النسخة الكاملة

دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز زخم القضية الفلسطينية: التوأمان الكرد نموذجاً

الخميس-2021-06-20 09:16 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - فادي أبو بكر

شكَّل بروز وسائل التواصل الاجتماعي وانفتاحها على المجتمعات علامة فارقة في ابتكار أشكال جديدة من التفاعل مع القضية الفلسطينية، ولعلّ طريقة ترويج أبناء حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة لقضية حيّهم على شبكات التواصل الاجتماعي منذ شهر آذار/ مارس 2021، تُدلّل على أهمية ونجاعة دور وسائل التواصل الاجتماعي في التعاطي العالمي مع القضية الفلسطينية، خصوصاً وأن حي الشيخ جرّاح تحوّل من مجرد حي مقدسي إلى قضية ذات صدى عالمي.

وتناقش هذه المقالة، دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز زخم القضية الفلسطينية، متّخذة التوأمين محمد ومنى الكرد من حيّ الشيخ جرّاح أنموذجاً، إضافة إلى تبيان تواطؤ شركات التواصل الاجتماعي، والجهود الرسمية الفلسطينية المبذولة، والمطلوب فلسطينياً في هذا الصدد.

التوأمان الكرد نموذجاً

إن قضية حيّ الشيخ جرّاح، ليست وليدة اليوم، وتعود جذورها إلى عام 1956، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي من خلال أدوات الاستعمار القانونية وغير القانونية إلى تهجير سكّان الحي والسيطرة عليه. وعلى مدى السنوات الماضية، تم إجلاء عدد من العائلات الفلسطينية قسراً، في هذه المنطقة، تمهيداً للإخلاء القسري لـ 28 عائلة فلسطينية من حوالي 500 شخص، كلهم معرضون لخطر نزع الملكية والتهجير القسري.

ولم تكن قضية حيّ الشيخ جرّاح لتأخذ هذا الصدى العالمي، لولا الشباب الفلسطيني أمثال محمد ومنى الكرد ابني حيّ الشيخ جرّاح، اللذين استطاعا بكاميرات جهازيهما الخلويين، وبلغتهما السرديّة البسيطة والواضحة، و"الهاشتاجات» المتواصلة، أن يوصلا رسالة الشيخ جرّاح والرسالة الفلسطينية إلى أرجاء العالم بسرعة ووضوح شديدين.

وبينما أصبحت منى الكرد تُتابَع من جانب أكثر من مليون ونصف المليون شخص، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بفعل قدرتها على نقل صور الاستيطان في الحيّ، أصبح لشقيقها محمد أكثر من نصف مليون متابع على «إنستغرام» ونحو مائتي ألف متابع على «تويتر»، بفعل إجرائه مقابلات باللغة الإنجليزية عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة ونشاطه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليمثل الشقيقان التوأمان الكرد أيقونة النضال الفلسطيني في حيّ الشيخ جرّاح.

يمثّل حي الشيخ جراح نموذجاً مصغّراً للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في القدس وفلسطين بشكل عام، وفي المقابل فإن حملة الشقيقين الكرد على وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل نموذجاً جديداً وفريداً للنضال الفلسطيني في وجه الاحتلال، يجب الوقوف عنده والبناء عليه، لما له من نتائج وآثار إيجابية على كافة الأصعدة الميدانية الشعبية، والسياسية، والدبلوماسية، وحتى القانونية.

تواطؤ شركات التواصل الاجتماعي مع الكيان الإسرائيلي

تؤكد محاولات الكيان الإسرائيلي المستمرة إلى فرض هيمنته على شبكات التواصل الاجتماعي، والتحريض على الحسابات الفلسطينية، مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في تعرية وفضح انتهاكات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وتوضيح واقع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وتأثير هذه الوسائل في تعزيز زخم القضية الفلسطينية والتعاطي الدولي معها.

ويمكن القول إن شركات التواصل الاجتماعي قد تجاوبت مع الكيان الإسرائيلي، وكان هناك تواطؤ واضح من خلال تكثيف المراقبة والحذف للمواد الفلسطينية المنشورة تحت حجّة «مواد مؤذية»، ما جعلها شريكة للاحتلال في سياسة التعتيم على الرواية الفلسطينية في مقابل تبنّي الرواية الإسرائيلية.

الردود الفلسطينية

وكرد فعل على هذا التواطؤ، تمكّن نشطاء فلسطينيون وعرب بعد حملة واسعة ودعوات عديدة في العالم العربي، من خفض تقييم الفيسبوك والانستغرام، الأمر الذي أجبر هذه الشركات على التراجع خطوة إلى الوراء، وتوجيه رسائل اعتذار عبر المنصة، وأعلنت شركة فيسبوك عن تشكيل لجنة من المتحدثين بالعربية والعبرية لمراجعة المحتوى المتعلّق بفلسطين.

على الصعيد الرسمي، طالب سفير فلسطين في بريطانيا حسام زملط على هامش لقائه بمديرة السياسات العامة للفيسبوك «ايبيلي اوكوبي» يوم 14 أيار/ مايو 2021، شركات التواصل الاجتماعي بتغيير سياساتها إزاء القضية الفلسطينية، محذّراً من وجوب وقف التحيّز الفاضح لصالح الكيان الإسرائيلي. وفي غضون أقل من أسبوع اجتمع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مع إدارة «فيسبوك» عبر تقنية الاتصال عن بعد، وطالبها بضرورة السماح للفلسطينيين بالتعبير عن روايتهم رقمياً من دون أي قيود، ومتابعة خطاب الكراهية والتحريض المستمر ضدّ الفلسطينيين.

تمكّن النشطاء الفلسطينيون في مواقع التواصل الاجتماعي من تحقيق اختراق في الرأي العام الدولي في وقت قياسي عجزت عنه الماكينة الدبلوماسية والإعلامية الرسمية، وتُدلّل الحملة الإسرائيلية الشرسة المستمرة بهدف حجب المحتوى الرقمي الفلسطيني على مدى دور منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز زخم القضية الفلسطينية.

ويقود هذا إلى افتراض استنتاجي مفاده أن تواطؤ شركات التواصل الاجتماعي مع الكيان الإسرائيلي، لهو أخطر وأسوأ تأثيراً من صمت المجتمع الدولي على مكانة القضية الفلسطينية، بل أن منصات التواصل الاجتماعي تُشكّل ضاغطاً على المجتمع الدولي لإعادة الانخراط في جهود استعادة الحق الفلسطيني.

يقع على عاتق المنظومة الرسمية الفلسطينية مهمة مجاراة ودعم استمرارية الفعل الشبابي الفلسطيني المُبهر في العالم الافتراضي، من خلال تشكيل وحدة رسمية متخصصة أو خلية أزمة دائمة مكوّنة من: وزارة الخارجية وشؤون المغتربين ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة الإعلام، لرصد ومتابعة سياسات شركات التواصل الاجتماعي، وتركيز الجهود لوقف القيود المفروضة على المحتوى الرقمي الفلسطيني، إضافة إلى إنشاء حلقة تواصل دائمة مع النشطاء الفلسطينيين المؤثرين، لضمان وصول المعلومات الصحيحة إليهم، واستمراريّة تدفّقها.

ولا يسعنا في الختام سوى أن نقول: «لو فعل كل منا القليل لأجل الوطن لكان الأثر عظيماً وفوق التصوّر، ولا يُستهان بمنشور يُنشر أو تغريدة تُكتب، فقطرات الماء تملأ سدوداً وتجري سيولاً إذا اجتمعت».
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير