النسخة الكاملة

خبز ساخن وزيت!

الخميس-2021-03-23 08:44 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - رشاد أبو داود

بيض من الجاجات، زيت وزيتون من الأرض، خبز ساخن، زقزقة عصافير على الشجر، والشجر كثير، هديل حمام يطير.. يطير ويعود، فضاء مفتوح على سماء زرقاء.

هذا هو افطارك اليوم، وهذا هو جوك. هنا يبدأ يومك عندما.. يبدأ النهار. هي الشمس تشرق على مهلها، رويداً رويداً يتسلل ضوؤها من الشباك، حتى لا تزعجك. ولكي لا تعكر مزاجك، هي لا تطرق الباب.

هنا لا تحتاج الى ساعة منبه، ينبهك صياح الديك. ولا الى موسيقى الصباح من راديو هرم أو من موبايل يزدحم بأخبار الحروب والكورونا والموتى وعروض شراء اللقاح. موسيقاك في حنجرة العصافير وفي نقنقة الدجاج حين تخرج مع نور الشمس تبحث عن قوت يومها ثم قوقأتها تنبهك أن تعال سأعد لك افطارك، بيضة تمدك بالفيتامينات والكالسيوم والكوليسترول والزنك والحديد والمنغنيز.

تناوله مقلياً بزيت الزيتون والأفضل مسلوقاً «تمعسه» في صحن صغير وتصب عليه الزيت مع رشة ملح وأخرى من الفلفل الأسود المطحون. في ذاك الحوض بصل نصفه أخضر فوق الأرض وأبيض تحتها. مد يدك، اقتلعه أو اكتفي بالأوراق الخضراء وزين مائدتك بحبات بندورة من الحوض الآخر.

كل ما حولك أخضر فيخضر قلبك وروحك. تنسى الابتسامات الصفراء والضمائر المتيبسة والنوايا المتسوسة. تنسى ازدحام الشوارع والسيارات التي كأنها في سباق الى لا شيء بل ربما الى الموت. تلوذ بحنان الشجر من قسوة الحجر وبطيبة التراب من سواد الاسمنت، وبصمت الهدوء من قرقعة الأصوات الفارغة التي تتحدث كثيراً ولا تقول شيئاً.

كلما ابتعدت عن حجر في الطريق تراه أصغر، كذلك كلما ابتعدت عن همومك تراها تصغر شيئاً فشيئاً. حين تكون «هناك» تصنع عالمك وتلعن العالم الذي يتقاتل أهله على كرسي سلطة او وهم سيادة وسراب سيطرة. لكأنهم لا يدركون أن القاتل سيقتله قاتل آخر وأن السجين والسجان كلاهما في نفس السجن، وأن «رزقكم في السماء وما توعدون».

انت لا يمكنك أن تنام ليلك على سريرين في نفس الوقت، ولا أن تأكل أكثر مما يتسع فمك وتستوعب معدتك. لذلك قيل إن «القناعة كنز لا يفنى». ولا يعني هذا القول أن لا تعمل لتعيش حياة أفضل بل اعقل وتوكل و..اعمل. وان لم تحصل على مرادك بعد العمل بكل طاقتك، هنا تأتي أهمية القناعة. لا ان تسرق أو تنظر الى رزق غيرك أو ترشي وترتشي وتمارس الفساد.

العالم يمر بفترة جنون. الضغوط من كل الجهات على البيوت والبلاد والقارات.الكورونا يفتك بالبشر بغض النظر عن جنسياتهم والوانهم ومعتقداتهم. زاد طين الحروب بلة. ها هو اليمن السعيد لم يعد سعيداً ولا مستقراً ولا..يمناً. الضحايا بالآلاف قتلى وجرحى ومرضى وجوعى. كذلك الشام أم الياسمين والمجدرة الهنية بالبرغل و»بيت المونة» و..ليبيا والعراق وحتى لبنان لم يعد «سويسرا الشرق» ولا بلد «الشبابيك المجروحة بالحب، المفتوحة عالصدفة» ولا «بلد الحكايات المحكية عالمجد ومبنية عالألفة» كما غنت فيروز ووديع الصافي ذات لبنان أخضر.

ربما في النقمة نعمة. ربما هي دعوة للعودة الى الطبيعة بحكمتها وحنانها، وعودة الإنسان إلى..إنسانيته !
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير