جفرا نيوز -
جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
من تَحَزَّبَ خان ... هو أحد مبادىء الكتاب الأخضر للراحل معمر القذافي والذي كان بمثابة المرجعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحكم ليبيا قرابة أربعة عقود من الزمن، ثلاث كلمات بتسعة حروف فقط لم تكتفي بشيطنة الأحزاب السياسية فقط وإنما جرمت الانتساب اليها ووضعته في مستوى الخيانة للوطن بدعوى أن التحزب يشرذم الأمة ويرتبط بالضرورة بالعمالة لأعداء الوطن وخصومه، فَهْمٌ غريب وشاذ لدور الأحزاب السياسية في المجتمع، ولكنه لا يبتعد كثيراً عن الثقافة التي سادت لدينا عن التحزب والحزبية حتى عام 1989، عندما سمح للأحزاب السياسية بمعاودة نشاطها مجدداً، وقد كان من المأمول أن تعود للحزبية عافيتها وتصبح محركاً أساسياً ولاعباً رئيسياً في ميدان العمل السياسي كما كانت في حقبة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، إلا أن ذلك لم يحصل بالطبع، فسياسات الشيطنة التي مورست في أعقاب حظر العمل الحزبي ولما يزيد عن ثلاثة عقود قد نجحت في إعادة صياغة الانطباع العام باتجاه النفور والرفض التام للعمل الحزبي وصَوَّرَته في الوعي الجمعي كممارسة شاذة ليست خارجة عن القانون فحسب، وانما مرفوضة اجتماعياً وقيمياً أيضاً، إضافة إلى أن المضايقات للأحزاب والحزبيين التي استمرت في عهد التحول الديموقراطي قد جعلت كلفة التحزب عالية لا يطيقها إلا قليلون، بالرغم من الشعارات التي دأبت الحكومات المتعاقبة على الاستمرار في رفعها، والتي تشجع في الظاهر على التحزب والحزبية، خلافاً للممارسات على أرض الواقع وخاصة عندما يتعلق الأمر بأحزاب معينة يعرفها الجميع.
لقد نجح الترويج الحكومي للحزبية والحوافز التي تضمنها قانون الأحزاب، في زيادة عدد الاحزاب المرخصة لمستوى قد لا يكون موجوداً لدى كثير من الدول الديموقراطية العريقة، فقد نشأت العديد من الأحزاب الجديدة بأسماء كبيرة ولافتات جاذبة مع فقر وضحالة في المضمون والمحتوى الفكري، إلا أن الأحزاب الجديدة وغالبية الأحزاب القديمة قد أخفقت للأسباب التي ذكرناها آنفاً في استقطاب اعضاء ومحازبين جدد، بحيث لم يتجاوز عدد الأعضاء لدى كل منها خانة المئات، الأمر الذي انعكس في فشل هذه الأحزاب -ما عدا حزب واحد- في الوصول الى قبة البرلمان في الانتخابات النيابية المتعاقبة والتي كان آخرها في تشرين ثاني من العام الماضي.
نتفاءل بما سمعناه اليوم من رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي في مؤتمره الصحفي حيث دعا الشباب للانخراط في العمل الحزبي مؤكداً أنه لن يكون هناك عواقب أو تبعات لذلك، علماً أن كلاماً من هذا النوع لن يكون له أي نتيجة لدى الفئة المستهدفة ما لم تبادر الحكومة ممثلة "بالجهات المعنية" بهذا الموضوع بتأكيد ذلك قولاً وفعلاً على أرض الواقع.
لدى تطرق المعنيين لعملية الاصلاح السياسي والأحزاب، كثيراً ما نسمع عبارة أننا نحتاج إلى "أحزاب برامجية"، واعتقد أن هذا مصطلح اردني بامتياز لا يستعمله الآخرون، فلا احزاب في العالم بدون برامج، فكيف للحزب أن يستقطب الجمهور دون برامج ومحتوى فكري وسياسي، حتى حزب الخضر لديه برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، ونرى أن المقصود بذلك هو احزاب غير عقائدية أو دينية.
لقد أكد جلالة الملك مراراً أن الهدف النهائي لعملية الإصلاح السياسي هو الوصول إلى حكومات برلمانية، وهو هدف سامي نتوق اليه جميعاً، بيد أن ذلك يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، فالموضوع لا يتعلق فقط بقرارات تتخذها الدولة يتم من خلالها السماح للأحزاب والحزبيين للعمل بمنتهى الحرية ودون قيود تحت سقف القانون، وانما بجهود كبيرة تبذل لإعادة الاعتبار للحزبية لدى الجمهور، والعمل على الحد من الهياكل والأطر المناطقية والجهوية، الأمر الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً لا يقاس بالأيام ولا بالشهور.