النصر الكبير على قوات العدو كان من بين هؤلاء الرجال الرقيب أحمد حامد الحنيطي، وقد تفاجأت أثناء حديثي عنه من أحد الأشخاص، أنه والد رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي، فزاد حبي وفخري للواء الحنيطي?لأن هذا الشبل من ذاك الأسد».

أولى الحقائق التي يؤكدها حديث اللواء الخريشا، أن الجندية بالنسبة للأردنيين عشق متوارث من جيل إلى جيل، والشواهد هنا أكثر من أن تحصى، لكنني سأستدل هنا بنموذجين لأن لهما علاقة بالحقيقة الثانية التي يكشف عنها حديث اللواء الخريشا، فبالإضافة إلى اللواء الحنيطي سأذكر الدكتور معروف البخيت فكل منهما ابن عسكري، فالبخيت ابن جندي صار ابنه لواء في القوات المسلحة، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، تماماً مثلما صار ابن أحد عساكر جيشنا العربي «قايداً للجيش»، وهناك نماذج أخرى تدل كلها على أن الأردن بلد فرص وكفاءات، بدليل هذه الن?اذج التي أوصلتها كفاءتها ولا شيء آخر إلى ما هم عليه بعيداً عن شبهة التوريث، الذي يحاول البعض أن يجعلها سمة عامة في الأردن، مع أنها الاستثناء، فقبل البخيت والحنيطي كذلك دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة ودولة الدكتور عبدالله النسور اللذان لا يماري أحد بأنهما من ألمع رؤساء الوزارات، مثلما هم من أكثر الأردنيين كفاءة وثقافة وغزارة معرفة، ولا أحد يجرؤ على أن يقول إنهما وصلا إلى ما وصلا إليه توريثاً أو واسطة أو محابة.

خلاصة القول في هذه القضية: إن الفرق بين أصحاب الدولة والعطوفة الذين أشرت إليهم، وبين الذين يمضون أوقاتهم باللطم على حظهم العاثر ويعلقون فشلهم على مشاجب بعض الحالات الاستثنائية من التوريث، يكمن في تغيير جوهري دخل على ثقافتنا المجتمعية فقد كان الواحد من جيل الآباء والأجداد يأخذ الأمر على محمل الجد، فيواصل كلالة الليل بكلالة النهار، لإعداد نفسه وتأهيلها، ليكون قادراً على المنافسة والوصول بـ«ذراعه»، كما هو الحال في النماذج التي أشرت إليها وغيرها كثير، بينما صارت الأجيال اللاحقة تريد الوصول دون تعب ودون إعداد و?ون الأخذ باسباب الوصول والنجاح، وهذا فرق جوهري بين أبناء العسكر والحراثين أيام زمان، وبين أبناء الجامعات والتربية الحديثة في هذه الأيام.