جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
في يوم مقدس لديهم بـ ( حسب معتقداتهم الدينية ) يتقاذف الالاف المواطنين الهندوس والمتدينين من السيخ كرات روث البقر لدواعي ( جلب الحظ والخير والازدهار والصحة والمطر ) وغيرها من الأمنيات الخاصة والعامة وهذه ليس دعوة للتجريب أو التصديق ولا هي دعاية لترويج المنتج لواحدة من الوصفات والممارسات الشعبية التقليدية الكثيرة التي ترعرعت وانتشرت في بعض المجتمعات في الماضي والحاضر بعدما تطورت من خرافات وخزعبلات الى اساطير ومقدسات وسوف نسلط الضوء في هذه المقالة على بعض من الطقوس الغريبة التي يمارسها بعض الهنود خلال ( المهرجان السنوي لروث البقر ) والذى يقام كل عام احتفالا بما يسمى لديهم بـ ( عيد كعكة البقرة ) وذلك بعد يوم واحد من دخول العام القمري الجديد
تختلف الشعوب في اعيادها واحتفالاتها و ومهرجاناتها من دولة الى اخرى ويرتبط معظمها بالموروث الثقافي والديني الذي توارثته الأجيال بعدما أصبح بمرور الوقت جزءا أساسيا من تراثًها الحضاري فمثلا ( الديانة الهندية التي حلت محل البوذية ) اتباعها يقدسون البقرة باعتبارها تمثل الألوهية وهنالك العديد من الحركات التي تطالب بحماية الأبقار وتعزيز رفاهيتها بالإضافة إلى وجود قوانين حكومية في العديد من الولايات الهندية تحرم وتحظر منذ فترة طويلة ذبح الابقار من أجل اللحوم حتى أصبحت الهند تعاني من أزمة أبقار ( شاردة ) في كل مكان فترى الأبقار تمشي في الشوارع دون أن يتعرض لها أحد مهما سببت من الزحام فالكل يقدسها ويعلي شانها
يوم السبت الماضي 17 / 4 / 2021 عرضت فضائية روسيا اليوم مقطع فيديو يرصد آلاف الهنود في قرية ( كايروبا بولاية أندرا براديش ) ضمن احتفالاتهم برأس السنة القمرية الجديدة وهم يغطسون وسط اكوام هائلة من روث الابقار تقوم بتفرغها شاحنات كبيرة او من خلال جمعها من منازل القرية ونقلها عبر مقطورات تجرها ثيران مزينة بالزهور في اتجاه المعبد المحلي حيث يتلو الكاهن صلواته عليها قبل نثرها على أرض القرية ثم يتحرك بعدها رجال وشباب وصبيان ونساء من مختلف الأعمار وسط الروث ليشكلوا منه كرات يستخدمونها ( ذخيرة ) لقذف بعضهم في معارك غير اعتيادية حامية الوطيس لجلب ( الحظ السعيد والصحة الجيدة والمطر الوفير والازدهار والخير للبلاد ) بحسب المعتقدات الاجتماعية والثقافية والدينية التقليدية السائدة لديهم وهو ما يدفع سكان القرى والمناطق المجاورة للمشاركة في هذا الاحتفال والتمتع به وبصورة أبعد من طابع المرح تحمل هذه المناسبة مدلولات دينية تذكر بان الإله ( بيريشوارا سوامي ) الذي يقدسه ويكرمه القرويون ( ولد داخل روث البقر ) وكل ذلك دون اتباع أي من الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا
ووفقًا للأسطورة الهندية فقد أراد اللورد ( فيرابهادر اسوامي ) الزواج من الإلهة ( بهادراكال ) ضمن زواج أسطوري بين إلهين لكن كانت هناك معارضة للزواج والذي تحول إلى نزاع وحرب استخدم فيها روث البقر بكثافة كسلاح بين الطرفين حيث تنقسم القرية اثناء العراك إلى نصفين على طول الخطوط الدينية والطائفية ويأخذ كل منهما جانبا محددا في النزاع ثم يقوم الأهالي من الرجال والأطفال والسيدات بالتراشق بكرات من روث البقر من قريب وبعيد وبشكل مستمر( تبركا به ) حتى يصل شيوخ القرية لحل النزاع وذلك في ظل مراقبة ومتابعة أفراد من الشرطة الهندية للاحتفال لضمان عدم اندلاع أعمال عنف او شغب بين المتصارعين وهذا الاحتفالة في نشاطه نسخة منقحة من جولات تقاذف الطماطم خلال مهرجان ( توماتينا ) الإسباني
وقبل انطلاق ما يسمى بمهرجان الأضواء او الانوار أو عيد” ديوالي” الذي يشكل حدث سنوي للهندوس يتميز بطقوس فريدة وهو ايضا من أكبر الأعياد في الهند حيث يقوم المشاركون برمي روث البقر على بعضهم اعتقادا منهم بأنه يجلب الخير والأمطار فيما يباع خلاله ما يصل إلى 330 مليون مصباح زيتي يطلق القرويون الهنود عليها مسمى "دياس" باللغة الهندية وتعد المصابيح شيئا أساسيا في المهرجان بالإضافة إلى منتجات أخرى يتم صنعها باستخدام ( روث البقر ) ولا زال رئيس الوزراء الهندي ( ناريندرا موديل ) يستثمر ملايين الدولارات في مشاريع مختلفة لتطوير منتجات محلية محضرة من ( بول أو روث الحيوانات ) التي يقدسها الهندوس المتدينون حيث يعزى لهذه المنتجات قدرات علاجية مفترضة في الطب التقليدي الهندي مثل السكري أو السرطان كما تستخدم في صنع معجاجين الأسنان لكن حتى الساعة لم تثبت أي دراسة علمية متكاملة صحة هذه المزايا المزعومة
وفي الوقت الراهن وبالرغم من درجات خطر العدوى العالية جدا من فيروس كورونا يلجأ العديد من الهنود الى تناول بول البقر أو الروث ضنا منهم أن ذلك يمنع العدوى من كورونا ما كلف البعض حياته وقد كشف نجم بوليوود الهندي( أكشاي كومار ) عن عادة يومية خاصة جدا بأنه حيث يشرب يوميا بول البقر الذي ينسب عدد متزايد من الهنود له منافع علاجية ضد أمراض عدة كما أن أعضاء في حزب مودي ( بهاراتيا جاناتا ) يوصون بتناول بول أو روث الأبقار لأنه مقدس ومطهر للوقاية من فيروس كورونا المستجد وقد أقامت منظمة ( أل إنديا هندو ماهاسابها ) الهندوسية في منتصف اذار الماضي احتفال للترويج لهذه الخلطة من روث الابقار كسلاح فعال في وجه كوفيد-19 الذي اصاب الملايين وأودى بحياة 76 ألف شخص العام لماضي
وبالنسبة لكثير من الهندوس، فإن المهرجان الذى يسمونه أيضا مهرجان الألوان ومهرجان الحب حيث يبدأ في اذار من كل عام يعتبر عيد ديني للهندوسية والسيخية الذين يرون ان مجرد الإمساك بروث الأبقار يشفي من أمراض كثيرة وهنالك اعتقاد قوي لدى معظم السكان الذين يمارسون هذه الطقوس بأن ( المرض مع بول او روث البقر لن يجد إليهم سبيلاً) كما ويعد الاحتفال فرصة مواتية للابتسامة والصفح وإعادة العلاقات التي انقطعت بين الأحبة والأقارب
كما ان هنالك مهرجان اخر يسمى ( ماج ميلا ) بالهند انطلق قبل فترة وجيزة شارك فيه رجال من الهندوس بإقامة طقوسهم بالجلوس وسط حلقة دائرية يحيط بهم من روث الأبقار ثم يشعلون النار لحرق أقراص كثيرة من روث البقر المجفف وبعدها يخلعون ملابسهم ويمكوثون بجوار روائح الدخان المنبعث من حرق الروث والتمسح به ويستمر الاحتفال حتى 13 فبراي من كل عام
وقبل شهور قليلة اعلنت حكومة ولاية ( ماديا براديش ) إنها في صدد إطلاق تطبيقٍ إلكتروني وموقع سيصبحان محطة أساسية يتجه إليها الناس إذا أرادوا ( تبني بقرة ) أو الاطّلاع على آخر أخبار ( الغوشالا ) المحلي ( ملجأ الأبقار ) أو شراء الأغراض المصنوعة من روث الأبقار وبولها مع العلم بان تبني الأبقار أو التبرع بالمال للملجأ لقاء رعايتها ليس بالأمر اليسير حيث تكلّف إعالة بقرة واحدة طوال حياتها مبلغ 300 ألف روبي أي 3.400 جنيه استرليني ويقال بينهم بآن هذا النوع من الصدقات يجلب الحظ السعيد وغالباً ما تنشر الصحف إعلانات من هذه الملاجئ طلباً للتبرعات والمساعدات
وفي حديث موثق للمهاتما غاندي في هذا الشأن قال إن حماية البقرة أمر عظيم لدى المواطن الهندى وأن الفكر الهندى عن البقرة يجعلها أم للإنسان وأصلا له ولذلك وصفها بجالبة الخير للبشر وإنها تفوق الأم العادية. فهي تطعمنا من حليبها كل الأوقات ونستفيد من كل شيء فيها حتى بعد موتها بل ( إن البقرة خير من الأم البشرية ) كما قال لأن رعاية الأم عملية مكلفة بينما البقرة لا تكاد تكلف الناس شيئا وفي الحقيقة أن يصدور مثل هذا التفسير عن فيلسوف عظيم في مكانة غاندي لهو أمر غريبفمثل هذه الأسباب تنطبق على كل حيوانات الأرض التي يأكلها البشر بل وتنطبق أيضا على الخيول والحمير وغيرها من أنواع الحيوانات والطيور المفيدة للبشر
في الهند يوجد ديانات ومعبودات شتى فمنهم من يعبد البقر وأقوام تبني معابد للفئران وغيرهم يعبدون النار وآخرون يعبدون الأفاعي وفي نيبال يقدس البعض الكلاب وغيرهم يقدسون الفيلة والبعض يبني معابد تمرح فيها القردة والسعادين وبعض الحضارات الأخرى تعبد أو تقدس الذئاب أو النسور أو الأسود وحتى الماعز ولكم ان تتخيلوا لو أن أصحاب أي من هذه المعتقدات آمنت بحقها في الفتك بكل من لا يتبع هواها وآلهتها المعبودة فما الذي سيحدث
كما تشتهر الهند بأنها ( أرض الرياضيات ) فمنها وعليها عرف علم الرياضيات والأرقام ومنها خرج ويخرج إلى اليوم الكثير من عباقرة الرياضيات والبرمجة المتخصصة ورغم ذلك عرف أيضا عن الهند أنها أرض يعبد فيها البقر وعرف عن الصين أنها أرض الفلسفة الشرقية التي يعبد أهلها كل شيء مثلما يأكلون كل شيء فلم تغن عنهم فلسفتهم شيئا في العقيدة حين استطاع تمثال من الحجر صنعه إنسان أن يقنعهم بأنه خلقهم وهو خالقهم ايضا ونفس الأمر ينطبق على اليابان التي يدعي البعض اليوم أنهم أذكى شعوب الأرض لكن أذكى شعوب الأرض يعبد الكثير منهم إلى الأن ما نستحي ذكره هنا
الحمد لله على نعمة العقل والإسلام وما أعظمها من نعمة فإن الله أنعم على عباده عموماً وعلى المسلمين خصوصاً بنعم لا تعد ولا تحصى حيث لم يجعلنا من عبدة الأبقار ولا النار ولا الأحجار فأنا شخصيا لا أستطيع أن اصدق أن هناك عاقل واحد ما زال يعبد البقرة ويتبرك ببولها ويعبد النار والفئران وغيرها اللهم ثبتنا على دينك واكتب لنا الخير يا أرحم الراحمين
mahdimubarak@gmail.com
.