
جفرا نيوز - بقلم المحامي رفعت الطويل
قبل فترة اخبرني احد الاصدقاء على سبيل الدعابة ان الآفًاً مؤلفة توافدوا على احدهم لتهنئته بمناسبة ما الا ان مائة شخص فقط أو يقلون حضروا في مناسبة اخرى لذات الشخص مشابهة تماما للمناسبة الاولى اتدرون سبب ذلك التفاوت الهائل في عدد الحضور ؟ كان ذلك لأن الشخص صاحب المناسبة كان في السلطة في المرة الاولى بينما كان خارجها في المرة الثانية .
تذكرني هذه الحادثة بأحد الامثال ذا الصبغة الفكاهية انه عندما مات كلب الشيخ خرجت نصف القرية في جنازته بينما لم يخرج احد عندما مات الشيخ نفسه.
لماذا كل هذا النفاق ؟ متى نصدق مع انفسنا ؟ اذ نسمع بين الفينة و الاخرى عن قصص فساد في احدى الدوائر فلا نجد من يجرؤ على الحديث عنها بصراحة و بصوت مرتفع حيث ان بطل الفساد يتمتع بالسلطة و يتربع عليها بينما تجد الاف المنتقدين له حال تركه للسلطة او عزله عنها لماذا ؟ قالت العرب " اذا وقع الجمل كثرت سكاكينه " بمعنى ان الجمل الذي يصعب ذبحه واقفا يكثر المتكالبين على قتله و ذبحه ما ان يقع. وما حال المسؤول الذي يترك السلطة او ُيتركها بأفضل حال من ذلك الجمل المسكين .
انا لا ادافع عن المسؤول الفاسد قدر مهاجمتي لمن يتملقون المسؤول وهو قائم يمارس طقوس الفساد في محراب السلطة فيقبلون الايادي التي توغل في نهب المال العام بينما يكونون اول من يسارع الى قطعها تطبيقا لحد السرقة رغم انه من الواجب ان تتم المسارعة في محاسبة الفاسد وهو على رأس سلطته لكن اين الجرأة في قول الحق ؟ لقد صارت مجرد تاريخ يحدثنا به المؤرخون للتغني بماضينا الذي صار للاسف مقطوع الصلة بمعطيات الحاضر .
بل اين نحن من قول نبينا العظيم محمد (ص) : "انما أهلك الذين من قبلكم انهم كانو اذا سرق فيهم القوي تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقامو عليه الحد والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
اننا اذا ما اردنا مكافحة الفساد ومحاصرة الفاسدين فلا يكفي انشاء دائرة امنية او قضائية لهذه الغاية (واقصد بذلك هيئة مكافحة الفساد ) وانما لا بد بالاضافة الى ذلك من البحث في الاسباب الحقيقية التي تؤدي لهذه الظاهرة الاجتماعية و السياسية المدمرة و اعني هنا ظاهرة الفساد وذلك بغية وضع اليد على الجرح واجتثاث المسببات من جذورها, وبرأينا ان الاسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة تعود بشكل اساسي الى سببين رئيسيين : اولهما يتمثل في ضعف الشعور بالانتماء الى وطن واحد يضم الجميع بمساواة تامة لا يستثنى منها الا اعتبارات التمييز الايجابي الذي تقتضيه الظروف الخاصة ببعض فئات المجتمع مما يؤدي الى تنامي الشعور بالانانية الفردية محل "العقل الجماعي" ليكون لسان حاله مقولة "اللهم نفسي ومن بعدي فليأخذه الطوفان"
اما السبب الثاني لهذه الظاهرة فيتمثل في عدم احترام المال العام فيدان من يسرق مال فرد واحد بقوة اكبر من ادانة من يعتدي على اموال جميع افراد المجتمع اي المال العام حتى ان من يعتدي على اموال الدولة يسمى عند العامة "بالشاطر" و "الحذق" و السببان متقدما الذكر تبتدئ مواجهتهما بالتربية منذ المراحل الاولى فقطع شجرة في الطريق او تخريب مقعد خاص بانتظار ركاب وسائل النقل العامة يجب ان يعد جريمة اجتماعية كما هو جريمة قانونية اي يجب ان يدان اجتماعيا بحيث ندفع من يشاهدها من الافراد الى مقاومتها ومنع ارتكابها لا مجرد الابلاغ عنها فقط , نحن لا نتكلم هنا عن مجرد الابلاغ عمن يقوم بالاعتداء على المال العام بل يتوجب كذلك تشجيع الافراد على المبادرة لمحاربته لسبب بسيط يتمثل في ان من يعتدي على المال العام فهو لا يعتدي على اموال كائن وهمي مجرد هو الدولة وانما يعتدي على اموال الجميع وهي الاموال الخاصة لكل فرد من افراد المجتمع.
اخيراَ فلا بد من الاشارة الى الوازع الديني واهميته و استحضار مخافة الله عز و جل لدى المسؤول ودور ذلك في الحد من ظاهرة الفساد فالمتتبع لايات الهدى الحكيم يجدها قرنت بين القوة و الامانة معا كشطرين لا بد ان تحتوي توافرها فيمن يستخلف على رعاية شؤون الامة اذا ورد في القران الكريم على لسان سيدنا يوسف قوله ( اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم )
وقال تعالى على لسان سيدنا شعيب عن النبي موسى عليه السلام: ( ان خير من استأجرت القوي الامين) والقوة و الامانة على حد تعبير احدهم " لا يكونان بفقدهما او فقد احداهما و انما باجتماعهما فالقوي ان كان خائنا لم تنفعك قوته كذلك ان كان الامين ضعيفا فلا تنفعك امانته " ولا يخفى على احد الوعيد الشديد الذي جاء به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يخون امانة الولاية على مصالح الامة و الذي جاء فيه قوله (ص) " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنة.
حمى الله الاردن و اهله ومليكه وولي عهده وحمى جيشه و أجهزته الأمنية