جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. ليث كمال نصراوين
عبّر جلالة الملك في كتاب التكليف السامي لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عن رغبته في «إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، والتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لمسؤولياتها استنادا لقواعد وأحكام الدستور الأردني العتيد».
إن الوصف الملكي للدستور الأردني بأنه «دستور عتيد» يأتي ليوضح السياق العام لعمل اللجنة الملكية، فهي لن تقوم بتأسيس منظومة سياسية جديدة، وإنما ستسعى إلى تحديث القائم منها. فجميع المحاور التي أوصى جلالة الملك أن تأخذها اللجنة الملكية بعين الاعتبار في مجال عملها، والمتمثلة بالحق في الانتخاب وتأسيس الأحزاب السياسية والإدارة المحلية وتمكين المرأة والشباب، قد تصدى لها المشرع الدستوري وأفرد لها حماية دستورية في المادة (128) من الدستور التي تنص على أنه ﻻ يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحق?ق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
إن الدستور الأردني هو دستور عتيد من حيث أن مرتكزات النظام النيابي ثابتة وراسخة فيه، والتي تتمثل بوجود مجلس نواب منتخب من الشعب لفترة زمنية محددة، وبأن مجلس النواب يمارس صلاحيات فعلية حقيقية تتمثل بالرقابة والتشريع، وبأن النائب يمثل الأمة ولا يمثل دائرة انتخابية معينة، وبأن الوزراء في السلطة التنفيذية مسؤولون مسؤولية سياسية أمام مجلس النواب. فهذه الركائز الأساسية للديمقراطية النيابية قد كرسها الدستور الحالي بشكل مختلف عن الدساتير الوطنية السابقة، التي تبنت نظاما نيابيا غير كامل. فحتى عام 1952، كان الوزراء م?ؤولين سياسيا أمام الملك نفسه، وليس أمام ممثلي الشعب.
إن ثبوت أسس الديمقراطية النيابية في الدستور الأردني العتيد لا يمنع بأي حال من الأحوال أن تتم مراجعتها وإعادة النظر فيها لصالح تطوير ممارستها في ظل الظروف والمعطيات السائدة. فصلاحيات مجلس النواب في التشريع والرقابة يجب العمل على تحديثها لتتواكب مع التطورات السياسية والاجتماعية، وفي محاولة لردم الهوة الشعبية مع المؤسسة البرلمانية.
وكذلك الحال بالنسبة للمسؤولية السياسية للوزراء أمام مجلس النواب، فلا بد من إخضاع إجراءاتها لمراجعة دستورية شاملة. فالقواعد الدستورية ذات الصلة قد صيغت في عام 1952، بالتالي فهي ليست بالضرورة صالحة للتطبيق في يومنا هذا، خاصة مع الزيادة المضطردة في عدد أعضاء مجلس النواب، وازدياد الخدمات العامة التي تقدمها الوزارات الحكومية، باعتبارها مرافق عامة يعتمد عليها الفرد في حياته اليومية.
إن قابلية نصوص الدستور الأردني للتعديل والتطوير مع المحافظة على مرتكزات النظام النيابي يجعل من إطلاق وصف الدستور العتيد عليه وصفا سليما. فالأحكام الدستورية هي قواعد حية تعكس رغبات وتطلعات أفراد الشعب الذين يشكلون طرفا في العقد الاجتماعي الذي أبرم مع الحاكم، وهذا ما يبرر إخضاعها للتبديل والتغيير بما يتوافق مع طموحاتهم الشعبية.
إن الأصل في عملية الإصلاح الدستوري أن تكون ممنهجة وواضحة المعالم، وبأن التطبيق العملي للنصوص الدستورية يعد الأساس في الحكم على فعاليتها وقدرتها على تعزيز أركان النظام النيابي. فلا ضير من تعديل القواعد الدستورية كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، طالما أن التحديث يخدم الهدف الأسمى للإصلاح الدستوري في الأردن، والمتمثل في الوصول إلى حكومات نيابية منتخبة على أسس برامجية حزبية.
أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق في الجامعة الأردنية