جفرا نيوز -
جفرا نيوز - محمود كريشان
صباح الخير يا عمان.. يا حنة على حنة.. يا ريحة الجنة.. انها عمان.. العاصمة الهاشمية الأبية.. نقول: يا أهلَ عمان..طابت أوقاتكم.. وطابت منابتكم من طيب الأردن وطيوبه.. ..ونحن نمضي بمعيتكم في جولة اذاعية نرصد خلالها معالم تراثية بارزة في وسط المدينة، حيث يفوح منها عبق الآصالة وأريج العراقة، وهي تروي حكاية الأماكن التي تشتاق لها القلوب النابضة بالحب الممتد الى شرايين العشق نحو وسط المدينة حيث تكمن الحكايات الجميلة..
حكايتنا اليوم من اعرق صالونات الحلاقة في وسط المدينة على الإطلاق، وتحديدا في الجهة المقابلة لمطعم هاشم بمحاذاة مطعم فلافل فؤاد الشهير، حيث تقودك الخطى الباحثة عن الاناقة والرقي والجمال، لتكون بمواجهة صالون البوري، الذي يشمخ في مكانه منذ عام 1955 ويقدم خدمات الحلاقة المتنوعة والرشيقة لنخبة من كبار الشخصيات والمسؤولين والاعيان والوجهاء، الذين عرفوا المهارة والخُلق الرفيع الذي يتحلى به عُمدة وشيخ الحلاقين العمانيين ادوار بوري «ابوبندلي» .
ذكريات عمانية
نتوقف عند الصالون العماني العريق وننبش ذاكرة حلاق البلد العم ابوبندلي البوري، ليخالف العُمر ويعود لسالف اعوامه، ليسرد جزءا من ذكرياته مع المهنة التي احبها وعشقها منذ نعومة اظافره.. وقال: اعمل في هذه المهنة منذ عام (1957) وكانت البداية هنا في هذا المكان الذي اعشقه بحجم عشقي ومحبتي لاولادي، وكانت جيرة الرضا مع اخي وصديقي المرحوم فؤاد الحوراني ابونادر صاحب مطعم فؤاد وكنا سوية اكثر من اخوة يجمعنا حب عمان الغالية.
ويواصل البوري استعادة شريط الذكريات الجميلة ويقول: عمان في الستينيات من القرن الماضي كانت صغيرة لكنها ايضا كانت كبيرة بأهلها، الذين كانوا اشبه ما يكون بالعائلة الواحدة، وكان في منتصف الستينييات نحو (15) صالون حلاقة في عمان، وكان هناك عدد من الزملاء في المهنة منهم من غيبه الموت وارتبطت معهم بعلاقات محبة وصداقة وزمالة محترمة مثل صالح شقير وشيخ الحلاقين العمانيين العم حنا قرموط ابويوسف ونبيل شقير والمحتسب ومروان الكردي وقصيباتي وابوالعبد حجير واخرين.
ويسترسل ابوبندلي في سرد شيء من ذكرياته بالقول: كانت اسعار الحلاقة زهيدة جدا وبـ القروش الحمراء و الشلن و البريزة لكن في ذلك الزمن كانت النقود فيها بركة، والناس كانت متحابة تتكافل في اعانة بعضها بعضا.. كان وسط البلد يجسد حقيقة الحركة التجارية، وقد كان يضم ولايزال الاسواق التراثية مثل سوق اليمنية ومنكو وملحس والبخارية وقردن والبلابسة وفيلادلفيا وغيرها.
كبار الشخصيات في الصالون
وعن ابرز زبائن صالون البوري يقول ابوبندلي: زبائن الصالون منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وحتى الان هم من نخب المجتمع العماني يتمتعون بعشقهم للآصالة والعراقة ويعشقون المكان ومن ضمنهم: دولة الشهيد وصفي التل/ الباشا محمد رسول كيلاني/ الباشا مصطفى القيسي، قائد لواء 40 خالد هجهوج المجالي، المشير سعد باشا خير وزير الداخلية الاسبق ابراهيم الحباشنة والوزير الاسبق فلاح المدادحة والباشا سليمان الكردي ابوهاني، الباشا محمد رثعان الرقاد الشيخ مصطفى العدوان رئيس النادي الفيصلي انذاك، وصبحي جبري، ورئيس الوزراء الاسبق احمد اللوزي، ونائب رئيس الوزراء الباشا توفيق كريشان والشيخ فيصل الجازي والشيخ محمد عودة ابوتايه وامين عمان الاسبق المهندس نضال الحديد، والشاعر الكبير حيدر محمود، ومدير عام الراي السابق نادر الحوراني ابوفؤاد، وجراح المفاصل والعظام الشهير المستشار الباشا محمد قاسم الدويري، ومدير مدينة الحسين للشباب الاسبق فادي زريقات والمنتج الكبير محمد مصطفى المجالي ورئيس تحرير الرأي السابق مجيد عصفور وناشر صحيفة الشاهد وموقع رم صخر ابوعنزة، والطبيب البارع د. امجد الرشدان والنائب عودة قواس والكاتب خيري منصور والشيخ عبدالقادر المجالي «ابوشامخ» والعميد المتقاعد عودة الله العمرو «ابوينال.. وبالطبع شاعر الأردن وعاشقه سليمان المشيني ابوابراهيم والأديب يعقوب العودات الشهير بالبدوي الملثم واخرون.
واضاف البوري: عرفت في جميع زبائن الصالون الاخلاق الحميدة والكريمة والتواضع وحب الخير والانتماء الصادق.
سيدنا في الصالون
يقول البوري في مطلع السبعينيات وخلال احداث الامن الداخلي المؤسفة «ايلول» كنت في ساعات المساء جالسا في الصالون وحدي والجو كان ماطرا، واذ بالذي يدخل الى الصالون وعندما ازاح لثمة شماغه تبين لي انه جلالة الملك الحسين «رحمه الله» وكان بمعيته مرافقه الهباهبة وقد جلس الحسين وقال لي كيف الاوضاع..؟.. فابلغته انها ستكون ممتازة بهمة جلالة سيدنا الحسين وان الاستقرار بدأ يعود للبلاد بفضل الجيش الاردني ووعي الشعب.. وقلت: وها انت ياسيدنا بوسط البلد دون حراسة وهذا يؤكد انك دوما حبيب الشعب.. ابتسم رحمه الله وطلب مني ان احضر له كأس شاي وشربها وسألني: هل تحتاج اي شيء؟.. فقلت له: بدي فقط سلامتك والله يحفظك ويحفظ العائلة الهاشمية وتبقوا شجرة مباركة فوق رؤوسنا ..
لهذا السبب عشقت الفيصلي؟
واستذكر البوري ذكرياته مع الكرة الأردنية وقال: كان شيخ الفيصلي مصطفى ماجد العدوان من زبائني وكنت افتخر بالشيخ مصطفى وكرمه وشهامته ما جعلني من عشاق النادي الفيصلي وكنت معجبا بنجم الأهلي والجيل وليد مولا ونجوم الفيصلي جمال ابوعابد وميلاد عباسي وكان الدوري من اجمل المسابقات والتنافس الجميل، كذلك فإن نجوم الكرة في الزمن الجميل وليد مولا وعصام التلي وميلاد عباسي وابراهيم الفاعوري ومحمد اليماني وخالد عوض وحسام بسيوني من زبائن الصالون.
كالونيا.. وذكريات
وعلى صلة.. وإن رغبت أن تستنشق الهواء العماني منسوجا بذكريات الرضا والصبر، وإن شئت الجلوس على كرسي الأناقة والثقافة والعراقة، فما عليك إلا أن تستعد لمزاج عال من القصص الشيقة والروايات المنعشة التي حفرها شيخ الحلاقين العمانيين واعرقهم على الاطلاق ادوار بوري على رأس كل زبون على امتداد سنوات طويلة جدا، من الاخلاص للمهنة والمبادىء الطيبة، بعد ان تكون قد حلقت شعرك وذقنك لتخرج من صالون البوري معتقا، منتعشا بـ»الكولونيا» ونكهة الرشاقة المحببة.. وتمضي مشرقا في شوارع عمان العتيقة وازقتها.. لتبقى دوما عمان في القلب وكما تردد فيروز بصوتها الملائكي القشيب: عمان في القلب أنت الجمر والجاه.. ببالي عودي مري مثلما الآه.. لو تعرفين وهل إلاك عارفة.. هموم قلبي بمن بروا وما باهوا.