النسخة الكاملة

والفتنة الثانية أيضا في يد القضاء العسكري..

الخميس-2021-06-17 08:24 am
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.

كنت قد كتبت مقالة مطلع الأسبوع، كان عنوانها (الفتنة في يد القضاء العسكري)، واليوم أصبحت الفتنة الثانية في ذات اليد العادلة الشريفة، بعد أن طالعتنا أمس وسائل الإعلام المحلية، بنبأ كان بالنسبة لكل الأردنيين مؤكدا، قبل أن نسمعه على لسان وزير الداخلية، وهو نبأ إعتقال النائب السابق أسامة العجارمة، الذي أشعل أزمة سياسية في البلاد قبل أيام، انطلقت في البداية من مناكفات نيابية تحت قبة مجلس النواب، حظي أثناءها النائب بتأييد كبير من الغالبية الساحقة من المواطنين، لأن أسبابها تتعلق بمواقف ومطالبات شعبية لمجلس النواب، بأن يقدم مواقف متقدمة تليق بدوره الرقابي التشريعي باعتباره يمثل الشعب، الذي لا يشعر بالرضى على أداء كل مجالس النواب، وهي الحقيقة التي لا تتنكر لها الدولة، ومن أجلها تطلق الحوارات السياسية الهادفة لإصلاح المنظومة السياسية وتشريعاتها، لتستوعب التحولات السياسية الكبيرة التي نتعرض لها في الأردن كغيرنا من شعوب الدول الحيّة..

وبعد مواجهة نيابية ساخنة، تحولت الازمة الى مرحلة جديدة، اختلف معها خطاب النائب العجارمة، وأصبح حادّا صداميا مع الدولة نفسها، ثم انزلق الى التجاوز عما يعتبره الأردني خطوطا حمراء، تهدد أمن واستقرار البلاد وتعبث في نسيجها الإجتماعي، الذي نَظَمَهُ الأردنيون بصبرهم وعرقهم بمتانة وفرادة، وحكمة وقيم عروبية أصيلة، واحتلت فيه العشيرة الأردنية المكانة والدور والعروة الأهم، والنواة الرئيسية لأطيافه ومبادئه النبيلة، فهو النسيج الذي يكتسب قوته من ثوابت دستورية راسخة، هي خطوطنا الحمراء التي تحمي وتزيّن هذا النسيج الإجتماعي الفريد.

وسرعان ما تحول هذا الخطاب المنفلت الى فتنة ثانية، حاولت تقويض البلاد وأمنها وكل ثوابتها التي نحترمها كأردنيين ونعتبرها رصيدنا الفعلي لحماية دولتنا، ولا يسمح لأحد العبث فيها، لأنها مبنية على دستور دولة راسخة، طوت مئويتها الأولى رغم كل الصعاب التي واجهتها فصمدت، بينما نالت تلك الصعاب من دول عديدة في المنطقة وأعادتها الى العصور المظلمة، جراء الحروب والموت والخراب والتشريد وفقدان السلم الأهلي، واشتعلت فيها النيران بسرعة فهوت الى دهاليز الفوضى وفقدان الأمن وتجارة الموت، وهذا ما لا يقبله أي اردني على نفسه ودولته ومجتمعه، بدليل رفض الناس جميعا لهذا الخطاب التحشيدي التحريضي الذي تحدث به اسامة العجارمة على الملأ، وطالب الناس لدعمه علانية، واستخدم من أجل ذلك لغة لم يألفها أو يستسيغها أردني واحد، بمن فيهم أهل وأشقاء أسامة العجارمة نفسه، وقالوا (ليس هذا اسامة الذي نعرفه).. فلغة التهديد والاغتيال والحرق والتدمير وقيادة الشعب الى مواجهة مع دولته ومؤسساتها، لغة لا يستسيغها أردني واحد، وقد ترجموا رفضهم لخطاب النائب الذي أصبح مفصولا من مجلس النواب على خلفية إطلاقه هذا الخطاب.

كلنا نتوقع التهم التي ستتضمنها لائحة الإتهام التي ستصدر عن مدعي عام أمن الدولة، وهي تهم لا أستبعد أن يقوم أردنيون كثر برفع دعاوى ضد المتهم بها، سواء أكان أسامة العجارمة أو غيره، فهو دور تقوم به المؤسسات القانونية في دولة القانون، لأن الأمن حق إنساني عالمي، وهو أيضا بموجب الدستور والقانون والأعراف حق عام مقدس، لا يجوز التفريط فيه من قبل أية جهة أو التهاون مع من يحاول المساس به، وفي مثل هذه الحالة، فإن الجريمة واضحة وضوح الشمس، وسبق لكثيرين من المواطنين من مختلف مناطق المملكة ومن مختلف أطياف الشعب وتلاوينه، أن عبروا عن إدانتهم ورفضهم لما نطق به أسامة العجارمة، وهذا أمر لا تتوانى عن مواجهته دولة، ولا يحدث أن تتغاضى عنه سوى (جزر وجمهوريات الموز ومعاقل الفارين من وجه العدالة )، فهو عمل يهدد أي نظام سياسي محترم، ويجب أن يكون للقضاء موقفه من هكذا خطابات منفلتة.

تعاملت الدولة بمنتهى الثقة والحكمة مع ما أشعله النائب من أزمة لامست حدود الفتنة، ولم تسقط في شرك المواجهة مع الغاضبين الذين رغبوا بتقويض كل شيء، وهذا موقف وطني عظيم، تصدّره وتولى إدارته جهاز الأمن الوطني (أمن عام ودرك ودفاع مدني) ببراعة ومسؤولية، ونجح نجاحا كبيرا في احتواء هذه الأزمة، وقام بوأد الفتنة بحكمة ووعي لا نظير له، حين تمادى خطاب ومواقف بعض المشاركين في هذا العمل، ووفر كل عناصر الحرائق التي تأكل الأخضر واليابس، وبات الأمر كله بانتظار خطأ أو غضب بسيط يقترفه شرطي، لكنه أمر لم يحدث، فالأمن العام والأجهزة الأمنية كلها تعرف كيف تحمي البلاد من الانزلاق الى تلك الهاوية المظلمة، التي سقطت فيها دول كثيرة نعرفها، وبلمحة عين، كما نعرف دولا أخرى تسير نحوها مع كل الأسف.. 

الأردنيون لا يساومون على دولتهم ولا على قيادتهم، وهذا ما رأيناه من مواقفهم حين حاد خطاب النائب المفصول عن السوية والمنطق، وكذلك، إن الدولة لا تتقاعس أو تتوانى عن واجباتها المقدسة، بحماية شعبها ومقدراته ومستقبله بل وتاريخه المشرف، لذلك سننتظر ما ستسفر عنه محاكمة أسامة العجارمة بعد معرفة التهمة، ثم القرار القطعي بشأنها، فنحن وإن كنا ندرك أخطاءه لكننا لا يحق لنا أن نطلق الحكم عليه، فهو في عهدة القضاء العسكري، الذي يحمي الدولة ويترافع للدفاع عن أمنها.. وطالما رفع الدولة ورفع أمنها، لذلك نقولها بكل ثقة:
هذه دولة قانون محترمة وليست جبلا لمطاريد ولا جمهورية موز أو سوق دم، وعلى المخطىء أن يتحمل أخطاءه وحده.
هذه دولة تحترم نفسها وحقوق مواطنيها بالأمن، قولوها فهذا وقتها الحقيقي.