جفرا نيوز - حسين دعسة
لا يمكن تصور ما الذي حدث لعقلية الإدارة الاميركية، تحديدا بعد قيام الرئيس جو بايدن بالموافقة على مشروعات وقرارات لوزارة الخارجية، برغبة ممهورة من الكونغرس، للقيام برحلات واتصالات مكوكية في دول المنطقة، وهو يدرك ان النار تحت الرماد، وأن حمام الدم، في فلسطين المحتلة، ليس ببعيد، برغم اتفاق وقف التصعيد بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني القذر.!
ثم، ماذا يفيد واشنطن، ومعها دول المجموعة الاوروبية، وَدول مجلس الأمن الدولي، وغيرها، من استمرار ضغوطها السياسية والعسكرية على دول المنطقة، بل وجعل فلسطين والسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في بؤرة الموت تحت آلة العسكرتاريا الإسرائيلية المتطرفة.
بايدن، بهدوء العارف، يغور بالعالم المحضر، يزيد من عوامل الإذلال والتحدي الاميركي للأمة العربية والاسلامية، اختبار دموي، ليس المقصود منه ما حدث، ويحدث يوميا في «مدينة القدس» أو محاولة إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية على الطريقة الأميركية، إبان رئاسة دونالد ترمب وعصابته، بل هو تحد يعيد اجواء الصراع الايديولوجي بين الشرق والغرب، عبر المواجهة العقائدية، لأن للقدس، عند اتباع العقائد الدينية الاسلامية والمسيحية واليهودية، اكثر من مكانة مقدسة، او دلالة دينية. فهي ترتبط عند المسلمين، بكونها نقطة الالتقاء بين الارض والسماء، لها ومنها تتآلف القلوب وتتابع مواكب، مدارج الشهداء دفاعا عن الارض والمقدسات والناس.
والقدس - ايضا - تقف إلى جوار العقيدة المسيحية، التي تؤمن بالحق والعدل بعيدا عن أي صراع للقوى المتناحرة، فالمسيحية العربية، الشرقية، مازالت تنافح بصلابة عن «القدس» كمدينة مقدسة، عاصمة عربية للدولة الفلسطينية، وكل ما هو مقدس وإنساني وشرعي -قانوني.
الجدل الأممي، الدولي، بعد تعمد الرئيس بايدن اختلاق فرص لليهودي العنصري القاتل نتنياهو، وتبرير ان الصراع في فلسطين، مجرد ملاحقة لعناصر حماس، وهي مقاومة اساسية في بلد محتل، وفي كيان غزة التي تنفجر كل يوم من صمت العالم على الاحتلال الصهيوني، وويلات دول تحارب القضية بالوكالة عن الأعداء.
تأخر الرئيس بايدن، متعمدا، حاول أن يعيد إلى الاذهان محاولات غيره من الرؤساء، للبحث في كون القدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، وذلك استمرارا للدعم الاميركي المحموم للدولة العدوانية الارهابية الاولى في المنطقة، وبالتالي، فإن نتائج هذا الجدل، على الاقل بالنسبة إلى أوروبا وإلى مجموعة الدول الاوروبية الداعمة للعملية السلمية، ستكون وخيمة على المسارات والمفاوضات والمساعي والمبادرات كافة.
القدس، والمسجد الأقصى، والحقوق الفلسطينية بعد 11يوما من العمليات العسكرية الإسرائيلية العشوائية، والرد الشعبي الفلسطيني المقاوم من كل قوى المقاومة، جعل التصعيد المحموم، أمام الجدل الدولي، والعربي، والإسلامي، الذي حرك الشعوب واحرج الدول، ما جعل الصراع القانوني الإنساني، بتسع، فلن يبقى(على الاقل) مجرد اتفاق لوقف التصعيد(٠٠٠٠)، اذ ان نتائج استبسال ومقاومة الشعب الفلسطيني، جعلت القضية تفتح ملفات اكثر من 73عاما،َهي تراوح في محافل ومنظماته ومؤتمرات اوروبا، أو اميركا وروسيا وغير بلاد في المنطقة.
. في المقبل، على مستوى الشارع العربي والاسلامي والآسيوي تحديدا، سيكون، من نوع الجدل الصاخب، العنيف. فالذي يتبدى ان الادارة الاميركية والرئيس بايدن، بات محتاجا إلى عمليات منظمة، تلتقط الاضواء عن مشاريع رئيس جديد في البيت الأبيض، يقف على صفيح ساخن، من قضايا المنطقة، والواضح انه يفكر خارج كل الصناديق المتاحة، باتجاه شحن قوة وجنود الولايات المتحدة، من اجل الحرب على جبهات كثيرة، ونفخ الرماد عن جمر دول تغلي :سوريا والعراق،ليبيا، إيران وبلدان أخرى، تحتاج إلى إدارة أميركية تخمد محاولات إشعال فتيل النار التي ستمتد إلى الجميع من دون استثناء، وصولا إلى دمار شامل لكل ثوابت الواقع الراهن دوليا قبل عربيا واسلاميا.
أمام الإدارة الأميركية تحديات :لماذا «القدس» ولماذا التحدي بلعب مثل هذه الورقة في مثل هذا الوقت، فالامر، تحركه حال «ادارية–قانونية» رسمتها اجهزة الاستخبارات والتحقيقات الاميركية، لتضع دول وقادة المنظمة امام استحقاقات جديدة، تشغلهم، والعالم عما يحيق بسوريا و بالعراق، وصولا إلى ليبيا والوضع المتأزم بين إثيوبيا ومصر على سد النهضة ومحاولات تدويل قضيتة المعادلة بالنسبة لمصر وحقها في مياة النيل الحيوية.
بعد صراع دام، تنتصر قوة وارادة أمة في القدس وغزة وحي الشيخ جراح، ولكن، نذر «الحريق» تصل إلى الكثير من الملفات التي تريد الولايات المتحدة الاميركية اغلاقها على طريقة رعاة البقر (الكابوي)، بيد حلفاء في إسرائيل وغير دولة ومنها:
اولا: تصعيد «الحرب على الارهاب» بحيث تطال، هذه الحملة كل القوى والتنظيمات السياسية والدينية والاجتماعية العربية–الاسلامية.
وثانيا: محاولة اعادة الاضواء إلى اتحاد دول الشرق الاوسط، ليكون البديل المشروع، لجامعة الدول العربية، ما يؤدي إلى دخول إسرائيل في مثل هذا الاتحاد، وانهاء ميثاق الجامعة العربية، وكل قواه القومية والتنظيمية والتشريعية التي تقف امام المشروع الصهيوني.
وثالثا: اعادة النظر في الجغرافيا السياسية لدول المنطقة وخصوصا الخليج العربي والجزيرة والعراق، وسوريا ولبنان وليبيا وربما معظم دول شمال افريقيا.
والخطط في هذا الامر، معدة، بل وتحتمل عشرات البدائل السياسية والاجتماعية و... حتى الدينية.
ويأتي الحديث عن النظام العالمي واشكالية القطب الواحد، القوي عسكريا واقتصاديا، في المقام الرابع من اهداف هجمة الادارة الاميركية على دول المنطقة، ومحاولة ترسيخ البدائل الكثيرة لانماط الحياة والاقتصاد والمجتمع المدني، اضافة إلى نشر العولمة والخصخصة ودفع آلياتها إلى المقام الاول في الرعاية والدعم والاعلام والثقافة.
اما غير ذلك. فإن قضية القدس، ستكون بالنسبة إلى المجموعة العربية، وبالتالي إلى الدول الاسلامية، وحتى إلى الاتحاد الاوروبي وغيرها من التكتلات الدولية، مجرد «بالون اختبار» لما سيكون عليه اثر ملفها، على المستوى العربي والعالمي. وهل سيقبل العالم، التفسيرات والدفوع الاميركية عن القرار، الذي تلاعب به قانونيا الرئيس الأسبق ترمب، وبالتالي: تناسي ما يمكن ان تستفيد منه، أو تستثمره اسرائيل، عالميا، من مثل هذا القرار، لانهاء الصراع الفلسطيني على طريقتها، كدولة عبرية، تساهم مع الولايات المتحدة في اجتثات جذور الارهاب، والتي ارادت اميركا، مثل هذه الخطوة، لأن فيها، غطاء اضافيا لعملياتها المقبلة.
طالما نادت المملكة الأردنية الهاشمية بالحقوق المشروعة والدولية والقانونية لواقع ومصير القدس، وكل فلسطين، ودوما جاهد جلالة الملك الهاشمي الوصي على ميراث وتراث واوقاف المدينة المقدسة وبيت المقدس، دفاعا عن الحق الإنساني الحضاري،، وكان جلالة الملك عبدالله الثاني حريصا على اقناع العالم بالحدود القانونية الدولية التي تمنع صلافة الجيش والحكومة الإسرائيلية، كدولة احتلال، لكن، كل الجهود بما فيها من وثائق، كانت تقنع العالم ومنظماته وتصطدم بالتحالفات السرية الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة.
بوابة الحريق تتسع، اذا تأخر ادراك العالم لما حدث في 11يوما من الموت، لكل مقدرات هذه الامة، بل انها–الامة–ستعود إلى دبلوماسية الصفر، لاقناع العالم بالحقوق الوطنية والقومية واستحقاقات العلاقات الدولية.
تناست الادارة الاميركية - قصدا و/ أو عمدا - ثوابت قانونها ومنطقها العالمي الداعم للديمقراطية وحق تقرير المصير، لتخوض حربا خفية مع الشعب الفلسطيني عبر بوابة القدس، في الوقت الذي أصبحت فيه السلطة الوطنية الفلسطينية على حافة النهاية نتيجة سنوات من الدمار لمقدراتها بيد الجيش الاسرائيلي وارهاب الدولة والكيان الاستعماري، الذي تدعمه الادارة الاميركية وتسير وفق خططه لتوجيه عملياتها في دول المنطقة... وورقة القدس، لن تسقط بسهولة، ربما حمام الدم آت.