النسخة الكاملة

مفتاح الدار.. أيقونة الصبر لشعب لن يتنازل عن العودة

الخميس-2021-06-03 08:22 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - هو ليس قطعة من المعدن تعلق على الحائط، أو توضع في صندوق الذكريات.. هو أيضا ليس مجرد مفتاح كغيره من مفاتيح الدار أو البيت، هو أعمق وأبلغ من ذلك، لأنه رمز الصمود والصبر.. وحتى شكل من أشكال التعبير المقاوم للاحتلال.

فما يزال الحاج، يتكئ على مفتاح بيته في فلسطين، وما يزال الاب يسرد قصة الترحيل لطفلته التي تشتاق لبيارات لم تلمحها بأعينها، لكنها سمعت عنها من والدها الذي شُرد من بيته وقريته وهو في مثل عمرها، وعمها الذي حمل "الكواشين”، وأخذ عهدا من أبنائه وأحفاده، بألا ينسوا يوما أن لهم بيوتا وأراضي ملكا لهم، والحلم سيتجدد بالعودة وإحياء أجمل الذكريات.
عاصر الفلسطينيون في نكبتهم، أطول أسبوع في تاريخ البشرية، ظنوا أنه كغيره من أسابيع العمر، إذ خرجوا من بيوتهم العام 1948، لمدة يفترض ألا تزيد على الأسبوع، غير أن الزمن امتد لأكثر من 73 عاما، من التهجير والنكبات، وحلم العودة لكل شبر من "البلاد” ظلت تعيشه الأجيال وتتوارثه، فالحق لا يسقط بالتقادم.

عائلة أبو حسن تهجرت العام النكبة 1948 من قريتهم "الشيخ مونس”، والتي تقع على بعد 9 كيلومترات، شمال مدينة يافا، وعلى بعد كيلومترين ونصف كيلومتر عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط قريبة من نهر العوجا.

"تركنا الدار، أمناها (أمانة) عند جارنا أبو العبد، مهو كان ما بدوش يطلع منها، وضل يحكي ما أنا براسي (وحده) مش مثلك أبو حسن عندي مرة (زوجة) وولاد وبنات وخايف عليهم، الدار بأمان يا حجي اطلع اسبوع زمن وبترجعلها”.. هذه الكلمات قالتها حفيدة أبو حسن -رحمه الله-” لمى” والتي سمعتها كثيرا من والدها الذي تهجر مع أهله، عندما كان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما، بذات اللهجة التي كان ينطقها الجد.

لجأت العائلة إلى الأردن وتعيش فيها منذ ذلك العام، رغم الوعود الكثيرة بأن العودة قريبة، وحتى بعد حصوله على الجنسية الاردنية، بقي حتى آخر يوم في حياته يتغنى بفلسطين، ويتحدث للجميع عن ذكرياته في القرية، وعن بيته الذي كان وسط جنة من البرتقال اليافاوي، إذ كان يتاجر فيه هو وابنه حسن، وفق لمى.

تستذكر ليلة "السقوط”، وفقا لرواية والدها وجدها، "بعد ما دخلوا العصابات الصهيونية، وسيطروا على كل المناطق الساحلية بين حيفا ويافا، صارت القرية أكثر تهديدا بالتهجير، وفي يوم 30/3/1948 احتلوها وشردوا عيلتنا وحوالي 2250 شخصا”.
كانت إجابة كبار السن للأحفاد الذين يقتنصون الفرصة للسؤال عن يافا ومدى جمالها وروعتها، وروعة القرية التي يسكنوها؛ لماذ رحلتم ولم تبقوا؟، لتكون الإجابة التي لا تشفي الصدور؛ "تم تطويق القرية من كل الجهات وظلت جهة واحدة فقط، اللي بنقدر نطلع منها، هي الجهة الشمالية فلجأنا للمناطق التي كانت تحت سلطة الأردن”.

من هنا وجدت عائلات الشيخ مونس ملجأها في منطقة المثلث الجنوبي وطولكرم ونابلس وقلقيلية. ومن هناك توزعوا مرة أخرى إلى أماكن مختلفة في العالم العربي، وبقي عدد قليل جدا منهم، داخل الخط الأخضر، يسكنون في مدينة اللد والرملة.
وعن مشهد التهجير تستذكر "لمى” ما سمعته من كبار العائلة، "بأن البكاء والعويل من الكبير قبل الصغير كان سيد الموقف، فمن ترك أرضه وبيته وذكرياته، من ترك وطنه والظلم بين عينيه كيف سيعيش هنيئا، إذ هجروا بلا حول ولا قوة ولا عتاد ولا طعام ولا مال، إذ مشوا حاملين أطفالهم وبضع قطع من ملابسهم سهلة الحمل، معتقدين أنهم عائدون”.

