النسخة الكاملة

قطيشات: الدولة الأردنية في قمة النضوج بالتعايش مع الأحزاب وكنت ضابط مخابرات وأنقذت جاري من الاعتقال

الخميس-2021-06-02 03:34 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز- من رجال الوطن أصحاب الكفاءة والخبرة، معروف بدماثة خلقه وسعة صدره، واحترافه في مجال الإدارة وفنونها، يحمل صفات السهل الممتنع، فهو قائد ومدير بمواصفات قياسية جعلت منه نموذجاً يمكن تدريس أسلوب إدارته لمؤسسات الوطن الكبرى.

محامي وضابط مخابرات سابق، ثم مديرا لمؤسسات وطنية مهمة، استطاعت تلك المؤسسات الرسمية في عهده تسجيل انجازات غير مسبوقة، مما ساهم في تأهليه لنيل ثقة سيد البلاد وتقديره بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى، ويتم اختياره عضواً في مجلس الأعيان بسبب خبرته الطويلة المليئة بالانجاز.

ضيفنا هو معالي العين مروان باشا قطيشات، مديرأسبق لدائرة الأحوال المدنية ، والمدير الأسبق لدائرة المطبوعات والنشر، واللواء المتقاعد من جهاز المخابرات العامة.

*حدثنا عن سيرتك العملية، وأبرز محطات تلك المسيرة...

تخرجت من جامعة دمشق عام 1973 ثم تدربت كمحامي لمدة سنتين عند محامين بارزين مثل المرحوم نجيب ارشيدات والد نقيب المحامين الحالي، والاستاذ مروان الحسين رحمه الله، وكان رقمي في سجل النقابة (900) وهو من الأرقام القديمة، لأن الرقم الآن يتجاوز (27000)، فقد كنت من أوائل المحامين الذين سجلو في المهنة، ولكن نتيجة لظروف الحياة والعمل، حباني الله أن أتقدم لدائرة المخابرات العامة باعتبارها تمثل رمزية للوطن، وتم قبولي مباشرة في أيام مدير المخابرات الأسبق دولة أحمد عبيدات، ودخلت برتبة ضابط وأخذت أقدمية لأنني كنت حاصل على فترة تدريب كمحامي.

عملت في المخابرات العامة لمدة 30 عام حتى تقاعدت في عام 2005، وكانت خدمتي من أجمل المراحل في حياتي، حيث كنت أعمل على الأحزاب غير المرخصة وغير المسموح بها قانونياً، إلا هناك علاقات إنسانية وشخصية مازالت تربطني ببعض أعضاء تلك الأحزاب، فهذا ديدن وطننا ووملكتنا الهاشمية، فعند وفاة والدتي رحمها الله، حضر معظم أعضاء تلك الأحزاب وكان هناك استغراب من بعضهم عن سبب تلك العلاقة رغم أنني أعمل في المخابرات ، لكن وبحمد الله، أن الإنسانية والعلاقات الطيبة بين الناس هي ميزة من مميزات هذا الوطن الذي نشكر الله ونحمده عليها.

بعد تقاعدي من جهاز المخابرات العامة، قمت بإعادة تفعيل عضويتي في نقابة المحامين الأردنيين، وعملت بعدها مديراً لدائرة المطبوعات والنشر لأكثر من عامين، وخلال تلك الفترة تم عقد معرض الكتاب العربي في دمشق بمشاركة ناشرين أردنيين، وكنت حريصاً على دعم هؤلاء الناشرين، إلا أن سفري إلى دمشق واجه بعض الصعوبات بسبب ممانعة أمنية من قبل السلطات السورية باعتباري ضابط مخابرات سابق، إلا أنه تم تجاوز ذلك وتعاملوا معي بكل أخوية وتمكنت من السفر وحضور المعرض في دمشق.

بعد دائرة المطبوعات والنشر، تشرفت بإدارة دائرة الأحوال المدنية والجوازات لمدة عشر سنوات من عام 2007 ولغاية 2017، وهي أطول فترة يتسلمها مدير لتلك الدائرة التي ساهمت في حفظ التاريخ الحديث لهذا البلد منذ نشوء الدولة الأردنية، والتي نعوِّلُ عليها الكثير.


* نشأتَ في منطقة شعبية بجبل الحسين، كيف ساهمت تلك النشأة في صقل شخصيتك؟

ولدت في مدينة السلط، لكن والدي انتقل للعيش في العاصمة وتحديداً في المنطقة الشرقية من جبل الحسين بسبب عمله في عمان، وبنى بيت العائلة ، إلا أن جاء أخوتنا اللاجئون من فلسطين بعد نكبة 1948، ليسكنوا في المخيم الذي لا يبعد عن بيتنا سوى أمتار قليلة، لذلك نشأت في تلك البئية المختلطة التي أثرتني وعائلتي بسبب التفاعل والعلاقات الطيبة مع الناس، فكانت الأجواء في تلك المنطقة تسودها المحبة والاحترام، لذلك فأنا أفتخر أني نشأت هناك لغاية التحاقي في الجامعة، ومازال لدي الكثير من الاصدقاء في جبل الحسين والمخيم وتربطني بهم علاقات قوية مثل حمادة فراعنة والدكتور فايق أبو حليمة، وكنا في صغرنا لايعرف كل منا هوية الآخر فنحن نعتبر أنفسنا شعباً واحدا كما نحن اليوم، ومن الطريف أنني كنت في عمر 10 سنوات عندما ذهبت لأمي أسألها لماذا يأخذ جيراننا مؤن ونحن لا نأخذ، وكانت ترد علي بأنهم أخوة وأهل لكنهم لجأوا من فلسطين لذلك تصلهم مؤن ومساعدات أما نحن فوضعنا مختلف.

*ذهبتَ إلى دمشق طالباً وبعد 25 عاماً عدت إليها كملحق سياسي وضابط مخابرات في السفارة الأردنية، كيف تغيرت النظرة إلى سوريا في عيون مروان باشا الطالب ورجل الأمن السياسي؟

سافرت إلى دمشق والتحقت بالجامعة عام 1969، ولم أرى في أخوتنا السوريين أي اختلاف سوى أنهم أهلنا وامتداد لنا كشعب في أرض وجغرافيا واحدة، وعندما سجلت في الجامعة لم يكن هناك فروقات بيننا وبين الطلاب السوريين، ولم تتجاوز الرسوم خمسة دنانير، رغم ذلك لم انخرط بأي أحزاب سياسية، وعشت تلك الفترة الدراسية وكانت بكل ما تحمله من بساطه وأصالة دمشقية من أجمل الأيام، شعرت فيها أنا والطلاب الأردنيين والعرب بكل مودة وحب واحترام من اخوتنا الشعب السوري.

أثناء عملك في جهاز المخابرات العامة، عايشتَ أحداثاً كانت تعتبر صعبة وتاريخية في عمر الدولة الأردنية، فأنت شهدت انتقالاً من مرحلة الأحكام العرفية إلى الانفتاح الديمقراطي، حدثنا عن ذلك..


أود أن أذكر بعض الحقائق لهذا الجيل والنشىء الجديد، والذي أعتبر نفسي شاهداً عايشته من تاريخ دولتنا الأردنية، فقبل مرحلة الديمقراطية أو مرحلة الأحكام العرفية كنت في موقع قرار كمدعي عام وكان هناك قانوناً اسمه مكافحة الشيوعية، وكان هذا القانون يتيح تحويل المئات سنوياً ليأخذوا أحكاماً دون أي جهد، لأنه كان قانوناً مطاطاً، فأي شخص كان مشترك بالحزب الشيوعي كان من الممكن أن يحكم عليه خلال هذا القانون من 5 إلى 10 سنوات، إلا أنني لم أذكر أنه تم توقيف عدد كبير بموجب هذا القانون الذي استمر 15 سنة من عام 1975 إلى عام 1989م ، وكان مجموع من تم توقيفهم ومحاكمتهم بسبب هذا القانون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ، وهذا يدل على الانفتاح وروح التسامح الذي تعاملت فيه الدولة مع أبناء شعبها، وإخوتنا من السياسين وأصحاب الفكر اليساري الذي عايشوا تلك المرحلة عندما نتشارك معهم الحديث ونحن من الجهات الأمنية، يكون لدينا توافق ونتشارك الرأي في أن الدولة الأردنية كانت في قمة النضوج، وسبقت عشرات الدول في المنطقة والإقليم بمسألة التعايش مع الأحزاب، لأن التعامل معهم كان على أساس أنهم أبناء وطن، وهذا يجعلنا نشعر بالفخر بتلك المرحلة التي شهدت تحولاً ديمقراطياً عام 1989م وألغى الأحكام العرفية، واستأنف الحياة السياسية.

* اذكر لنا موقف غريب تعرضت له أثناء عملك

من المواقف التي مازلت أذكرها، والتي تبين مدى الاهتمام بقيمة التعامل الانساني لدى دائرة المخابرات العامة، هي أنني أثناء خدمتي في بداية الثمانينيات، كنت قد انتقلت للسكن في منطقة شعبية على مدخل مدينة الزرقاء، واخبرت حينها زوجتي أنني لا أريد أن يعرف السكان المجاورين طبيعة عملي وأين أعمل، لكنني تفاجأت أن من يسكن بجانبي هو مسؤول الحزب الشيوعي في الزرقاء، وهو كان متابعاً من قبل المخابرات العامة، وكانت بالنسبة لي صدمة كبيرة، فقد كان أعضاء الحزب الشيوعي السري يجتمعون في منزل جاري يومياً، وكانت سياراتهم تصطف أمام منزلي لكن لم يكونوا يعرفون من أنا وأين أعمل، واستمر هذا الوضع لمدة 3 أشهر، حتى جاءت والدتي لزيارتي، وخرجت لتمشي خارج المنزل وهناك التقت بزوجة ذلك العضو في الحزب الشيوعي، فتعرفت عليها، وكانت والدتي تريد أن توصي الجيران للأهتمام بعائلتي، فقالت لها بأن ابني يتأخر بالعودة إلى منزله بحكم عمله في المخابرات، وطلبت منهم الاهتمام بزوجتي كونها تبقى بمفردها، فانكشف الموضوع، لكن العلاقة بيني وبين هذه العائلة بقيت انسانية وأخوية، وأذكر بعدها بأربعة أشهر تقريباً أُبلِغْتُ باعتقال كل قيادات الحزب الشيوعي وكان من بينهم جاري، فرجوت المسؤول عني أن يتم استثناؤه من الاعتقال لأنه جاري وقريب من مكان سكني، وأن والدتي شربت القهوة لديهم وتعرفت إليهم، وبالفعل تم استثناؤه، وهو مايدل على احترام العلاقات بين الناس وعلى سلمية التعامل والبعد عن التعسف والدموية في هذا الوطن، حتى أن مسدسي لم أذكر أنني حملته طيلة 30 عاماً في جهاز المخابرات سوى أربعة أيام فقط.

*حدثنا عن مرحلة إدارتك لدائرة الأحوال المدنية والجوازات، وأين نحن من البطاقة الذكية التي كان وقتها اهتمام كبير لإصدارها؟

تسلمت إدارة الأحوال المدنية والجوازات منتصف العام 2007م، وإخواني وزملائي في هذه الدائرة لم يبخلوا علي بكل ما يتعلق بمضامين العمل وأدواته، وبعد فترة تمكنا من التقدم نحو الإنجاز وبهمة الزملاء وخبرتهم وتعاونهم استطعنا بحمد الله، تحقيق تقدم حقيقي في عدة نواحي، فمثلاً جوازات السفر، تم اخراج جوازات سفر حديثة غير قابلة للتدوير، وتم تطوير دفاتر العائلة والبطاقات الشخصية، وكل المخرجات المدنية، والأهم من ذلك، التوسع في عدد مكاتب الأحوال والجوازات، وايجاد أدوات تسهل على المواطنين وتقلل زمن الخدمة، وكنا من باب تحقيق رضا المواطن والتسهيل عليه، نهتم باجراءات عديدة منها العمل في الأعياد والعطل الرسمية وأيام الجمع، وتقصير الفترة لمن يود تجديد جواز سفره في الخارج، خصوصاً فئة الطلاب، وافتخر أن دائرة الأحوال المدنية والجوازت حصلت عام 2016م على وسام التميز لأول مرة بتاريخها وفي عام 2018م أنعم عليَّ جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى تقديراً لخدمتي في دائرة الأحوال المدنية والجوازات.

