جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. ليث كمال نصراوين
يعتبر الأمن القانوني من أهم النظريات الحديثة التي تسعى إلى ترسيخ مفهوم المساواة والعدالة الاجتماعية وذلك بالاستناد إلى فكرة الدولة القانونية. فمن السمات الرئيسية لهذا المبدأ تكريس سيادة القانون، وضمان الحقوق والحريات، واستقرار المراكز القانونية للأفراد. لذا، فإن الأمن القانوني يستلزم توافر بنية تشريعية واضحة تتسم بالثبات والاستقرار، وقضاء عادل مستقل يطبق هذه القواعد القانونية ويضعها موضوع التنفيذ الصحيح.
إن مفهوم الأمن القانوني يعتبر ركيزة أساسية للحفاظ على الصالح العام. فهو يهدف إلى خلق حالة من الثبات النسبي وحد أدنى من الاستقرار في المراكز القانونية، الذي بدوره ينعكس إيجابا على إشاعة الأمن والطمأنينة بين أطراف العلاقة القانونية. فبغض النظر عن ماهية أطراف هذه العلاقة، لا بد وأن يثبت لأولئك الأشخاص وضوح الرؤية التشريعية فيما يتعلق بالنصوص الناظمة للعلاقات القانونية فيما بينهم، وذلك لكي يتمكنوا من ترتيب أوضاعهم وفقا لها، دون أن يتعرضوا لأي مفاجآت لم تكن بالحسبان من شأنها أن تهدم ركن الاستقرار، وزعزعة روح ال?قة والاطمئنان بالدولة وقوانينها.
وتتعاظم أهمية الأمن القانوني في العلاقات التي تكون الدولة بهيئاتها ومؤسساتها طرفا فيها، وذلك نظرا لما تقوم به هذه الوحدات الإدارية من مهام حيوية تتمثل بتقديم الخدمات الأساسية وإدارة المرافق العامة.
في الأردن، يتعرض الأمن القانوني إلى العديد من الهزات التي تلقي بظلالها سلبا على علاقة الفرد بدولته ابتداء، وعلى علاقته بغيره من الأشخاص. فالتشريعات الوطنية في حالة غير مسبوقة من التعديلات والتغييرات المستمرة على نصوصها وأحكامها دون وجود أسباب موجبة واضحة ومبررة لذلك.
وقد طالت هذه التعديلات المتتالية التشريعات الناظمة لعمل السلطات الدستورية كافة، بشكل أرهقت كاهل الحقوقيين والمتابعين للشأن القانوني. فقانون الانتخاب الخاص بتشكيل المجلس المنتخب في السلطة التشريعية يتم تعديله بعد كل انتخابات نيابية تقريبا. كما أن القوانين الناظمة لأصول التقاضي وإجراءاته أمام المحاكم في السلطة القضائية قد جرى إعادة النظر فيها بشكل جوهري قبل سنوات قليلة.
وفيما يخص السلطة التنفيذية، فإن نظام الخدمة المدنية يخضع لتغييرات مستمرة تمس في الكثير من الأحيان جوهر الوظيفة العامة وأركانها. وها هي اليوم التشريعات الناظمة لعمل الإدارات اللامركزية يجري إعادة النظر فيها بشكل كلي، ابتداء من إلغاء المجالس المحلية، ومراجعة آلية تشكيل مجالس المحافظات وانتهاء بوضع تشريع خاص لأمانة عمان الكبرى.
وعلى الصعيد المالي، فإن التشريعات الضريبية تتغير صعودا في نسب الضرائب والرسوم المفروضة بشكل يؤثر سلبا على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والمؤسسات، ناهيك عن تأثيرها السلبي على فرص الاستثمار في المملكة. وعلى الصعيد الجزائي، فإن الأفعال الجرمية والملاحقة القضائية عنها يتم التوسع فيها لصالح إيجاد قوانين جزائية خاصة تقيد التشريع العام، مع تغيير مستمر في الجهات القضائية التي يثبت لها الحق في تحريك دعوى الحق العام كجرائم الانتخاب واغتيال الشخصية.
إن تحقيق الأمن القانوني يتطلب بالضرورة التروي في عملية تغيير وتعديل التشريعات، بحيث يتحقق الإستقرار التشريعي الذي افتقده الأردن في السنوات الماضية.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com