"ما توخذي كل الأغراض، خذي الشغلات المهمة بس، وهاتي مفتاح الدار معك كلها يومين وبنرجع”.. تؤكد ختام أبو الهيجاء أنه هذه الجملة سُمعت من كل فلسطيني 48 وفي النكسة العام 1967 الذي تهجروا في النكبة سنة 1948، سمعت هذه العبارة من الأجداد والجدات والأباء الكبار في السن، مؤكدة أن المحتلين اعتقدوا أن الكبار سيموتون وأن الصغار سينسون، لم يعرفوا أن صاحب الحق ينام ويصحو وهو يتحدث عن قضيته ويطالب بحقه، ويعلم ابناءه والأجيال من بعده حب الأرض وحب الوطن وعدم التخلي عنه.

وتقول أنها عشقت تراب الوطن، فالحديث عن حيفا لا ينتهي مع عائلتها، والتغني ببحرها وشواطئها التي حرمت منها لأن هناك قوما يدعون أحقيتهم برغم كل ما يرد في التاريخ والكتب السماوية التي تؤكد بأنهم يعيشون تيها في العالم ولا وطن لهم، وأن هذا الانتهاك جاء واقتنعوا به بعد وعد بلفور لهم.

وتؤكد كيف ستنسى فلسطين بلدها الذي هجرت منه وهي التي تذوقت حلاوة برتقال يافا من وصف والديها، وعنب الخليل وكعك القدس وزعتر رام الله وزيتون الأرض المقدسة وزيتها مع كل مرة كانت تروى قصص فلسطين وذكريات خيراتها من وطن ترابه مقدس أرض الأنبياء.

خبير التراث نايف النوايسة، يقول في بداية حديثه إن الصهاينة أعداء لكل الإنسانية، إذ هجروا الفلسطينيين من بلادهم ونكلوا بهم، وأحرار العالم يقرون بالحق الفلسطيني ويرفعون مع كل عجوز وطفل، المفتاح الفلسطيني الخالد، وخريطة فلسطين والثوب الفلسطيني القديم، والذي تجذر في تواشيحه الزيتون الفلسطيني والبيارة من الشمال الجنوب، وقرأنا من تغنى بالبلاد، هؤلاء الذين حملوا على لافتة الحياة المعنى الحقيقي للوجود، وهم الذين أعطوا للزيتونة معناها الشرقي والغربي وفق ما أراده الله.

وهم الذين سكبوا دمهم الزكي فداء للنضال، يضيف النوايسة، وكتبوا المعاني الخالدة للحرية، فهذه السيدة التي تحتضن الشجرة العتيقة وتتحدى اليهود هي أم لكل العرب، وذلك الطفل يبيح لدمه أن ينسكب على تراب فلسطين فهو من يعطي المعنى الحقيقي لألعاب الطفل. ويعلن موقفا بريئا أمام اليهود هو موقف لكل الأحرار في العالم. ويضيف النوايسة، "لقد تعلمنا أن معنى الحرف والقصيدة والألوان فلسطينية، وحينما نرفع بيرقا للحرية نجد أن ألوان هذا البيرق من الدم الفسطيني، الذين خطوا لنا من الحرب الأخيرة كل معاني الحياة وكشفوا الوجه الحقيقي لليهود”.

ويقول:” ليست هذا المرة الأولى التي يشرد فيها الفلسطيني من أرضه، فهو كدورة الحياة يخرج منها ثم يعود، منذ آلاف السنين وهم يعانون، وكان أشرس ما حصل في حرب الـ48 حينما انفجرت فلسطين بأكملها عن هذا التهجير والذي ولد من رحم العنصرية والاستعمار، لكن هذا الشعب مقاوم والحياة لا ترحم الشخص الواقف، فتجدد الدم الفلسطيني إلى أن ولدت النكسة وتم احتلال التراب الفلسطيني، لكن فلسطين باقية بشواطئها وترابها وحجارتها، والدليل هو الحرب الأخيرة التي حدثت في الأيام الماضية لأن الارض فلسطينية وصاحب الأرض فلسطيني.

ويذهب النوايسة إلى أن أجمل ما يحدث "حينما نرى عجوزا فلسطينية في شرق الأرض وغربها تحمل المفتاح القديم وتتغاوى بثوبها الفلسطيني القديم، وتتغنى بفلسطين فنقول إن هذا الشعب حي ولن يموت”.

ويؤكد "أن عيش التهجير اليوم في حي الشيخ جراح وفي سلوان يفتح جرحا لم يغلق، وخلق وحده شعبوية عربية لا تنسى ويجب أن يهابوها”، فالتعدي على المقدسات الدينية غلطة يجب أن يحاسبوها عليها وبالفعل حوسبوا عليها، وإن اعتقدوا أن الفلسطيني خاسر فصاحب الحق ومن يرافع عن قضيته لا يخسر.

الغد
 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير