جفرا نيوز -
جفرا نيز - مبارك عبد الله مهدي
يوم القدس العالمي أو اليوم العالمي للقدس مناسبة عالمية تقام في آخر ( جمعة من شهر رمضان ) يتم فيها سنوياً إقامة المظاهرات المناهضة لإسرائيل والصهيونية والمعارضة لاحتلال القدس في بعض الدول والمجتمعات العربية والإسلامية في مختلف أنحاء العالم وقد انتشرت هذه المناسبة في الأعوام الأخيرة بين المسلمين وحتى في البلدان غير الإسلامية ومنها أمريكا الراعية للصهيونية ولا تقتصر المشاركة في يوم القدس على العرب أو المسلمين بل إن بعضا من غير المسلمين ومنهم مثلا ( اليهود الأرثوذكس ) المعادون للصهيونية لا زالوا يشاركون بحماسة شديدة فيه وقد أصبح هذا اليوم أكبر حدث سياسي يجمع ابناء الأمة العربية والإسلامية وغيرهما في يوم واحد ( للتنديد بوحشية الاحتلال إسرائيلي في فلسكين )
الاحتفال بيوم القدس يأتي في هذا العام 3021 في ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا والتي ستحول دون احياء التظاهرات والمهرجانات وبرامج النشاطات الجماهيرية الحاشدة الا انه هناك خطوات بديلة يمكن ان تكون ذات اثر بليغ في ايصال نداء هذه الذكرى العظيمة وهذا اليوم المجيد الى كل أرجاء الارض بالاستفادة من ( طاقات الاجواء الافتراضية والاعلامية ) لأحياء هذه المناسبة ومن خلال ( اصدار ونشر الكليبات والفيديوهات والا ينفو غراف ) لكشف وفضح إجراءات القمع والتنكيل التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد أهالي المدينة المقدسة ومنعهم من الانخراط في أي نشاطات سياسية أو ثقافية في المدينة في محاولة منها لطمس معالمها التاريخية الفلسطينية بتزوير الوقائع والحقائق ( متناسي المحتل ) انه كلما غفلت الأمة ارتطم رأسها بأسوار القدس العتيقة وكلما تاهت الذاكرة قدحتها صورة المسجد الأقصى المبارك وقبته الذهبية وكلما تمادى الاحتلال بعيدا في غيه وغطرسته و سياسته القمعية وجد الفرسان والأبطال قد شدوا السروج وكبروا في وجهه شامخين ومتحديين في صمودهم المشرف وتضحياتهم العظيمة ومقاومتهم الباسلة
منذ إعلان تأسيس الحركة الصهيونية العنصرية الفاشية في القرن التاسع عشر الميلادي وعيون إرهابيها وعتاتها وما يسموهم بـ ( حكماء صهيون ) تتطلعون الى القدس بعين الاستعمار والاستيطان والاستيلاء والاستحواذ ونزعها من أصحابها الشرعيين لما تشكله من مكانة دينية وروحية للأمة العربية بمسلميها ومسيحيها حيث كانت قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول صل الله عليه وسلم وقيامة المسيح ومهبط الرسل جميعاً لآن السيطرة عليها تعني تسهيل تنفيذ الكثير من الخطط والبرامج الاستعمارية الهادفة أساساً الى شل الأمة العربية والحؤول دون نهضتها وتدمير مقدراتها وثرواتها وخيراتها
ومن اجل ذلك باشرت اسرائيل بناء المستوطنات غير القانونية داخل حدود المدينة الموسعة وبمحاذاتها بشكل غير قانوني حيث وصل عدد المستوطنين إلى ما يزيد عن 220,000 في القدس الشرقية المحتلة وحدها ناهيك عن عمليات الهدم في المدينة المقدسة والتي قدرت منذ عام 1967 بأكثر من 3,700 منزلا فلسطينيا اضافة الى ازالة بعض أهم المواقع التاريخية والدينية كحارة المغاربة وحي الشرف في البلدة القديمة والان حي الشيخ جراح وما نرى من وجه ناصع ومشرق للمقاومة ومن صمود بطولي في خندق المواجهة المتقدم للشباب المقدسي الثائر مجدداً في مواجهة سياسات التهويد والاستيطان وهدم المنازل وترحيل السكان المقدسيين
لقد جاءت ( هبة القدس ) الأخيرة لتعيد وهج وهيبة المدينة وأهلها من جديد بعد أن طفح كيل المقدسيين من إجراءات قوات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية والاستفزازية وبغض النظر عن مصير الانتخابات الفلسطينية فالهبة تؤكد على أن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف تبدأ من القدس وتحديدا من ( أزقتها وحاراتها ومن باحات الأقصى ) وسائر مساجد المدينة وكنائسها بهمة الشعب الفلسطيني وإرادته الحرة المقاومة للتأكيدَ على عروبة و إسلاميةِ القدس والمسجدِ الأقصى وألاّ يكونَ لليهود فيهما موطئ قدمٍ أو ذرة تراب
الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وأجهزتها الأمنية تعاملت مع المقدسيين على قاعدة ان المقدسي الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها ولم تكتف بحرمانهم من حقوقهم الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل عمدت الى ممارسة سياسة طرد وتهجير وتطهير عرقي بحقهم وممارسات عنصرية فاضحة بعدما باتت تتغول وتتوحش عليهم في كل صغيرة وكبيرة وتعطي الضوء الأخضر لعصاباتها من المستوطنين والجماعات التلمودية والتوراتية لكي تمارس القمع والتنكيل والإرهاب والتخويف والاعتداء على ممتلكات المقدسيين ومركباتهم والمس بمشاعرهم الدينية الاسلامية والمسيحية
من خلال قيامهم بممارسات شاذة وفاضحة وطقوس تلمودية وتوراتية في الأقصى ومحاولة حرق أكثر من كنيسة ودير فضلا عن المسيرات الاستفزازية والشعارات العنصرية مثل ( الموت للعرب) و( جبل الهيكل لنا ) و( إطردوا العرب ) و ( سنفجر رؤوسهم وندفنهم أحياء) و ( استعادة الشرف القومي اليهودي ) هذه الممارسات القمعية والتنكيلية كانت دائما باشراف ورعاية مباشرة من قمة الهرمين السياسي والأمني الصهيوني والتي تسير وفق استراتيجيات مترابطة ومتلازمة تعمل من أجل تهويد المدينة وتفتيت أحيائها واضعاف اللحمتين الوطنية والمجتمعية بين سكانها تحت شعار ( لا سيادة غير السيادة الإسرائيلية في القدس )
وبالمحصلة النهائية تحويل الاقلية العربية الى ما يشبه الجزر المتناثرة في محيط صهيوني واسع من خلال العمل على تكثيف المستوطنات والبؤر الاستيطانية في قلب القرى والبلدات المقدسية والعمل على ( عبرنة ) شوارع المدينة وازقتها ومداخل بوابة البلدة القديمة الرئيسية مثل مدخل باب العامود الشهير الذي أطلقت بلدية الاحتلال على ساحته اسم مستوطنتين قتلتا في عمليتي مقاومة نفذها مقاومين فلسطينيين لكي يصبح اسمها ساحة ( هداس ملكا ) و( هدار فهداس )
اضف الى ذلك سياسة التهويد والاستيطان والأحزمة الاستيطانية والاستيلاء على منازل المقدسيين وعقاراتهم وأرضهم وطرد وتهجير أحياء مقدسية كاملة كما حصل في أحياء ( بطن الهوى ) و( البستان ) و( وادي الربابة ) و ( ياصول ) في سلوان و( كرم المفتي) و( كبانية ام هارون ) في الشيخ جراح وغيرهما حيث الهدم اليومي والإخطارات بالهدم للمنازل الفلسطينية مستمرة ومتواصلة إما بواسطة جرافات وبلدوزرات الاحتلال او بإجبار المقدسي ( على هدم بيته بيديه تحت طائلة التهديد ) وتحميله تكاليف الآلات ومعدات الهدم والقوات التي تحضر لهدم بيته
كما سعت دولة الاحتلال منذ البداية الى تغيير الأوضاع القانونية والتاريخية والدينية في المسجد الاقصى عبر التهديد وتكثيف الاعتداءات والاقتحامات لإيجاد موطئ قدم لليهود من خلال التقسيم المكاني للمسجد الأقصى ومحاولة نزع الوصاية الهاشمية عنه واضعاف دور الأوقاف الإسلامية الاردنية الإداري في الإشراف عليه مما أوجب إطلاق العنان لانتفاضة شعبية عارمة في وجه الاحتلال مختلفة عن كل ما قد سبق
الاحتلال الصهيوني بعدما بات يعتقد بأن كل التطورات الداخلية الفلسطينية من ضعف وانقسام وانهيار للنظام الرسمي العربي بهرولة البعض نحو التطبيع والخنوع بالإضافة الى المشاركة الأمريكية المباشرة الى جانبه في العدوان على الفلسطينيين بأنها عوامل توفر له الفرصة لكي يسرح ويمرح في القدس دون حسيب أو رقيب يقمع وينكل ويعتقل ويبعد ويهود ويأسر ويطرد ويهجر ويمارس كل أشكال البلطجة والزعرنة القانونية وغير القانونية من أجل فرض وقائع التهويد والأسرلة بمفهومها الشامل
بل وفوق كل ذلك اصبح يمنع الجلوس والتجمهر للمقدسيين في ساحات البلدة القديمة حيث عمد مؤخرا الى اغلاق ( ساحة باب العامود ) التي يستغلها المقدسيون بعد الإفطار وصلاتي العشاء والتراويح لممارسة العديد من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية والترويح قليلاً عن انفسهم مما راكم الغضب الداخلي عند المقدسيين حيث شعروا بالإهانة والمس بكرامتهم ووطنيتهم ومشاعرهم الدينية وحتى الإنسانية وفي نفس السياق قال المحتل كلمته في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بأنه لن يسمح بإجرائها في القدس حتى بشروطها المذلة التي جرت عليها في عامي 1996 و2006
مما دفع المقدسيين على نحو واسع فتيان وشبان ورجال ونساء وشيوخ متسلحين بالإرادة والقناعة بان قدستهم لن تتلقح بغير الجينات العربية حيث تصدوا لغزوة المستوطنين المنفلتة من عقالها والمدعومة من قبل جيش وشرطة الاحتلال والتي تريد ان تقتلع وجودهم من هذه المدينة وتعمل على تغيير طابعها العربي الإسلامي ومشهدها الكلي من عربي إسلامي الى يهودي
القدس ستبقى الهدف الذي تتوجه اليه كل العيون والعقول والقلوب والسواعد والاقدام وقد كانت دوماً صانعة الحدث والهبات والانتفاضات الشعبية وقد أتت هبة ساحة باب العامود اليوم على نحو أشد وأكثر جرأة من هبة البوابات الإلكترونية في تموز 2017 وهبة باب الرحمة شباط 2019 هبة بعدما أرسلت أكثر من رسالة للمحتل تقول فيها بأن المقدسيين لا يخضعون بالقوة والبطش ولن يرحلوا او يسمحوا بطردهم من مدينتهم مهما بلغت التضحيات وتطلبت المواجهات
وان ارادتهم عصية على الكسر وان وجودهم في القدس أصيل وليس طارئ كما هو حال غزاتها اما الرسالة الأخرى فكانت للسلطة الوطنية وللقيادات والفصائل الفلسطينية تفيد بان الإرادة الشعبية والتحرر من الوهم والخوف قادرة على تغيير الواقع وفرض الوقائع وأن سياسة الاستجداء والوقوف على اعتاب الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبيت الأبيض والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية التي تتخذ مواقف لا ترقى لمستوى التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني كلها لن تجدي نفعاً في وقف مخططات وجرائم الاحتلال وتقييد سطوته
ما يحدث في مدينة القدس وضواحيها وفي مناطق الضفة الغربية جرائم حقيقية وعدوان سافر يقوم به المستوطنون والجنود الإسرائيليون على السواء وأن يسقط في يومٍ واحدٍ أكثر من مائة جريحٍ ومصاب نتيجة الاعتداءات الهمجية التي يقوم بها قطعان المستوطنون وقوات الاحتلال هو أمر مستنكر وغير مبرر خاصةً وأن الكثير من الجرحى والمصابين نساء وأطفال وشيوخ ومقعدون من ذوي الاحتياجات الخاصة يضاف الى ذلك الجرائم التي يرتكبها المستوطنون واستباحتهم المتواصلة للمقدسات وخصوصاً المسجد الأقصى ومحاولة تفريغ ساحاته من المصلين لصالح المتطرفين المستوطنين وتشجع الاحتلال على تسريع إجراءات التهويد في القدس والمسجد الأقصى
وختاماً فان الشبان والفتيان المقدسيين يؤكدون في كل لحظة بوعيهم وحسن تنظيمهم انهم لن يسمحوا لأي كان أن يوظف هباتهم وانتفاضاتهم خدمة لأجندات ومصالح خاصة او فئوية وان القدس ليست بحاجة للى محاضرات وكتابات ورسائل او شعارات وبيانات شجب واستنكار وان أهلها وشبانها وفتيتها ( يعرفون طريقهم ) جيداً وهم يخوضون معركتهم البطولية في الدفاع عن هوية وعروبة المدينة المقدسة وصد الهجمة الصهيونية الشرسة وان أؤلائك المرتعشون والتائهون والمترددين هم وحدهم من ( ضلوا الطريق ) وانحرفت بوصلتهم
وان ابناء فلسطين ورجال المقاومة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استمرار هذه الجرائم وأنهم لن يدخروا وسيلة في سبيل الدفاع عن عروبة وهوية القدس وبما يوجب على جماهير الشعب الفلسطيني والامة العربية والاسلامية واحرار العالم في جميع أماكن تواجدهم التحرك العاجل إلى نصرتهم الصراع الوجودي والتاريخي والأيديولوجي والثقافي الذي يخوضونه ضد الكيان الصهيوني المحتل وادعاءاته المزيفة ومساندة ودعم نضالهم وكفاحهم المستميت نحو الحرية والكرامة والتمسك بالقدس عاصمة موحدة لدولة فلسطين
mahdimubarak@gmail.com