النسخة الكاملة

سياسة ضرب الوَدَعُ... والاصلاح !!

الخميس-2021-06-13 08:15 pm
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - بقلم الدكتور : ابراهيم العابد العبادي

قد يحتار البعض من عنوان الموضوع، وقد يخطر بالبال افكار وأبعاد كثيرة... خاصة للمُطّلع جديداً على مقالاتي... وحيث أني لا أعتمد اسلوباً أو اطاراً فكرياً واحداً في عرض المقال...فلكل منها فلسفة ومغزى ومعنى ترتبط بعنوان المقال وموضوعه ومتنه ومناسبته والظروف العامة التي دفعت للطرح....موضوع اليوم يربط بين منهجية ضرب الودع...ومنهجية الاصلاح السياسي...او أداء السلطة التنفيذية وغيرها...في صغرنا وضمن مناطق السكنى...كنا نشاهد بين الحين والأخر سيدة او أكثر من الغجر تطوف الحارات، أو كما هو شائع في مجتمعنا الاردني ما يسمى (النوّر) وهم فئة يقال انهم بالأصل قبائل هندية وبالتحديد من حوض نهر السند، ومقولات اخرى من اوروبا الشرقية، او القسطنطينية... ولهم اسماء عديدة اطلقها العرب قديماً ....منها الدّوم والزط والسبابجة والقرباط  والغجار والحلب...  بينما يُطلق عليهم في العراق الكاولية وفي بلاد الشام النوّر وفي بعض مناطق الخليج الصلبي.... كما تسمى في دول المغرب العربي زانة الودع...عادة وليس شرطاً...تكون هذه السيدة نحيلة، سمراء الوجه، خطوط الوشم خضراء، مطبوعة على الذقن، وجانبي وجهها احياناً...بعض من أسنانها او بالأقل ثناياها من الفضة او الذهب...عمرها ما بين الاربعين والخمسين... تحمل بقجة من القماش كبيرة الحجم.... تجوب الطرقات وتنادي بصوت مسموع (خطاطة...عرافة، بصارة،....الخ ... تقول بصوت عالٍ ومفهوم..."أبين زين أبين واضرب الودع، ....تضربي الودع يا حلوة"، موجهة ذلك لمن تقع عليها عينيها من ربات البيوت... ونرى تسابق نساء الحي على استقطابها بشكل جماعي...او بشكل فردي...أمر يشابه الفنتازيا المسرحية او اعمال السيرك...عمل فني مثير يجمع الفضول والضحك بين الخيال والواقع... وبين الوهم والحقيقة... اضافة لحرفة ضرب الودع.... تحمل في بقجتها... انواع من الكحل ... والبخور...والدهون...والعطور المركبة الرخيصة وعلاجات احياناً.....وسكاكين بدائية الصنع...ومعدات حفر الكوسا (محافر)...الخ، والغريب انها تبيع محتويات البقجة...ولكنها تُعيد ملؤها مما تستعطيه من نساء الحي كالملابس والأواني، وبعض المستلزمات الفائضة عن الحاجة. 

تجلس ضاربة الوَدَعُ ....وقد اختارت موقع استراتيجي تستطيع أن تّرقُب وترى من خلاله الجميع... وما زالت تقول "أبين زين ..... وأوشوش الودع" ....وتخرج  رقعة من القماش المزركش... ومن ثّم جِراب صغير (كيس)...يحتوي الوَدَعُ وهي... حبات خَرزٌ بِيضٌ جُوفٌ، أو مَحَارَةٌ، صَدَفَةٌ أَحْجَامُهَا مُتَفَاوِتَةٌ...او حتى حصوات بحرية ملسا... من حيث الجوهر عملية مشابهة لقراءة الفنجان وقراءة الكف...وجميعه حسب الادعاء من خبرات متراكمة من الاجداد وعمليات تعاطي علم الغيب... كله باطل، كله منكر ولا صحة له، بل هو دجل وكذب وافتراء، ويدّعون علم الغيب بأشياء أخرى كثيرة...، كما يعتمدون على ما يقول لهم أصحابهم  او أقرانهم من الجن،  وهذا من عمل أهل السحر والشعوذة، ولكن في معظم الاوقات تكون ضاربة الودع قد  تقصت وجمعت المعلومات عن سيدات المنطقة من خلال الجارات أنفسهن أو الاطفال أو اصحاب الدكاكين على محدوديتها في تلك الفترة....تضع ضاربة الودع عيناها في عيني السيدة الضحية.... وتقول لها  "ارمي حسنتِك ووشوشي ودعتك.. وشوفي ودعك إيه هيقولك"....وتكون الحسنة قطع نقدية بسيطة...تزداد نسبياً بالبشارة او الاخبار السارة او اعطاء معلومة عن خلاف مع احدى الجارات او القريبات بشكل مموه....الخ، لتمضي بعد ذلك حاملة الودع محملة بالعوائد النقدية والعينية الى موقع جديد...ومعاودة الكرة لاحقاً مرات ومرات دون كلل او ملل.
عطفاً على ما مضى اعلاه، ومقارنة بين منهجية عمل وأداء ومنجزات ومخرجات ضاربة الوَدَعُ، والحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الأردن، وعلى وجه الخصوص في العقود الثلاث الاخيرة، نجد انه لا فارق اطلاقاً... بل قد تكون ضاربة الودع تمثل نسخة مصغرة وانموذج حي  عن عمل الحكومات واللجان وفرق العمل التي يتم تشكيلها وتسميتها...ومنها لجان الاصلاح التي بلغت عشرة لجان منذ عام 1990 حتى تاريخه. فمنذ صغرنا وعبر الاجيال ما زال يتكرر مشهد ضاربة الوع تطوف الاحياء...والحكومات واللجان تتعاقب تطوف حياتنا بمسميات واشكال مختلفة...حالها حال ضاربة الودع غير محددة الأصل او المنبت وهناك اختلاف على مسمياتها ..فالحكومات واللجان لا نعرف ولا نعلم لماذا  تأتي ولما تذهب ...لماذا وكيف تُشّكل وتُعّدل... وما هو المذهب او منهج العمل الذي تتبعه... يميني متزمت، يساري متصلب...اصلاحي...ليبرالي.. تكنوقراطي...ديجتال...مُرقمن...خليط زينكوقراطي هذا الأخير "مذهب مرتبط بكشيشة الحمام"، فتارة نجد سيطرة خريجي ومجنسي دول محددة بعينها، او جامعات لا تتجاوز عن اصابع اليد الواحدة...او اصاحب  فكر عقائدي واندية دولية...وهذا الحال بات حديث الشارع المحلي والعربي... وحال العديد من دول العالم العربي.

كما اشرنا سابقاً للصفات الشخصية للعرافة...ضاربة الودع...كذلك أعضاء الحكومات واللجان وفرق التقصي...لهم صفات أو مميزات تتوافق مع كل مرحلة... فهناك المتزمتين التقليديين او الرجعيين...وهناك المنفتحين والصلعان وهناك الرقميين بالشورتات والكابات والتيشرتات والنظارات كبيرة الحجم... ضاربة الودع تجوب الطرقات والاحياء تُّسوق خدماتها ومنتجاتها وتحقق العوائد...وكذلك حال غالبية اعضاء الحكومات واللجان يجوبون مواقع المسؤولية والقيادة ويتبوؤون الكراسي...ويتنقلون داخل البلاد وخارجها  بحثاً عن الرفاهية والحياة المفعمة بالمغامرات على حساب الشعب الذي يرزح تحت نير الفقر والحرمان والبطالة يوماً بعد يوما يزداد الشقاء والحرمان والتعاسة.

ضاربة الودع...تتبنى مفهوم " "أبين زين ..... " لدغدغة المشاعر وايقاظ احلام اليقظة التي لا تتحقق...بشكل مشابهة تماماً لاستراتيجيات واجندات وتقارير وتوصيات الحكومات واللجان التي لا تنفذ قط على ارض الواقع .. لتشكل طلاسم السحر والشعوذة ولا تساوي في كثير منها قيمة الحبر المكتوبة به...وتهدف الى ذرء الرماد بالعيون... الغريب  والعجيب أن ضاربة الودع والحكومات واللجان تستقي معلوماتها وبياناتها بدلاً من سلطاتها من ذات المصدر "الشعب" ويتم اعادة تدويرها للشعب...ومن أجل الشعب...الحكومات واللجان تتبع اسلوب السرد والكلام المعسول والجمل المنمقة...دون تنفيذ على أرض الواقع...وهذا يشابه خدمات وبضائع ضاربة الودع رخيصة الثمن ولا قيمة  مضافة لها... بل قد يكون الضرر اكبر من المنفعة....ضاربة الودع تختار موقع استراتيجي لإحكام السيطرة...وهذا نفس عمل الحكومات واللجان تستخدم الوسائل المتاحة من اعلام اصفر مهزوز...ومواقع اعلامية  ومجالس ونقابات  ومؤسسات مجتمع مدني وشيوخ الديجتال ومنظرين  جميعها مجيشة ومشتراه...مطبلين ومسحجين ولتحقيق نفس الغاية.
ختماً، هذا جانب يسير من المقارنة...فنحن ابناء الشعب نتعامل مع حكومات ولجان ومسؤولي ضرب الودع... نحصل على الوعود تلو الوعود دون افعال وتطبيق...وسنبقى ندور في تلك الساقية ودون هدف...ما لم يتم اجراء اصلاح حقيقي ينبع من نبض وضمير الشعب...ولأجل الشعب...وبكل صراحة، الأمر واضح وجّلي...نحتاج الى مرسوم  وأمر ملكي، يصدر عن صاحب القرار والرأي، جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، حفظه الله وادام ملكه، وبشكل ملخص ومباشر أن يأمر باتخاذ الاجراءات فوراً  ودون تأخير نحو (ملكية دستورية، وتعديل شمولي منهجي في الدستور، وقانون انتخاب عصري عملي، وقانون لضمان الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمواطن)...عدا ذلك سنبقى مأسورين تابعين لسياسة ضاربي الودع لأجيالنا القادمة....حمى الله الوطن، حمى الله الأردن أرض الحشد والرباط.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير