النسخة الكاملة

ماذا حدث في الأردن.. ولماذا؟

الخميس-2021-04-22 07:10 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم: د. جواد العناني

في السابع من شهر أبريل الماضي، اتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الملك عبدالله الثاني بن الحسين ليؤكد دعم الإدارة الأمريكية له، ويحثه على ألا يخشى شيئاً لأن الولايات المتحدة تسانده بالكامل، وتساند دولته. وبناء على البيان الصادر عن البيت الأبيض، فقد أكد الرئيس الأميركي دعمه لحل الدولتين فيما يتعلق بالسلام بين إسرائيل وفلسطين. وبالمقابل، أكد الملك عبدالله الثاني للرئيس الأميركي أن الأمن مستتب في الأردن، وأن الفتنة قد وئدت، وأن الأمور قد عادت إلى طبيعتها.

والأحداث التي ساقت إلى هذه المكالمة الهامة بدأت بعد ظهر يوم السبت الموافق الثالث من إبريل، حين علم الأردنيون أن قوات من الجيش والأمن توجهت إلى بيت الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني وولي عهده السابق، وطلبت منه أن يكف عن النشاطات والتصريحات المهيجة للناس. وألقي القبض على ثمانية عشر شخصاً في ذلك اليوم من أبرزهم د. باسم عوض الله الوزير ورئيس الديوان الملكي الأسبق، والشريف حسن بن زيد حفيد الهاشميين من جهة والدته.

وإذا تمعنا في الأسماء التي تسربت عن المعتقلين فنرى عدداً منهم من عائلات أردنية عريقة وعشائر كبيرة يعمل عدد كبير من أبنائها في القوات المسلحة والأمن العام، ويشغل عدد آخر منهم وظائف في الحكومة ومؤسساتها شبه المستقلة. وتوالت التصريحات والتجليات كل يدعي أنه ينشر القصة الحقيقية. ومنعاً لمزيد من التشكيك، أجرى نائب رئيس الوزراء بهذه الصفة (وهو أيضاً وزير الخارجية)، أيمن الصفدي مؤتمراً صحفياً الرابع من أبريل، قال فيه أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق يوسف الحنيطي طلب من الأمير حمزة الإلتزام بالبقاء في قصره، وعدم نشر أي تغريدات وتصريحات.

ولكن هذه الإيضاحات لم تشف غليل الناس، وكثرت الأقاويل والإشاعات، إلى أن قام الملك عبدالله الثاني بإصدار رسالة منه إلى الشعب الأردني والعالم في السابع من إبريل يؤكد فيها أن الفتنة قد وئدت بوساطة أشرف عليها ونفذها ببراعة الأمير الحسن بن طلال، ولي العهد الأسبق. وصرح الملك بأن الأمير حمزة موجود في بيته وتحت رعاية الملك نفسه. وبعد تصريحات الملك عبدالله الثاني إنهالت فوراً رسائل التأييد من مختلف دول العالم وقادتها إما بالرسائل أو التصريحات أو الزيارات. وكلها ساندت إجراءات حماية الأمن وتأييد الملك عبدالله الثاني وكل الإجراءات التي يتخذها لحفظ الأمن وحماية الاستقرار. وبدأت رسائل التأييد تأتي مباشرة بعد إعلان الحكومة في 3 أبريل على لسان الناطق الرسمي ووزير الدولة لشؤون الإعلام المهندس صخر رودين عن فشل محاولة العبث بأمن البلد واستقراره. وكما إنتهت هذه التطورات، فقد عاد الأمير حمزة إلى قصره ووقع في اليوم التالي على بدء الحدث، على وثيقة في منزل الأمير الحسن بن طلال بحضور الأمراء يؤكد فيها قبوله والتزامه بإرث العائلة الهاشمية وتقاليدها، وبالإلتزام بالدستور، والولاء لأخيه الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله. أما بالنسبة لباقي المتهمين المعتقلين، فقد أحيلوا إلى النائب العام العسكري لبدء التحقيق معهم بدون الإفراج حتى يحالوا إلى المحكمة وتصدر بحقهم الأحكام القضائية.

تماسك الأسرة الهاشمية

أثارت هذه الأحداث سلسلة من التساؤلات لدى الناس، وفتحت الأبواب على نقاشات في موضوعات يرى غالبية الأردنيين ضرورة معالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة. وأول هذه الموضوعات هو حرص الأردنيين على تماسك الأسرة الهاشمية والترابط بين أعضائها. وقد يعود السبب في الخصام  إلى التغييرات التي حصلت في ولاية العهد مرتين خلال الـ 22 سنة الماضية وقد بدأت قبل وفاة الملك الحسين حين استبدل الأمير الحسن بن طلال بإبنه الأمير عبدالله ليكون ولياً للعهد بعد 34 سنة أمضاها الأمير الحسن في ذلك المنصب. والثانية حصلت عندما عين الأمير حمزة بن الحسين ولياً للعهد إلى أن استبدل بالأمير الحسين بن عبدالله الإبن الأكبر للمك عبدالله الثاني. وللحقيقة التاريخية أن الملك عبدالله الثاني كان ولياً للعهد مرتين الأولى بعد ولادته عام 1962 وحتى عام 1964 بعدما عدل الدستور الأردني لينص على "أن تنتقل ولاية الملك من صاحب العرش إلى أكبر أبنائه .... إلى أكبر أبناء ذلك الإبن وهكذا طبقة بعد طبقة... على أنه يحق للملك أن يختار أحد أخوانه الذكور ولياً للعهد". وهذا النص للمادة 28 من الدستور الأردني لعام 1952 وتعديلاته يؤكد أن  الْمُلْك  يؤول إلى الإبن الأكبر. ويؤكد كذلك على أن الملك ينتقل عمودياً من الملك إلى أكبر أبنائه، وهكذا. ولكن في حالات الضرورة يجوز للملك أن يعين أحد أخوته الذكور ولياً للعهد. وفي هذه الحالة يجوز له أن يغيره عندما تزول أسباب تعيينه. وإن توفى الملك  قبل تغيير أخيه كولي للعهد فيصبح الأخ ملكاً، ويرث الأخَ إبنُه الأكبر وهكذا دواليك. ولذلك كانت التغييرات على ولاية العهد واقعة ضمن الدستور وأملت تغييرات على ولاية عهد الأمير نايف بن عبدالله الذي عُين ولياً للعهد عام  1951 لمدة عام تقريباً حتى استعاد الملك طلال بن عبدالله، الأخ الأكبر للأمير نايف، صحته.

وعندما مرض الملك طلال  ثانية ورث الملك عنه إبنه الحسين بن طلال. ولما كان الأمير عبدالله طفلاً فقد أُستبدل بعد عامين بالأمير الحسن بن طلال. وعندما قارب الملك الحسين على الوفاة عام 1999 قرر تغيير الأمير الحسن واستبداله بالأمير عبدالله ملكاً. مما سبق نستخلص أن أحكام الدستور بأن ولاية العهد رأسية وليست أفقية. وقد أبدى الأمراء الذين أصبحوا أولياء للعهد مرونة عالية وتقبلاً رغم الألم وبخاصة الأمير الحسن بن طلال. ولربما يقول الأمير حمزة الذي خسر ولاية العهد أن دوافعه لإصدار التصريحات لم تنم على رغبته في أن يصبح ملكاً بقدر ما هي مدفوعة بحب الناس والدفاع عنهم. واعتقد أن هذا التفسير قد يكون صحيحاً، ولكن ممارسته لم تكن وفق قانون العائلة الهاشمية الصادر عام 1937. والذي ينص على أن للأسرة الهاشمية مجلساً تحل فيه قضايا الأسرة. ولما كلف الأمير الحسن من قبل الملك عبدالله بالحديث مع الأمير حمزة لإنهاء التوتر فقد إلتزم بتقاليد العائلة وبالقانون الذي ينظمها.

بين الإصلاح الداخلي ..

أما القضية الثانية فهي تغريدات سمو الأمير حمزة التي انتقد فيها الأوضاع الاقتصادية السائدة، والتي ساءت بفعل جائحة الكورونا. وكذلك ما قيل عن أحاديثه في زياراته للعشائر والأسر، والتي استقطبت عدداً منهم نحوه. ومن الضروري التأكيد على أن الأردن الآن بحاجة ماسة إلى عدد من الإصلاحات الشاملة والتي يجب أن يوضع لها استراتيجية متكاملة وخطة عمل لتنفيذها. وهي أمور تحدث بها الملك عبدالله الثاني نفسه، ووجه بضرورة تنفيذها في أوراقه النقاشية السبعة التي أصدرها تباعاً خلال الفترة (2013-2017) والتي تناول فيها الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإدارية والتعليمية.

ولكن الناس تشكو من عدم أهلية بعض التعيينات الوزارية والمؤسسية التي ستكون العون للملك على تحقيق ذلك. ومع تردي الأوضاع الاقتصادية والصحية بسبب جائحة الكورونا وانكشاف العيوب الإدارية وبعض القوانين السياسية ومخرجاتها، صار للنقد داخل الأردن وخارجه مبررات تلاقي صدى لدى عدد من الأردنيين.

.. والتآمر الخارجي

لكن المشكلة ليست في النقد. فإختلاف الأردن مع حكومة اسرائيل وإدارة الرئيس السابق ترامب حول صفقة القرن والتطبيع غير المبرر مع اسرائيل وبعض الدول العربية، ونجاح الأردن في إثارة المعارضة الكبرى ضد قرار حكومة نتنياهو بضم أراض في وادي الأردن والبحر الميت بالضفة الغربية والهجوم المتكرر من قبل المتطرفين على المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة والمسجد الإبراهيمي في الخليل والإعتداء السافر على الأهل هنالك، جعلت من الأوضاع السائدة في الأردن فرصة لبعض هؤلاء للتضييق على الأردن، أو التصعيد إلى حد التآمر عليه. إذا ثبت من التحقيقات صحة الاعتقاد أن أطرافاً خارجية تآمرت مع أردنيين في الداخل، فإن هذا الوضع سيضع الأردن في مواجهة صريحة معهم.

وبعض هؤلاء الأشخاص يتناقضون ولا يجمعهم رابط منطقي واحد. فالدكتور باسم عوض الله شغل مناصب رفيعة في الدولة الأردنية وكان قريباً من القصر، ولكن موجة السخط عليه خاصة من العشائر والقبائل الأردنية جعلته شخصاً غير مرغوب فيه قريباً من الملك عبدالله الثاني. ووجد فرصته بالعمل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فكيف إذن يجتمع شخص مهم مكروه من الأردنيين مع الأمير حمزة المقرب من العشائر والقبائل الأردنية؟ ولذلك كانت المملكة العربية السعودية سريعة في رد فعلها وتأييدها للملك، وإرسالها وفداً إلى عمان برئاسة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وهو شخص متكلم فصيح اللسان لينأى بالمملكة عن أي شبهات ظاهرية في هذا الصدد. وصدر عن الأردن بيان رسمي مؤيد لأمن السعودية واستقرارها ضد الهجمات التي تتعرض لها من الحوثيين معتبراً أن تعكير الأمن السعودي ينطوي على تهديد لأمن الأمة العربية. ولذلك بقيت الأصابع موجهة لإسرائيل التي صرح نائب رئيس وزرائها ووزير دفاعها بيني غانتس بأن إسرائيل حريصة على أمن الأردن واستقراره، وأنه يجب دعمه مادياً ليحل مشاكله الداخلية. أما رئيس الوزراء نتنياهو فقد آثر الصمت. ونشرت إحدى الصحف الإسرائيلية خبراً تقول فيه أنه كان مسروراً لما حدث في الأردن من محاولة إنقلابية حسب نص صحيفة يديعوت أحرونوت.

أما الأمر الثالث والأخير هو هل سيبدأ الأردن فعلاً بالتحرك نحو الإصلاح. والإصلاح السياسي في أضيق حدوده يتطلب إصدار قانونين عصريين هما قانون الأحزاب وقانون الإنتخابات، ولتشكيل حكومات حزبية. والإصلاح الثاني هو الإصلاح الإداري حيث تشكو الحكومة من ضخامة الجهاز المدني خاصة، ومن تدني إنتاجية العمل وبطء الإجراءات وإنتشار الفساد. وكذلك الإصلاح المطلوب في التعليم والصحة اجتماعياً وفي الاستثمار وموازنة الحكومة المتخصصة وارتفاع نسب البطالة (25 في المئة) ونسب الفقر (30 في المئة). إذا لم تتحقق هذه الإصلاحات، فإن أمن الأردن سيلقى دائماً جهة لها مصلحة في استغلاله من أجل زعزعة أمنه واستقراره.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير