النسخة الكاملة

وسط البلد تودع "عدو الغبار"..!

الخميس-2021-04-06 08:26 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز/ محمود كريشان

فقدت مناطق وسط البلد احد معالمها ومعالم عمان القديمة، عندما غيب الموت مؤخرا السبعيني الكفيف يوسف احمد رصرص الذي كان يمتهن بيع منافض الغبار المصنوعة من ريش النعام.

رصرص الذي حطّ رحال عشقه في قاع المدينة بقلب عمان النابض، وقد ارتحل اليها عام 1964 ليقطن مع والديه في بيت على مشارفها الوادعة بمنطقة المهاجرين، لتبدأ من ذلك الوقت حكاية مؤمن بقضاء الله وقدره، اصبح يرى شوارع عمان وازقتها وحواريها بنبض قلبه، يعرف كل معالمها ولا يخطىء مسيره ابدا.

رصرص كان يتحدث قبل وفاته بسنوات لكاتب هذه السطور وتم النشر في صحيفة الدستور حينها، حيث استرسل في سرد ذاكرة الصبر والتحدي الممزوجة بالرضا وتعب السنين وقال: اتينا الى الاردن عام 1964 انا ووالدي ووالدتي وكان عمري في ذلك الوقت (20) سنة، وقمنا باستئجار بيت متواضع في عمان، حيث كنت كفيف البصر جراء مرض اصاب عيوني وقد كان عمري حينها سنة ونصف السنة، ولم يتم العلاج كون الطب لم يكن متوفرا انذاك، واصبحت اتعايش مع الوقع مؤمنا بقدري، دون ان تفتر لي عزيمة او يتسلل الى نفسي الاحباط.

وأضاف: قبل المجيء الى عمان كنت تلقيت تعليمي في المدرسة اللوثرية العالمية بجبل الزيتون في القدس، وقد تعلمت الصناعات التقليدية الخفيفة ومن ضمنها مكانس القش ومنافض الغبار المنزلية، ومنذ وصولي الى عمان عام 1964 وحتى الان وانا اقوم ببيع منافض الغبار للدرجة التي جعلت الاديب والكاتب رسمي ابوعلي يطلق عليّ لقب «عدو الغبار».

وقال: لم اغير مسار طريقي اليومي الذي يبدأ من راس العين بالقرب من مبنى امانة عمان، مرورا بشارع طلال، واتوقف في دخلة عجاج لدى احد الاصدقاء نشرب القهوة، ثم اواصل المسير باتجاه شارع فيصل وهناك ايضا اقضي فترة من الوقت عند صديقي العماني حسن ابوعلي في كشك الثقافة العربية الذي ادردش معه عن اخر التطورات السياسية في المنطقة، بعدها اتجه صعودا نحو شارع السلط الذي هو اعز الشوارع على قلبي، كونه كان يضم سابقا كافة مكاتب شركات الطيران، وكانوا من زبائني ويشهد حركة تجارية نشطة جدا، ثم اعود ادراجي نحو معرض بيع منتجات المكفوفين، واجلس مطولا مع مدير المعرض وصديقي نعيم الجيوسي الذي نحتسي الشاي سويا ويقوم بقراءة العناوين الرئيسة لصحيفة الدستور العريقة والتي يشترك المعرض فيها منذ سنوات طويلة، الى ان اعود الى منزلي بفترة الظهيرة وبنفس الطريق، اقضي استراحة لمدة ساعتين، واعود مجددا الى وسط البلد في فترة العصر، وقبل ان يحل الظلام امضي الى بيتي واستمع الى نشرة اخبار الثامنة على التلفزيون الاردني.

واشار الى انه متزوج منذ عام 1970 وانه اب لبنات تمكن بعصاميته وتعبه ان يقوم باكمال تعليمهن الجامعي، وقال انه يعتز بذلك وقد اكمل رسالته تجاه فلذات كبده من خلال رزقه الحلال القادم فقط من بيع منافض ريش النعام.

رصرص اكد انه مواظب على مطالعة الصحف اليومية و»الدستور» على وجه الخصوص حيث تقوم بناته بقراءة المواضيع الهامة له، وانه يحرص على قراءة افتتاحية الصحيفة بالاضافة لمقالات الكتّاب خيري منصور وفوزالدين البسومي وعرفات حجازي، وان اكثر مايجذبه ايضا اخبار الحوادث والمحاكم التي تتميز بها الدستور منذ الستينيات من القرن الماضي وخاصة ما كان يغطيه المرحوم الصحفي نايف المعاني.

Kreshan35@yahoo.com