جفرا نيوز -
جفرا نيوز - طارق سامي خوري - لا يزال انضمام "القائمة العربية الموحّدة" إلى الائتلاف الحكومي الصهيوني الجديد مثار جدل واسع، ليس في أوساط الفلسطينيين داخل كيان الاحتلال فحسب، بل في الأوساط السياسية "الإسرائيلية" أيضاً، إذ أنّ الغرابة في هذا الائتلاف الهجين لا تكمن فقط في وجود القائمة العربية، بل أيضاً في انضمام حزب "ميرتس" اليساري بقيادة نيتسان هورويتز إلى هذا الائتلاف ذي الغالبية اليمينية، ما يكشف زيف مقولة بعض العرب المتحمّسين لحلّ الدولتين حول الرهان على اليسار "الصهيوني" باعتباره جبهة سياسية تجمع "حمائم" داعمة لمسيرة السلام المزعوم مع العرب.
ويعدّ انضمام القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس إلى ائتلاف حكومي صهيوني أول خطوة من نوعها لحزب عربي، إذ أنّها الأولى في تاريخ الكيان منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، ذلك أنّ المرة الأخيرة التي دعم فيها حزب عربي حكومة الاحتلال من دون المشاركة فيها، كانت عام 1992 في عهد ما سمّي حينها "حكومة السلام" برئاسة إسحق رابين.
وحيث أنّ هذه الخطوة لم تحظَ بموافقة بقية الأحزاب العربية أي "القائمة المشتركة" التي تشمل: "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" برئاسة أيمن عودة، "العربية للتغيير" برئاسة أحمد الطيبي، و"التجمع الوطني" برئاسة سامي أبو شحادة، فإنّ ذلك يعني أنّ القوى السياسية الصهيونية قد نجحت في شقّ الصوت الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، بما يفسح في المجال أمام توظيف ذلك الصوت في الصراع الداخلي بين الأحزاب الصهيونية. وعلى ما يبدو نجح ائتلاف (لبيد ـ بينت) في استخدام ورقة "القائمة العربية الموحّدة" في وجه نتنياهو للإطاحة به.
وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ "القائمة العربية الموحّدة" أعطت الائتلاف اليميني الوليد ما يريده، يجوز التساؤل: ما الذي يمكن أن يعطيه هذا الائتلاف، في المقابل، للقائمة المذكورة التي يفترض أنها تمثل فلسطيني الداخل المحتلّ؟ وأي تغيير تتوخّاه القائمة من خلال هذه المشاركة عن برنامج حكومة نتنياهو، لا سيّما بعد أن خرج علينا رئيس الحكومة المنتظرة نفتالي بينيت بتصريحات لا تقلّ عنجهية عن تصريحات سلفه حين تحدث عن إمكانية شنّ عدوان على غزة ولبنان، وهي تصريحات ليست مستغربة من الرجل صاحب التاريخ الدموي الطويل الذي قضاه في الحروب حيث شارك في الاجتياحات الصهيونية للبنان والضفة الغربية والعدوان على غزة خلال السنوات الماضية.
إذن، الحكومة الصهيونية العتيدة هي حكومة يمينية متطرفة بامتياز في تركيبتها وفي خطها السياسي ولن تحمل أي تغيير جوهري حقيقي عن حكومة نتنياهو، والمشاركة فيها تعني إضفاء "شرعية" على سياساتها ومخطّطاتها المستقبلية، خاصة على صعيد تعميق الاحتلال والاستيطان، وبالتالي التنكّر لحقوق أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة، بل إنّ موافقة "القائمة العربية الموحدة" على أن تكون جزءاً من الائتلاف الحكومي معناها أن توافق على سياسة الحكومة وتتبناها.
واللافت أنّ بينت صرّح أيضاً بأنّ مشاركة القائمة العربية بدعم الائتلاف الذي يتزعمه إلى جانب لبيد لن يلزم برنامج الحكومة بتقييدات وبالتالي جلّ ما يرمي إليه هو حشر هذه القائمة في الزاوية: إما السير خلف حكومة يمينية من دون قيد أو شرط، أو الذهاب إلى انتخابات خامسة وهو احتمال لم يستبعده بينت. فهل تدرك هذه القائمة خطورة ما تسير به، وهل يكفي الحصول على مقعد نائب رئيس الكنيست، كما وُعِدت القائمة، أو أي منصب آخر للادّعاء بأن هناك إنجازاً ما قد تحقّق؟.
أمام هذا المشهد الصِفري، يمكن القول إنّ الإنجاز الوحيد لهذا الائتلاف الهجين هو الإطاحة بنتنياهو، وبذلك تكون القائمة العربية قد لعبت دور "المنقذ". وفي المقابل يبدو أنّ نتنياهو مصرّ على مواصلة معركته، تارة من خلال التصويب على الحكومة المنتظرة، وطوراً من خلال الرهان على تفكّك الائتلاف واختلاط أوراق التحالفات من جديد، وصولاً إلى حالة من الاستعصاء السياسي، وربما تصبح الانتخابات البرلمانية حينها خياراً حتمياً.
المفارقة أنّ ذهاب القائمة العربية بهذا الاتجاه جاء في لحظة زمنية برهنت فيها الأحداث، خاصة بعد التطورات الفلسطينية الأخيرة والعدوان الصهيوني على غزة، أنّ خيار فلسطينيي الداخل المحتلّ هو أقرب إلى خيار المقاومة من أيّ وقت مضى، وبالعودة إلى الجولات الأربع الأخيرة من انتخابات الكنيست وموقف فلسطينيي الداخل الفلسطيني المحتلّ منها، نجد تزايد إحجام الفلسطينيين عن المشاركة فيها بنسبة وصلت في الانتخابات الأخيرة إلى 56%، مع إصرار دولة الاحتلال على التعريف عن نفسها كدولة يهودية. كما أنّ بينيت هو أصلاً متطرف جداً وقبل ذلك كان رئيس مجلس المستوطنات لدى الاحتلال، وهو يؤمن تماماً "بقانون القومية اليهودية" وشارك في التصويت عليه، ما يجعل مصير هذا الائتلاف الحكومي برمّته في مهبّ الريح.