النسخة الكاملة

طاعة ولي الأمر في خطبة الجمعة

المهندس عادل بصبوص

الخميس-2021-07-04
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
 
أغلب الظن أن معظم خطباء المساجد هذا الاسبوع لم يكونوا في غاية الرضا عن موضوع خطبة الجمعة الذي ألزمتهم به وزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية والذي كان محوره "طاعة ولي الأمر"، كيف لا وقد شَغَلَ هذا الموضوع واختلف عليه الفقهاء والمفسرون عبر العصور الاسلامية المختلفة، حيث تعددت الفتاوي والاجتهادات والتفاسير , هل هي طاعة مطلقة أم طاعة مشروطة بطاعة الله عزوجل، هل ولاة الامر هم العلماء أم الأمراء, أم كل من وَلِيَ أمراً من أمور المسلمين 

وحتى لا يغرق الخطباء في غمرة الاجتهادات والتفاسير المختلفة ويبحروا بعيداً عن الهدف المرسوم، فقد وضعت لهم الوزارة محاور رئيسية مقترحة للخطبة، تركز على أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله سبحانه وتعالى، وان عصيان الوالي ومخالفة أمره تستجلب الفتن وتسبب الشقاق والنزاع بين أفراد الأمة ولنا فيما حصل في أقطار وبلدان مجاورة دروس واضحة وعبر!!
 
لم تُوَفَق الوزارة هذه المرة في اختيار الموضوع الذي فرضته على الأئمة والخطباء، الذين لم يسعفهم الوقت المتاح إلا لعرض الموضوع بإسلوب وَعْظِي مباشر لا يختلف كثيراً عما يعرضه المدرسون للتلاميذ في صفوف المرحلة الأساسية، متجاهلين ارتفاع منسوب الثقافة والمعرفة والوعي لدى الغالبية العظمى من المصلين، الامر الذي جعل الموضوع مثار التندر والتعليق وأضر بالغاية المتوخاة والهدف المنشود

يُشَكِلُ موضوع استقرار نظام الحكم في الأردن والمحافظة عليه إحدى القضايا الرئيسية التي يُجمع عليها جل الأردنيين، على الرغم من بعض الأصوات المخالفة التي قد تخترق الأسماع قادمة من خارج الحدود حيناً أو من داخلها حيناً آخر، وهذا يفسر بوضوح سر بقاء الأردن خارج نطاق الفوضى والإضطراب التي اجتاحت كثيراً من دول المنطقة في أعقاب ما عرف بثورات الربيع العربي، لذا فإن الحض على طاعة ولي الامر بهذا الإسلوب، في الوقت الذي لا يُظهر غالبية الناس ما يخالف مشاعر الولاء والانتماء، لا يحقق الهدف المرجو، ويقود إلى طرح أسئلة واستفسارات استنكارية أو استفهامية تسيء إلى القضية التي سعت الخطبة لترويجها.
 
إن الدفاع عن ولي الأمر والحض على طاعته لا تتحقق بخطاب سطحي مباشر ضمن اطار زمني لا يتجاوز دقائق معدودة، فالدولة لديها العديد من وسائل الاعلام والإتصال التي يزدحم بها الزمان والمكان، ولديها الخبراء والمختصون في الاعلام والعلاقات العامة ومخاطبة الجماهير، ويمكن من خلال ذلك ايصال الرسائل والمضامين المستهدفة بكل حرفية واتقان، أما اللجوء إلى خطب الجمعة فهو تَعَدٍ على فترة زمنية محدودة ينتظرها الخطباء والمصلون، وهي تمثل فرصة لا يجب تفويتها في الحض على الأخلاق الحميدة والأمانة والإخلاص في العمل والتراحم بين الناس، فهذه قيم ومعان بدأت تضعف تدريجياً مما يهدد المجتمع بأسره بالإنزلاق إلى قيعان التشرذم والتفكك والزوال.
 
لقد آن الأوان ونحن نعبر إلى المئوية الثانية والبلاد على موعد مع فجر الاصلاح والتنمية السياسية والتي نأمل أن تقود إلى التنمية الشاملة بإذن الله، أن تبادر وزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الاسلامية ومعالي الوزير الدكتور محمد الخلايله شخصياً باتخاذ قرار تاريخي "بتحرير" خطب الجمعة وتخلي الوزارة عن مهمة التحديد المسبق والملزم للخطب، التي لا تنسجم مع روح العصر ومع مرحلة الانفتاح والاصلاح التي تستعد البلاد لدخولها.
 
حفظ الله الأردن وأهله الطيبين وجنبهم الشرور والفتن.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير