النسخة الكاملة

ألبان وأبقار وأسعار

الخميس-2021-04-19 12:18 pm
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - بقلم ابراهيم عبدالمجيد القيسي.

لا أعلم عن حال أي بلاد يخرج تقرير محلي، يتهم الحكومة بعدم شمول خطتها التحفيزية الأخيرة قطاع الزراعة، الذي نال حصة الأسد من هذه الخطة، وبدعم تجاوز 35 مليون دينار!.

المهم: 
قبل أسابيع؛ قررت الوزارة استئناف العمل بقرارها السابق بخصوص استيراد (بكاكير) الأبقار، وسمحت باستيراد 1500 رأس منها، وهي إناث صغيرة "كمان سنتين" تنتج حليبا..

 يجب ان نعلم بأن قطاع الأبقار يقوم على حوالي 85 الف رأس من البقر، وهو رقم ثابت منذ أكثر من 15 عام، أي أنه قطاع لا يتوسع ولا يتمدد، رغم تزايد عدد السكان، وتزايد الاستثمارات في هذا المجال، ورغم تدشين صناعات غذائية محلية حديثة، تعتمد على منتجات حليب الأبقار، وعلى لحومها، ولأن وزارة الزراعة كانت تسير وفق خطة لتنظيم هذا القطاع، وتدشين بنى تحتية ثابتة له، تمكنه من التوسع وفق أسس علمية وتجارية صحيحة، كانت قد قررت الوزارة عام 2018 وقف استيراد بكاكير الأبقار ولمدة عام واحد فقط، لتسجل ملاحظاتها وتتأكد من دراساتها لإجراء توسع منظم على هذا القطاع، لكن الذي حدث بعد قرارها المؤقت بوقف الاستيراد أن تغيرت الحكومات، والوزراء، وجرى استغلال هذا القرار باعتباره هو الحالة المثالية، وهو الضامن لحماية ملاكين ومستثمرين في هذا القطاع، بينما تقول الحقيقة بأنه لم يتغير، وبالتالي هو مستقر بالنسبة لبعض الجهات، التي تخشى فقدان أسواقها إن جرى توسع وتغيير على هذا القطاع الذي تجمد على رقم واحد من رؤوس الأبقار منذ أكثر من 15 عام !.

من بين القصص المؤلمة التي تحتاج منا جميعا ان نتوقف عندها، قصة استثمار اردني وطني كبير في هذا المجال، تم إنشاؤه بعد دراسة السوق الأردنية والعربية، وقد كان مجديا اقتصاديا بناء على القوانين والظروف التي رافقت تدشين هذا الاستثمار، فهناك بيئة من القوانين تشجع على الاستثمار وتضمن استقرارا له، بعدم العبث بالقوانين والتعليمات والتراجع عن التوجهات.

تم إطلاق هذا الاستثمار قبل أكثر من خمسة اعوام بناء على معطيات ودراسة جدوى في مجال صناعة الألبان والأجبان، لكن الذي حدث مختلف تماما، فبعد أن انطلق العمل في مصانع ومزارع هذه الشركة في مرحلتها الأولى، تعالت أصوات منافسين محليين لهذه الشركة، وشكلت كيانات لتحجيم عملها، وذلك اعتداء على حقوقها وحقوق البلاد والعباد، فعدم توسعة هذا القطاع ودعمه باستثمارات قادرة على انتاج وصناعة منتجات غذائية منافسة محليا وعالميا، أمر لا يخدم إلا من يرغبون باحتكار القطاع لأنفسهم، ولا يسمحوا بأي تطوير عليه، ولتذهب توجهات الدولة ومستقبل أمنها الغذائي والزراعي والصناعي الى الجحيم، فهكذا يفكر بعضهم، إلى الدرجة التي جعلتهم يستقوون على الدولة، وابتزازها وتعطيل عجلة التنمية فيها.

الشركة التي قامت بتعيين آلاف الأردنيين منذ أكثر من 5 أعوام ولم تتخل عنهم بسبب الجائحة، ودشنت مصانع ومزارع جديدة حسب خطتها المرحلية تقدر كلفتها بأكثر من 15 مليون دينار، ولا يمكنها تشغيل هذه المصانع والمزارع، ولا تعمل الا بما يعادل 30% من طاقتها، لأنها لا يمكنها تأمين الحليب محليا لتشغيل هذا المصنع، رغم أنها استعدت لشراء الحليب من المزارعين بضعف السعر الذي كانوا يبيعونه!.

اليوم وبسبب جائحة كورونا، لم تطف على السطح مشكلة قطاع الأبقار، ولو كان مثلا باب السياحة مفتوحا كما قبل كورونا، لما استطاع القطاع مجاراة الطلب المحلي على اللحوم، ولتضاعف سعرها، ولتم ذبح الأبقار والخراف الجديدة كلها، لسد الطلب على اللحوم، وبالتالي قلة انتاج الحليب، الأمر الذي سينعكس على أسعار منتجاته وصناعاته الغذائية، علما أن منتجاته كلبن الرايب والحليب الطازج، ارتفع سعرها بل تضاعف، في السنوات الثلاث الأخيرة، وتخيلوا لو تم فتح الحياة العامة، وعادت المناسبات الاجتماعية والمطاعم والملاحم للعمل بطاقتها المعهودة، ستختفي اللحوم عندئذ ومعها منتجات الحليب كلها..
 فمن هو الذي يغامر بأمننا الغذائي ويضعه في مهب منافسة غير عادلة لقاء مصالح فئوية وذاتية، بينما المواطن والوطن سيدفعا الفاتورة مضاعفة هذا الصيف حتى نهاية العام!.

هذه واحدة من التحديات الكبيرة أمام وزارة الزراعة وأمام الدولة كلها، وهي قصة تتعلق بقطاع واحد، وأنا متأكد أن هناك تحديات مشابهة في قطاعات أخرى، تختفي تحت مظلة الجائحة، لكنها ستشكل أزمات كبيرة وتحديات وجودية حتى لو لم تختف الجائحة.

فهل تنتبه الحكومة لهذه التحديات التي تتنامى تحت ستار الأزمات والانفلات الاعلامي، وفقدان الثقة والضمير؟!.