جفرا نيوز -
جفرا نيوز - محمد خروب
جبهة توتّر جديدة فرضتها اثيوبيا على مصر والسودان، وهي مفتوحة على احتمالات متعددة, ليس مستبعداً أن يكون الحلّ العسكري هو أحد الخيارات «القليلة» التي أفرزها التعنت الاثيوبي, بكل غطرسة وشعور بفائض قوة لدى رئيس الوزراء آبي أحمد، حامل جائزة نوبل الذي ارتكبت جيوشه وما تزال, جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم تيغراي المُتمتّع بالحكم الذاتي، خاصة استعانته بجيش دولة ارتيريا, التي انفصلت عن اثيوبيا بعد عقود طويلة من الاستعمار الاثيوبي, لكنهما (اثيوبيا واريتريا) سقطتا في مستنقع التحالف مع العدو الصهيوني, على نحو منح إسرائيل مزيداً من الأوراق الاستراتيجية. خاصة في ما كان يُعرف بـ"البحيرة العربية"/البحر الأحمر, الذي باتت إسرائيل الآن «شريكة» حقيقية في تقرير مصيره، وما الصراع الدائر في اليمن الآن سوى أحد تجليَّات الصراع الدولي, لـ"الفوز» بأوراق أخرى في تقرير مستقبل البحر الأحمر وموازين القوى فيه.
ما علينا..
تواصل اديس أبابا التأكيد على نيّتها إجراء الملء الثاني لسد النهضة والذي يُقدَّر بـ5ر13 مليار متر مكعب، في تموز الوشيك بعد انتهاء المهلة التي اعلنتها وهي 28 حزيران الجاري, ما أثار المزيد من المخاوف لدى مصر والسودان من تراجع حصّتيهما من المياه، وهو ما تحاول القيادة الاثوبية نفيه (دون تقديم ضمانات أو التوقيع على اتفاق مُلزِم مع دولتي المصب، رغم كل «الوساطات» غير الناجحة بل والمشكوك فيها كما يجب التنويه)، وتُصرّ على إدامة مفاوضات عبثية برعاية الاتحاد الإفريقي, الذي فشِل «حدود التواطؤ» في إحراز أي تقدم يُذكر، بل منح اثيوبيا المزيد من الوقت لمواصلة مراوغتها, سعياً من الأخيرة لتكريس أمر واقع يصعب بعده على القاهرة والخرطوم تغييره. وهو ما هدف إليه آبي أحمد الذي يواصل بصلف التزحزح عن مواقفه المتشددة في وقت يزعم فيه أنه مستعد للمواجهة العسكرية مع القطريْن العربيّين, رغم أن القاهرة كما الخرطوم لم يحسما أمرهما إزاء حل كهذا, وأبديتا حرصاً مُعْلَناً بعدم تقديم منطق الحرب على منطق الحوار والتوافق القانوني. وإن كانتا لم تُسقِطا ذلك من حساباتهما. إن لجهة إجراء مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق, أم لجهة مخاطبة مجلس الأمن الذي لم يُبد معظم أعضائه حماسة إزاء مطالبهما, وإن كانت الولايات المتحدة أبقتْ على غموض موقفها من مسألة سد النهضة لأسباب انتهازية معروفة. رغم صدور تصريحات بنبرة لافتة عن واشنطن تقول: إنها «لن تترك مائة مليون مصري يواجهون العطش». ما أثار تكهنات عديدة لم تُترجم – أميركيَّاً–بضغوط على أديس أبابا أو دعوتها/ تحذيرها من مغبة بدء الملء الثاني للسد قبل الاتفاق مع القاهرة والخرطوم، في ظل إعلان اثيوبيا أنه «لا يمكن لأي قوة تعطيل الملء الثاني للسد».
صحيح أن مصر والسودان حصلتا على دعم سياسي عربي وبعض الإفريقي, لكن ذلك لم يُثِر أي رد فعل من اديس أبابا بدليل تواصل تجاهلها/مقاومتها كل الضغوط (الخفيفة) التي مُورِست عليها، بل وجدت في بعضها وكأنها ضوء أخضر لمواصلة استكمال مخططها لاكمال السد الذي بدأ العمل به قبل عشر سنوات.
القاهرة والخرطوم في وضع لا تُحسدان عليه (رغم بعض التباين في موقفيهما), بعدما أوصلتهما اثيوبيا لطريق مسدود، وبات عليهما استدراك الأمر قبل فوات الأوان, لأن تداعيات إكمال أديس أبابا المرحلة الثانية لملء السد ستكون كارثية عليهما, أقلّه رفض اثيوبيا التعهّد باستمرار التزامها بحصة البلدين من المياه وفق الاتفاقات السابقة, وهي (5ر55 مليار متر مكعب، و5ر18 مليار متر مكعب)...على التوالي.