أما بالنسبة للبطاقة الذكية، ففي عام 2017 انتهت فترة خدمتي لدى دائرة الأحوال المدنية والجوازات، وكان من المقرر أن يكون فيها برامج وأفكار للاستفادة من الشريحة الالكترونية الموجودة في البطاقة الذكية ،والتي من الممكن تطويرها واستخدامها بالشكل الامثل، فهي بطاقة آمنه ويصعب تزويرها ويمكن قراءتها الكترونياً، وأعتقد أن الزملاء في دائرة الاحوال المدنية والجوازات قد تكون لديهم اجابات وافية أكثر مني في هذا المجال، وقد يكون الأمر مرتبط باتفاقيات وبرامج بحاجة لتفصيل من خلالهم كونهم قطعوا شوطاً كبيراً في هذا المجال.

* سمعنا عن دور كبير تقوم به دائرة الأحوال المدنية والجوزات في المحافظة على صمود أبناء القدس وأبناء قطاع غزة، أين يكمن هذا الدور؟

هناك اهتمام من دائرة الأحوال المدنية المدنية والجوازات بموضوع أبناء القدس، وحسب ما سمعت مؤخراً أن المعاملات أصبح فيها تسهيل على المقدسيين لضمان بقائهم على ارضهم وصمودهم، فهناك آلية لتجديد جوازات سفرهم من خلال تجميعها هناك، وتحديد جهة كالغرف التجارية لاعتماد الأختام، كما أن هناك توجيهات ملكية سامية بمعاملة ابناء القدس كمعاملة المواطنين الأردنيين فيما يتعلق بالرسوم للتسهيل عليهم، لدعم صمودهم وتمسكهم بارضهم.

الدولة الأردنية حريصة على استمرار تقديم الخدمة لأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، لذلك صدرت ارادة ملكية بتمديد صلاحية جوازات سفرهم من سنتين إلى خمس سنوات، وهذا الأمر يعكس مدى الاهتمام الرسمي في خدمة إخواننا الفلسطينيين الذين هم بمثابة الشريان والرئة التي نتنفس بها، وهم شركاؤنا في السراء والضراء.

ورغم المآسي التي يمر به إخوتنا في فلسطين إلا أنهم أفرحونا بصمودهم وجعلونا نحتفل بعيدين، وأنا شخصياً فرحت لما حققوه في القدس وغزة، رغم الحصار والمأساة، ونأمل من الله الفتح القريب، مؤكداً على وقوفي خلف جلالة الملك عبدالله الثاني الذي كان ومازال موقفه بخصوص القضية الفلسطينية مشرفاً ومتميزاً عن باقي الحكام العرب.

*أنت الآن عضو في مجلس الأعيان، ماهو انطباعك عن العمل البرلماني، وعن دور مجلس الأعيان في الحالة التشريعية؟

أحزن أحياناً بسبب الفكرة التي تكونت لدى شريحة كبيرة من الناس عن مجلس الأعيان، وأن يعتبروه مكاناً آمنا للجلوس والراحة، لكن ما أشاهده من اجراءات ونقاشات في مجلس الأعيان ينفي تلك الفكرة السلبية، فمجلس الأعيان هو الفريق الثاني في مجلس الأمة بعد النواب، وهو الذي يقوم بمراجعة القوانين بعد النواب ويدرسها بشكل جيد في سبيل اكتمال الفكرة بينه وبين مجلس النواب، ورأي الأعيان ليس معارضاً لرأي النواب، لكن كل منا يكمل الآخر في الجوانب الدستورية المنوطة بكل منها.
كما أن اللجان في مجلس الأعيان لجان فاعلة، وتعمل بشكل موضوعي مع الدخول في موضوع الخبرة، مما يكمل عمل النواب، والخبرات الموجودة حالياً في مجلس الأعيان ستساهم في انجاز حالة تشريعية تخدم المواطنين بشكل جيد، ونحن كأعيان فخورين بحيازة ثقة جلالة الملك وتعيينا في مكان المسؤولية الكبيرة، لأن الأعيان يسمى أيضاً مجلس الملك.

* كلمة أخيرة، ماذا يأمل معالي العين مروان قطيشات؟

انتقلنا نحو المئوية الثانية تزامنا مع ذكرى الاستقلال هذا العام، رغم كل الظروف التي تمربنا وتحيط بالمنطقة مثل جائحة كورونا وصعوبة الوضع الاقتصادي، إلا أننا نأمل ونتطلع بأمل إلى المستقبل، ولدينا ثقة بقيادتنا الهاشمية للوصول إلى بر الأمان إن شاء الله.

صحيفة الشاهد

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير