النسخة الكاملة

الصُّلعان

الخميس-2021-06-27 08:41 am
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - إسماعيل الشريف

«أترك مُر أفعالهم للزمن، فكل ساقٍ سيُسقَى بما سَقى»، نجيب محفوظ.

في هذه العجالة سأحاول تلخيص برنامج التحول الاقتصادي؛ أسبابه وخلفياته ونتائجه، حتى نحاول معًا جمع قطع الأحجية وفهم ما جرى:

إدارة «الديجيتال» للقطاع العام لم تكن ظاهرة مقتصرة على بلد، وإنما وصلوا بأسماء مختلفة إلى دول عربية ونامية أخرى إبان برامج التحول الاقتصادي.

بعد الاستقلال كانت النغمة السائدة آنذاك الفكر الاشتراكي القومي، والذي بموجبه أعطوا حقوقًا للعمال ووزعوا الأراضي، وأحيانًا أخذوا قرارات بتأميم الصناعات الكبرى.

ثم فرضوا رسومًا كبيرة على المستوردات لحماية الصناعات المحلية، وسيطرت الدولة على الاقتصاد، وحاولت تقديم نفسها على أنها دول الرفاه، فمنحت التعليم والصحة المجانيين، وأحيانًا مشاريع إسكانية طموحة ووظائف وفّرت حياة كريمة لمواطنيها، ومقابل ذلك تغاضت الشعوب عن الديمقراطية والحرية.

وكان الهدف الأساسي للدول في ذلك الوقت أن تنأى بنفسها عن الاستعمار، وكما اعتقدت أنها حققت استقلالاً سياسيًّا، سعت كذلك للحصول على استقلال اقتصادي وثقافي، ولكن كان للاستعمار رأي آخر!

فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفشل الدول في إدارة اقتصادياتها وتوفير ما يكفي لشعوبها، وبدأت تشهد تراجعًا اقتصاديًّا ملموسًا، اتجهت الدول إلى الاقتراض. في بداية الأمر كان الحصول على القروض سهلاً للغاية، ثم بعدها اشترطت أذرع الإمبريالية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي للاستمرار في الإقراض أن تطبق الدول ما سمّي «إجماع واشنطن» Washington Consensus وتقوم بما يلي: ضبط الإنفاق الحكومي، وتخفيض الدعم الحكومي، وخصخصة القطاع العام، وتحرير سياسات التجارة والتمويل وأسعار الفائدة.

أدى تطبيق هذه السياسات إلى تغيير التحالفات بين الأنظمة الحاكمة والنخب الحاكمة، فوُضع السياسيون المخضرمون ذوو النزعات الشعبوية والاشتراكية والقومية على الرف، وأُخليت الساحة لنخب جديدة يحملون الرؤى الأمريكية.

وبعد أن بُدئ بتطبيق برامج التحول الاقتصادي، انتقل بعض من رجال الحكم إلى القطاع الخاص فملؤوا جيوبهم بالنقود، فتحوّل الاحتكار الحكومي إلى الاحتكار الخاص، وضعفت الطبقة المتوسطة وانخفضت الوظائف، وبيعت شركات الدولة لأقلية غنية أو شركات خارجية بأبخس الأثمان، وذهب جزء من عائدات التحول إلى الجيوب والجزء الآخر لسداد فوائد قروض أو مصاريف جارية، وكان الأجدر أن تتوجه نحو مشاريع كبرى للتنمية والاكتفاء الذاتي.

وكانت النتيجة النهائية فشل ذريع في برامج التحول الاقتصادي، واستشراء الفساد نتيجة تزاوج المال والسياسة، فكان أحد أسباب ثورات الشعوب العربية.