جفرا نيوز -
جفرا نيوز - م. حمزة العلياني الحجايا
ابناء البادية لا يريدون امتيازاً عن غيرهم ولكنهم فقط يأملون بأن تكون دوائرهم الانتخابية وفقاً لقواعد الجغرافيا في محافظاتهم كغيرهم من الاردنيين، فقد استطاع الأردن بناء هوية وطنية قوية ومتجذرة في نفوس كل الأردنيين لا فرق بينهم من أي منطقة جغرافية أو من أي مكون اجتماعي، وهذا يدفعنا لتعزيز دمج جميع المكونات الاجتماعية في العملية الانتخابية، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه تبدأ عندما تتعامل الدولة مع دوائر البادية بعقلية بعيدة عن حسابات الأقليات والأكثريات، فمناطق البادية لم تعد مناطق رحل وغير مستقرة اجتماعية وسكانياً وإنما أصبحت مناطق بناء واستقرار، وهذا يدفع الدولة لتطوير الحياة السياسية لتقوم على مبادئ العدالة والمساواة لجميع أفراد المجتمع وتفعيل العمل الحزبي البرامجي.
ونحن في مئوية الدولة الثانية، ما زالت البادية الأردنية تعامل بتأثير المادة 7 من قانون الانتخاب لعام 1928، حيث عُرّف البدوي في القانون نفسه بأنه كل شخص ينتمي إلى إحدى العشائر البدوية المدرجة في القانون، وقسّمت هذه العشائر جغرافياً في حينه إلى بدو الشمال وبدو الجنوب. وكان يتم تمثيل البدو في المجالس التشريعية عن طريق ممثلين اثنين، حيث يعين سمو الأمير لجنتين، واحدة لبدو الشمال والأخرى لبدو الجنوب، ثم تختار كل لجنة ممثلاً واحداً عنها في المجالس التشريعية، وفي سنة 1951، أصبح انتخاب البدو انتخاباً مباشراً ضمن دوائر مغلقة بموجب قانون رقم 79 لغاية اليوم، مع اضافة دائرة بدو الوسط.
الدائرة الانتخابية تحدد للناخب إما بمكان إقامته أو ببلدته الأصلية، وينطبق هذا على الجميع باستثناء من ولد بدوياً أو من قرر القانون في مرحلة تاريخية معينة أنه بدوي، فالذي يحدد الدائرة الانتخابية هو اسم عشيرته فقط، ويورث البدوي لأبنائه دائرته الانتخابية من ضمن ما يورث، إذ تعُتبر دوائر البدو مغلقة ديمغرافياً، وباعتقادي أن ابناء البادية يرون أن التخصيص أو الكوتا، قد حرمتهم من خوض الانتخابات في خارج مناطق دوائر البادية، على عكس الكوتات الاخرى الموجودة في القانون التي تعني ضمان الحد الأدنى من التمثيل في مجلس النواب، بمعنى انه يحق لمرشحي الكوتات الاخرى الحصول على مقاعد عبر التنافس العام غير مقاعد الكوتا، باستثناء ابناء البادية.
فإن إلغاء دوائر البادية الانتخابية وإلحاقها بالتقسيمات الجغرافية والإدارية، سيعزز من مكانة العشائر البدوية ويزيد من لحمتها وتعاضدها وانصهارها وانسجامها مع محيطها، وقد يكون أفضل مخرج من هذا الوضع القائم من خلال اعتماد التقسيمات الإدراية دوائر انتخابية، ويطبق على ابناء البادية ما يطبق على غيرهم من حيث اختيار مكان الإقامة كدائرة انتخابية أو البقاء ضمن محافظته في خطوة أولى نحو صيغ انتخابية أكثر إيجابية ترتقي بالحياة السياسية، وهذا سينعكس على المستوى الاستراتيجي بمأسسة عمل الأحزاب في الانتخابات لتشمل أكبر مجال اجتماعي سياسي فيها، وتعزيز التنمیة السیاسیة والإصلاح السیاسي والاقتصادي من خلال المشاركة الفاعلة لجمیع أفراد المجتمع.
أكد جلالة الملك عبد الله الثاني دائماً، أن الأردن بُني على مبادئ المساواة والعدالة والمواطنة وسيادة القانون، وبالتالي تتشكل الديموقراطية الحقيقية من خلال البرلمانات الفاعلة التي تقوم على اساس التمثيل البرامجي والوطني وتقاسم الادوار وتبادلها بين كتلة الاغلبية والاقلية، واستطيع ان اطمئن هنا بأننا نحن ابناء البادية قد نابنا من التعليم والوعي والإدراك خلال المائة عام الأولى من تأسيس المملكة الأردنية ما يخولنا وبكل ثقة من الحصول على ضعف عدد المقاعد المخصصة لنا حالياً، لنستطيع أن نشارك ونساهم بشكل اكبر في العمل الحزبي مع كافة اطياف المجتمع الاردني المتلاحم، وذلك ينسجم مع ضرورة ان البرلمان يجب ان يكون ممثل لأغلبية فئات الشعب وتطلعاتهم وطموحاتهم وآلامهم وآمالهم وأفكارهم وبرامجهم، من خلال تأطير الحياة السياسية وتعزيز العمل الحزبي على مستوى الوطن.
ما نأمله ان تأخذ اللجنة الملكية بهذه التوصيات عند مناقشتهم مشروع «قانون الانتخاب لمجلس النواب»، وأن تستطيع إخراج قانون انتخاب عصري توافقي تجمع عليه مكونات المجتمع الأردني كافة، بمختلف أطيافه السياسية والاجتماعية، ويضمن استقراراً تشريعياً، ليسهم بإنتاج مكونات برلمانية ذات خلفيات سياسية يكون بمقدورها الوصول إلى حكومات حزبية سياسية واقتصادية برامجية.