جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة - يمكن أن نفهم هذا الانتعاش في سياق ملامح عودة «العافية» لحياتنا السياسية التي تعطلت، لكن المؤسف ان ما تشهده بعض «المنتديات « من حراكات يبعث على الخجل، ليس فقط فيما يتعلق بطوابق النميمة السياسية التي أصبحت جزءا من «مقبّلات» السهرة، وإنما بالنقاشات العامة حول القضايا التي تطرح، وهي بالمناسبة ليست نقاشات بقدر ما هي مناكفات وتصفية حسابات، وأسوأ ما فيها أنها تعبر عن «الأنا» المستغرقة بالثأر والوهم والخوف والأنانية ، كما أنها تكشف عن «جدب» طبقة النخبة وعن أزمتها في التعامل مع المجتمع أولا، ومع أصول وآداب الخصومة السياسية عند الاختلاف، ومع النظام السياسي الذي كانت جزءا منه، فتنكرت له حين أخرجت منه وانتزعت منها مواقعها وامتيازاتها التي حظيت بها على مدى عقود.
افهم بالطبع أن يكون للشخصيات العامة دور في الحياة السياسية بعد أن يترجلوا من مواقعهم، وافهم أيضا أن يأتي هذا الدور في إطار النقد السياسي للحكومة والمؤسسات الأخرى، وافهم ثالثا أن يكون لدى هذه الشخصيات «حنين» للعودة إلى المناصب والكراسي، أو رغبة في لفت الانتباه وتقديم العروض البديلة، لكن ما لا افهمه هو أن يظهر هؤلاء بمظهر «المخلّص» للبلد من كل الكوارث، والمطهر للمجتمع من كل الإخطار التي ارتكبها الآخرون (!)، ثم أن يحاولوا إقناع الجمهور بأنهم مجرد ضحايا دفعوا ضريبة الدفاع عن الوطن، وضحوا من اجله حتى بمواقعهم، ولو أنهم اعترفوا هنا أنهم كانوا جزءا من المشكلة، أو أنهم يتحملون بعض الخطأ لقلنا : شكرا لكم، لكنهم للأسف يصرون على أنهم أبرياء فيما الآخرون - كلهم - شياطين وأشرار، يتربصون بالبلد ولم يقدموا له أي شيء.
في «بازارات « اللغط السياسي الذي أصبح مفتوحا أمام الباحثين عن مقعد في « قمرة « القرار، أو عن الأضواء من جديد، أو أمام الراغبين ببيع بضائع «وطنية» مغشوشة بهدف استقطاب جمهور المتفرجين البسطاء، يمكن أن تسمع وترى ما لا يخطر على بالك من إعلانات وتنزيلات : بعضهم يحذّر من «غرق السفينة» وبعضهم ينذر بتحول العتب إلى غضب ، وآخرون يعتقدون أن خروجهم من الواقع مؤامرة دبّرت بليل، وان البلد من دونهم سيكون على حافة الانهيار. لا تسأل بالطبع عن صالونات المحاصصة السياسية أو الأخرى التي تريد علمنة الدولة ،أو غيرها من لوبيات «البزنس» السياسي.
كنت سأصفق لكل هؤلاء الذين أتحفونا بتحذيراتهم ونصائحهم الثمينة، لو كان لديهم ما يلزم من شجاعة لتقديم هذه النصائح في الوقت الذي كانوا فيه شركاء في القرار، او في المكان الذي يفترض ان يشهروا فيه مواقفهم ، لكن ما حدث شيء آخر لا علاقة له بالخوف على البلد، ولا بالتعبير عن هموم الناس وقضاياهم، ولا بالعمل السياسي النظيف الذي يستلزم المصداقية والصراحة والإنصاف والتضحية، ولا حتى بصحوة الضمير التي كان يمكن أن تفهم في سياق الاعتراف بالخطأ وإدراك الحكمة ولو جاءت متأخرة، وإنما تتعلق بحسابات «البيدر» حيث التزاحم على اقتسام الغنائم ، وحيث المناكفة من اجل التشويه والتجريح، وحيث التصفيات السياسية التي تنعدم فيها «الروح الرياضية» ، وحيث الرغبة في تطهير النفس وتبرئتها أمام الناس، والتكفير عن أخطائها ، ليس ب» كفارات « الاعتراف والندم والعمل وإنما بمزيد من الخداع.
بلدنا يمر الآن في «أزمة» ويحتاج لمن ينصح ويحذّر ويرشد إلى الصواب، لكن بعض هؤلاء الذين ترتفع أصواتهم كانوا جزءا من المشكلة، ولا يمكن أن يكونوا جزءا من الحل، وهم مجرد «شامتين» لا ناصحين، ولا يحظون بثقة الناس لأنهم يعرفون تماما سيرتهم السياسية، وبالتالي فان كل ما يصدر منهم ، حتى وان تحول إلى «أخبار عاجلة، لا يستحق الانتباه، لأنه مجرد أصوات وعواصف تحوم في أجواء ملبدة بالشك والريبة ، ومزدحمة بمعاني الشماتة والرغبة بالانتقام ، ومحملة «بأتربة» البحث عن المصالح الشخصية والبطولات الفارغة ، وشراء ما يلزم من شعبية ترقص على أشباح المحبطين والجائعين والخائفين على بلدهم حقا من العاديات.
الدستور