جفرا نيوز -
جفرا نيوز - الدكتور عامر بني عامر
جلالة الملك عبد الله الثاني أسدل الستار إلى حدٍ كبير على تحدٍ من أكبر التحديات التي واجهت الدولة في عهدها الحديث، و يجب ان لا يتم المرور عنه كما مررنا عن الكثير من الأزمات السابقة واعتبرناها (أزمة وعدّت) لنكتشف لاحقاً ارتدادات وآثار تلك الأزمة، ومن غير المنطق ألا نستفيد مما حصل وأن نعمل على تحويل الأثر السلبي المتوقع لأثر إيجابي تستفيد منه دولتنا ونظامنا وشعبنا.
بداية دعونا نتفق بأن حيثيات هذه الأزمة أظهرت العديد من المساحات الشاغرة والمظلمة في منظومة صنع القرار والأداء، أيضاً أضفت على السطح تحدياً جديداً حيث أصبح يكبر كـ كرة الثلج المتدحرجة التي لا يمكن لها أن تميز الحق من الباطل عند تدحرجها، ولكن هذا التحدي تنامى خلال العاميين الماضيين، وهو ما يسمى تحت السطور، وإذا ما أردنا أن نفهم هذا المصطلح علينا أن نبحث عن خبراً مرتبط بالحكومة أو الملك أو النظام أو النواب وبعد ذلك لنقرأ التعليقات التي وردت عليه ونعي جيداً ما يكتب من نقد، قد يصل في بعض الأحيان للشتائم، وما جعل هذه الظاهرة اكثر خطوره بشكل غير مسبوق، ان ما يتم كتابته لا يستثني أحداً في مواقع صناعة القرار بما في ذلك جلالة الملك، وهو ما لم تشهده ساحتنا الأردنية منذ الأزل، وكأننا اليوم نجد طرفين متخاصمين ولكن أحدهم يذهب للفجور في الخصومة.
الممارسات السابقة للحكومات المتعاقبة والمؤسسات الأمنية كانت عبارة عن حلولاً جزئية في معظمها أمني لا يقدم ولا يؤخر في معالجة هذه الظاهرة بل في الحقيقة يساهم في تزايدها أكثر وأكثر وهنا ليس من المعيب أن نراجع ممارساتنا السابقة وأن نقّيمها ونرى مدى نجاعتها ونحاول أن نقدم حلولاً وممارسات مختلفة آخذين بعين الاعتبار بأن الحلول الأمنية لم تجد نفعاً في كثير من الدول التي سبقتنا في استعمالها بل على العكس أشعلت أزمات كادت أن تهوي بها إلى المجهول!
الحلول المطروحة يجب أن تنبثق من الدستور والقانون وهنا فإن صون الدستور لحرية الرأي لم يكن عبثاً بل لأن المشرع يدرك بأن بعض الأزمات يمكن معالجتها بكفالة حرية الرأي والاستماع إلى الآخر وإعطاءه المساحة الكافية للتعبير عن رأيه ضمن حدود وطنه، كما يدرك المشرع أن الحفاظ على حرية الرأي يساهم في استقطاب الأغلبية الصامتة للاستماع لمن يمتلك صوتاً وطنياً يستعمله لرفعة ونهضة الأردن لا لمن يمتلك صوتاً نشازاً يراد به الهدم لا البناء.
فإذا اتفقنا على ضمان حرية الرأي، علينا أن نفكر بصوتاً وطنياً للتعامل مع هذه الظاهرة من منطلق تشذيب الخطاب المكتوب والمستعمل، وجمع كافة القضايا التي يتم طرحها والعمل عليها قضية قضية، وهنا أقصد حل القضايا المطروحة لا رفع قضايا أو جلب المعلقين والمعبرين عن رأيهم – وإن كنا نتفق أن هناك تعليقات تعدت خطوط العقل والمنطق-، وإذا ما استمرينا في تجاهل المحتوى فإننا فعلياً نصنع مما تحت السطور أزمات لا تعدّ ولا تحصى.
وللعمل على حل تلك القضايا والمسارات التي يتم الحديث عنها تحت السطور لا من توحيد مصادر صناعة القرار بحيث نملك مطبخاً سياسياً واحداً، إضافة إلى ضرورة وجود رؤية سياسية موحدة ينتج عنها لغة سياسية وعمل سياسي ممنهج يستهدف كافة القطاعات والفئات وعلى رأسها الشباب الأردني الفئة الأكثر تواجداً تحت السطور.
أخيراً؛ مجابهة هذه الظاهرة وغيرها لا يمكن الحديث عنه دون الانتهاء من تعددية المطابخ السياسية، وتوحيد لغة الخطاب السياسي الوطني، وتوفير مساحة كافية للإعلام المحلي ليكون منصة وطنية تعبر عن الأولويات الوطنية مهما اختلفت مصادرها وتراتيبيها ، مع ضمان وجود برلمان ممثلاً للمواطن غير قابل للشك أو الطعن في شرعيته أو شرعية الانتخابات التي أنتجته مع ضمان قيادة البرلمان للسلطة التنفيذية مستقبلاً.