جفرا نيوز -
جفرا نيوز - تفرض توقعات إيجابية نفسها على أداء الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري 2021 بعد التقدم المحرز في سياق مواجهة فيروس كورونا حول العالم، لكنّ تلك التوقعات لم تخرج من إطار "التفاؤل الحذر" في ظل حالة "عدم اليقين" المُسيطرة على الأسواق حول العالم، وتظل رهينة تطورات المواجهة مع الجائحة.
وأسهمت حملات التطعيم التي بدأت العام الجاري في تعزيز تلك التوقعات، ودفعت إلى رفع مستوى تقديرات النمو الاقتصادي العالمي بعد التعافي التدريجي من آثار الجائحة وتداعياتها الشديدة، مع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً واستعادة النشاط في اقتصادات العالم.
وبموازاة تلك التوقعات المتفائلة، فإن جملة من التحديات تفرض نفسها على مسار الاقتصاد العالمي الساعي لإحراز نمو استثنائي هذا العام بعد انكماش واسع العام الماضي، تتمثل في المخاوف من "رياح معاكسة" في سياق مواجهة الفيروس، خاصة مع التحورات الجديدة. وفي الوقت الذي يرهن فيه محللون تعافي الاقتصاد العالمي بالتعاون بين دول العالم في توفير اللقاحات.
ورفعت المؤسسات الدولية من تقديراتها لنسب النمو المتوقعة للاقتصاد العالمي، على وقع التفاؤل الواسع بشأن توزيع اللقاحات حول العالم وتأثير ذلك في مواجهة الجائحة. لكنّ تلك المؤسسات نفسها لا تزال تتحدث عن حالة "عدم اليقين" كمعيار أساسي في بناء توقعاتها للمؤشرات الاقتصادية العالمية، إضافة إلى طبيعة التباين في سرعة التعافي بين الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، مع ارتفاع نسب التضخم والديون السيادية، بعد الحزم المالية التحفيزية التي تقدمها الحكومات لمواجهة تبعات الفيروس.
وارتفعت الديون العالمية لتصل إلى 281 تريليون دولار في نهاية عام الجائحة 2020 (بما يمثل نحو 355 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في العالم، طبقاً لإحصاءات بلومبيرغ).
المحلل الاقتصادي السعودي سليمان العساف، يقول في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تقارير المؤسسات المالية تختلف في توقعاتها لأداء الاقتصاد العالمي خلال العام 2021 والعام 2022، بينما المشترك بين تلك التقارير أن التوقعات جميعها متفائلة، لجهة تحقيق الاقتصاد العالمي نسبة نمو كبيرة.
ويلفت العساف إلى آخر التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "تلك التوقعات -وفق المؤشرات الراهنة والتقدم المحرز في سياق مواجهة جائحة كورونا- تتسم بالتفاؤل، لا سيما أن العام الماضي 2020 انكمش الاقتصاد العالمي بنسبة أكثر من أربعة بالمئة، وبعض الاقتصادات انكمشت بأكثر من 10 أو 12 بالمئة، بينما دول محدودة هي من نجحت في تحقيق نمو إيجابي بسيط".
في تقريره الصادر في شهر أبريل الماضي، عدل صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي، متوقعاً نسبة نمو في العام الجاري 2021 تصل إلى 6 بالمئة، وذلك مقارنة بنسبة 5.2 بالمئة في تقرير الصندوق أكتوبر الماضي. كما رجح أن تصل نسبة النمو في العام 2022 إلى 4.4 بالمئة مقارنة بـ 4.2 بالمئة في تقرير أكتوبر.
تدعم تحسن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العالمي السياسات المالية التوسعية والانتعاش المتوقع بدعمٍ من توزيع اللقاحات حول العالم. ويرجح الصندوق العودة إلى مستويات ما قبل كورونا بالنسبة للاقتصادات المتقدمة في العام 2022، وفي العام 2023 بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
ولا تزال حالة "عدم اليقين" تفرض نفسها على توقعات المؤسسات المالية لمسار الاقتصاد العالمي، في ظل تطورات الجائحة المستمرة. وتفرض عدة تحديات نفسها؛ من بينها: التباين في وتيرة التعافي بين الاقتصادات العالمية، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية المستمرة بسبب كورونا.
ويُعدد الخبير الاقتصادي السعودي في معرض حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، العوامل الدافعة للتوقعات الإيجابية بأداء الاقتصاد العالمي والهروب من تداعيات كورونا الشديدة، بداية من عودة حركة الشحن والبضائع، وثقة المستهلكين والمستوردين والمصدرين، وعودة المصانع، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط (..) جميعها أمور تدل على أن الاقتصاد العالمي في طريقه للتحسن العام بشكل كبير في 2021 و2022".
ويتوقع البنك الدولي تسجيل الاقتصاد العالمي نسبة نمو تصل إلى 5.6 بالمئة خلال العام الجاري 2021، على رغم تداعيات كورونا، وهي النسبة التي وصفها البنك -في تقرير له، صدر في الربع الأول من الشهر الجاري- بأنها تمثل "أسرع وتيرة نمو منذ 80 عاماً". لكنّ البنك توقع بموازاة ذلك تراجع الناتج العالمي خلال العام الجاري إلى أقل من 2 بالمئة من توقعات سابقة قبل جائحة كورونا.
ويشرح الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي بعد امتصاص صدمة كورونا، مؤكداً أن تلك التحديات لا تتوقف عند حد التحديات المرتبطة بمؤشرات الاقتصاد الكلي، إنما تمس أيضاً مختلف أوجه الأوضاع الاقتصادية، باعتبار أن جائحة كورونا تختلف في تأثيراتها الاقتصادية عن تأثيرات الأزمات المالية العالمية السابقة.
ويردف: "في الأزمة المالية في العام 1997 وفي أزمة 2003 على سبيل المثال، كانت تلك الأزمات هي أزمات مالية، أي أنها مرتبطة برأس المال، وبالتالي كانت هناك سياسات اقتصادية مالية ونقدية يمكن استخدامها، على سبيل المثال تخفيض الانفاق أو زيادة الضرائب، وكانت هناك حلول وقتية للتعامل مع تلك الأزمات حتى تعافي العالم.. بينما الأزمة الناجمة عن تداعيات كورونا تمس بشكل أساسي الإنسان، وهو أهم عنصر في منظومة الإنتاج، بالتالي لم يكن أمام العالم سياسة محددة لتخطي الأزمة".
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تعافي الاقتصاد العالمي مرهون بشكل أساسي باللقاحات، واطمئنان الشعوب لها "في حالة الاطمئنان للقاحات والتوسع فيها، فإن ذلك سوف يمثل تخطياً للأزمة بنسبة كبيرة جداً".
ويوضح أن الاقتصاد العالمي خسر أكثر من 10 تريليون دولار في العام 2020 على وقع جائحة كورونا، بعد تأثر حركة التجارة العالمية وتوقف بعض القطاعات، مثل قطاع السياحة الذي توقف تماماً، فضلاً عن فقدان ملايين الوظائف، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير جداً، وهو ما انعكس بدوره على انخفاض مستوى المعيشة ورفع معدلات الفقر، وجميعها تشكل تحديات اقتصادية واسعة بعد كورونا.
وحذر تقرير صادر عن البنك الدولي، الشهر الجاري، من فجوة "النمو غير المتوازن" بين الاقتصادات حول العالم، ذلك أن دولاً سوف تتمكن من تحريك الاقتصاد بعد كورونا، بينما أخرى ستجد صعوبة في ذلك، لا سيما الدول الفقيرة والأسواق الناشئة.
سكاي نيوز