جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب المحامي عبد الكريم الكيلاني
تصدق هذه المقولة في رثاء القاضي الاستاذ و المعلم فاروق الكيلاني المنارة القانونية التى لا تضاهى .
اولى مؤلفاته القانونية حول المحاكم الخاصة في الاردن واعتبر من امهات المراجع رغم انه اعده في ستينيات القرن الماضي واذا سنحت لك الفرصة ان تزور دارة الشهيد وصفي التل ستجد هذا الكتاب باهداء الاستاذ فاروق الى وصفي التل رحمهما الله ، في مكتبة وصفي و في غرفته الخاصة
انتقد في كتابة فيها التوسع في هذه المحاكم و اعتبر ها اخلالا بمبدأ محاكمة الفرد امام القاضي الطبيعي ( المحاكم النظامية ) .
ولم تمنع المعلم عضويته لمنصب قضائي ، ان يكتب مؤلفا ينقد من خلالها النظام القضائي ، ويعبر عن طموح و آمال مشروعة في تطوير الحياة القانونية .
لا حقا اصدر العديد من المؤلفات التي حملت افكاره ورؤاه الاصلاحية ، اذكر منها محاضرات في اصول المحاكمات الجزائية ، وكتاب استقلال القضاء .
كان يحمل فكرا قانونيا اصلاحيا ثوريا ، يدعم افكاره ، بانضج النظريات القانونية ، لم تكن كتاباته حبرا على ورق ، فقد اسهمت في تعديلات تشريعية عديدة كان منها ، الطعن على احكام محكمة امن الدولة لدى محكمة التمييز ، وتعزيز استقلال في تقليص صلاحيات وزير العدل بتعيين القضاة وعزلهم و غير ذلك الكثير .
فالمعلم صاحب مدرسة ومذهب قوامهما ان اقصى درجات النقد لا تمنع القاضي ان يعمل من منصة حكمه ، دون اي انصياع ، وان يبقى يناضل دفاعا عن عقيدته ومبادئه التي آمن بها .
فقد ترأس لاحقا المجلس القضائي ، و صدرت عن اثناء ترؤسه ، اهم الاحكام عن محكمة العدل العليا،
آنذاك ، و السابقة القضائية الشهيرة ، في الغاء قانون المطبوعات و النشر ، لانتفاء حالة الضرورة بقيت نبراسا و مشعلًا مضيئا في تاريخ السوابق القضائية .
علاقة القاضي المعلم الاستاذ فاروق الكيلاني مع السلطة و مؤسساتها لم تكن علاقة عزله فنقده العلمي ، و اللاذع احيانا و ملاحظاته العديدة التي لم يتوان عن كتابتها في مقالات ودراسات ومحاضرات من ضمنها ملاحظات حول الصياغة اللغوية و الاخطاء النحوية و اثرها في الاحكام القاها في مجمع اللغة العربية .
وربما من الضروري هنا الاشارة الى علاقة وثيقة جمعت الفقيد مع زيد الرفاعي ، رغم ان حكومة الرفاعي قد نالها ما نالها من الانتقادات ، وهو الامر الذي يلقي بظلال على ان تعقيدات القرار في الدولة الاردنية ، لا تمنع المصلح من المجاهرة بتطلعاته ، لان بنية النظام القانوني لا تأبى هذه الافكار و لو جاءت بطريق متدرج.
وفي هذا السياق اذكر ان اسم المعلم في مرحلة من المراحل كان مرشحا لرئاسة المحكمة الدستورية ، وايضا اسرّ لي قضاة تقلدوا مواقع قضائية وقانونية مختلفة ان الفقيد ظل مرجعية معتبرة يسترشد براية في العديد التشريعات و الاحكام .
في واحدة من لقاءات كثيرة جمعتني بالمعلم ، التقينا في مؤتمر بعنوان ( محامو الألفية الجديدة ) ، وكان له ورقة بعنوان ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم ، في الاصول الجزائية، وبعد محاضرته الثرية بالافكار ،اقترحت عليه في حديث جانبي ، مأسسة منظمة حقوقية تعنى بالملاحظات التي يقدمها القانونيون في منابر شتى وان تجد وعاءا عمليا قابلا للتطبيق .
فاجابني حينها اجابة ، فهمت منها ان الاوان ربما مازال مبكرا لهذه الفكرة ، و ان المحاضرات الفقهية ، و التعليق على الاحكام هو النافذة الا كثر ملائمة حسب خبرته وتقديره لتلك المرحلة .
لكن الجديد اليوم وبعد عقدين من ذلك الحديث ، ان بواطن الامور و خفايا القرارت اصبحت اكثر جلاءا و اصبحت تحت المجهر ، وان صانع القرار الذي لا يدرك هذه الحقيقة هو خارج عصره ، و قد اصبح لزاما وجود جسم قانوني لتلقي العديد الاقتراحات ، فاذا مات نصف العلم بفقدان جمهرة من القامات القانونية نذكر منهم المرحوم القاضي يوسف الحوامدة و المرحوم القاضي طاهرحكمت ، فلا اقل ، من تخليد افكارهم القانونية الطموحة حتى لا يموت العلم كله .