جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. ابراهيم محمد العدوان
يعلم الجميع أن شرق الأردن كان تحت حكم الدولة العثمانية الى أن أعلن الشريف الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى في 10/6/1916 ضد الظلم والاستبداد الذي مارسته الدولة العثمانية على الاقطار العربية, ولكن بريطانيا نكثت عهودها مع الشريف الحسين الذي التف حوله شرفاء العرب وبخاصة في بلاد الشام, وبدت تتشكل نواة الدولة العربية في سوريا والعراق والأردن، ولكن هذه المحاولات اجهضتها الدول الاستعمارية حين تقاسمت بلاد الشام والعراق منذ اتفاقية سايكس بيكو والتي قسمت المنطقة بحيث وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والعراق وشرقي الأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني. ونَفْي الشريف الحسين لمواقفه الداعمة لقيام دولة عربية والرافضة للإستعمار.
اجهضت الحكومة العربية في سوريا والتي وصلها الأمير فيصل، ولكنها نجحت في العراق وشرقي الأردن.
وقد مرت الدولة الأردنية في أربع مراحل:
المرحلة الأولى: الدولة الأردنية في عهد الأمير عبد الله بن الحسين.
حيث وصل الأمير عبد الله الاردن في عام 1921, وبدأ بانشاء نواة الدولة الأردنية تحت مسمى إمارة شرقي الأردن، وكانت تحت الانتداب البريطاني حيث شكل أول حكومة بزعامة رشيد طليع في تاريخ 11-4-1921 تحت مسمى مجلس المشاورين.
ظل الأمير عبدالله يسعى جاهدا لنيل استقلال الإمارة عن الانتداب البريطاني وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية التي صبت في هذا المجال إلى أن تكللت هذه الجهود باستقلال إمارة شرقي الأردن عن بريطانيا في 25/5/1946 تحت مسمى المملكة الاردنية الهاشمية ونودي بالأمير عبدالله ملكا للملكة الاردنية الهاشمية.
إن من ملامح فترة حكم الامير عبدالله وفيما بعد ملك المملكة الاردنية الهاشمية:
1- قيام زعماء العشائر الاردنية بالاجتماعات المتواصلة والتحدث مع ممثلي الانتداب البريطاني ودعم الامير عبدالله والوقوف خلفه لتحقيق حلم الوحدة العربية وتحررها من الاستعمار.
2- توقيع المعاهدة الأردنية البريطانية في 22-3-1946 ولكن الحكومة البريطانية ماطلت في تنفيذها وأبقت لها نفوذاً في الأردن حيث نخلص إلى أن الدولة الأردنية أصبحت معالمها واضحة كدولة ذات سيادة وإن كانت منقوصة أرسى قواعدها واستقلالها جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول رحمه الله.
3- كما جرى انتخاب أول برلمان أردني في 20/10/1947.
4- ومن أخطر التحديات التي حدثت خلال هذه الفترة قيام ما يسمى بدولة الاحتلال في العام 1948 لتكون بذرة وعد بلفور والخنجر في خاصرة الوطن العربي على بقعة غالية من أرض فلسطين الحبيبة..
5- وفي 12-4-1950 تنادى زعماء فلسطين وطالبوا الملك عبد الله بضم الضفة الغربية تحت راية المملكة الأردنية الهاشمية لتكون هذه الوحدة أولى حلقات الوحدة بين شعبين متجاورين.
6- إن أكبر تحد واجه المملكة الاردنية الهاشمية هو اغتيال المغفور له الملك عبدالله الاول رحمه الله في 20/7/1951 عند دخوله المسجد الأقصى، والهدف من هذا العمل الإجرامي هو إجهاض الوحدة بين الضفتين..
المتتبع للفتره ما بين 1921 -1951 يرى بوضوح جهد المغفور له الملك عبدالله الاول بارساء قواعد الدولة الاردنية بمؤسساتها وسلطاتها الحكومية والبرلمانية والقضائية ونواة الجيش وقوات البادية.
كما يرى بوضوح جهود زعماء عشائر الأردن بكل مكوناتها من أجل الاستقلال وأن يكون الحكم حكماً عربياً غير مرتبط بالأجنبي..
وانطلاقاً من المسؤولية التاريخية والدينية للهاشميين اتجاه فلسطين والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، شهدت الفترة من عام 1922 في عهد الشريف الحسين بن علي حتى العام 1950 في عهد الملك عبد الله الأول، الإعمار الهاشمي الأول للمقدسات الإسلامية في القدس حيث تبرع الشريف الحسين بن علي لإعمار وترميم المسجد الأقصى في العام 1924.
المرحلة الثانية:
والتي بدأت منذ تولي جلالة المغفور له الملك طلال ابن عبدالله سلطاته الدستورية في 20/6/1951 وحتى تنحي جلالته عن العرش بسبب المرض في 11/8/1952.
وخلال فترة حكم جلالته بنى على ما تم إنجازه بعهد المغفور له الملك المؤسس وأبرز ملامح هذه الفترة هو وضع الدستور الأردني الذي أصبح العقد الاجتماعي بين الدولة الأردنية ومواطينيها، حيث صدر بالجريدة الرسمية العدد 1093 تاريخ 8/1/1952 وفي عهده أصبح التعليم إلزامياً.
المرحلة الثالثة:
وبدأت بعهد جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله والتي امتدت من 11/8/1952 حتى 7/2/ 1999 حيث توفاه الله.
وتميزت هذه الفتره ببناء نهضة الأردن الحديثة وقد شهدت هذه الفترة أحداثا عظيمة أسهمت بترسيخ أركان الدولة الهاشمية وبخاصة ظهور المد الناصري في الوطن العربي في خمسينيات القرن الماضي،وأحداث العراق التي انتهت بانتهاء الحكم الملكي الهاشمي فيه وظهور الأحزاب الاردنية وما رافق ذلك من استقرار لأركان الدولة الأردنية..
كما شهدت تلك الفترة تعريب قيادة الجيش العربي وانهاء عهد جلوب باشا وتولي أحد الأردنيين قيادة الجيش العربي، وهو المرحوم راضي عناب في 1/3/1956 وما يميز هذه الفترة أيضاً ظهور الحياة الحزبية والبرلمانية المنتخبة في الضفتين، واستمرت هذه الحالة حتى قيام حرب 1967 حيث علقت الأحزاب وحل البرلمان واعيدت الديمقراطية في العام 1989.
ومن ملامح هذه المرحلة معركة الكرامة في 21/3/1968 والتي سطر بها الجيش العربي أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
كما واجه الأردن نظاما وكيانا ودولة أخطر مرحلة في مسيرته عندما خرج العمل الفدائي والذي سمح الأردن له بالتواجد على أراضيه، خرج عن هدفه وهو تحرير فلسطين إلى محاولة قلب نظام الحكم في الأردن حيث يصب هذا العمل في مصلحة الكيان الصهيوني وهو ما جعل الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين وانهاء قضية فلسطين على حساب الأردن.
ولكن حكمة جلالة الملك الحسين رحمه الله جنبت الأردن هذه المؤامرة بالاجراءات التي اتخذت في 17/9/1970، ولا ننسى سعي الكثير من الأنظمة العربية المحيطة بالأردن بالعمل لتحقيق هذا الهدف بصورة التدخل المباشر أو غير المباشر.
كما أن هذه المرحلة والتي قادها جلالة الملك الباني الحسين بن طلال شهدت اجماع الدول العربية في مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974 على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
كما أن هذه المرحلة أيضا شهدت فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن في العام 1988 كما شهدت هذه الفترة من عمر مئوية الدولة الأردنية في عهد باني نهضته الحديثة وإنطلاقاً من مسؤوليته التاريخية والدينية إتجاه (الأقصى) والمقدسات الإسلامية والمسيحية الإعمارات الهاشمية الثاني والثالث والرابع.
كما شهدت هذه الفترة توقيع اتفاقية السلام مع دولة إسرائيل في العام 1994 والتي إستعاد بها الأردن أراضيه المحتلة.
إن هذه المرحلة من تاريخ مئوية الدولة الأردنية شهدت الكثير من النزاعات والحروب أدت إلى هجرة الملايين من العراق بسبب حرب الخليج الأولى والثانية، وكذلك عودة آلاف الأردنيين من دول الخليج إلى الأردن من حرب الخليج الثانية، وسبقها هجرة الآلاف من الإخوة اللبنانيين بسبب الحرب الأهلية فيها ما بين العامين 1975-2000 مما شكل عبئا على موارد الأردن الشحيحة، إلا أنه استوعب هذه الجموع بحكمة قائده وصلابة دولته وكرم وشهامة أهله.
إن المتتبع للإنجازات التي حققها الأردن بقيادة جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه يرى تطور الدوله الاردنية الحديثة.
ففي مجال التعليم انشئت الجامعات والمدارس على امتداد الوطن حيث أصبح الأردن الأول عربيا بنسب الالتحاق بالتعليم, والقضاء على الأمية وأسهم الأردن بنهضة دول الخليج التعليمية.
وفي مجال الصحة انشئت المستشفيات الحكومية والعسكرية والخاصة والمراكز الصحية الشاملة والأولية ومراكز الأمومة والطفولة, حيث تم القضاء على الأمراض السارية في المجتمع الأردني.
وفي المجال العسكري طور الأردن الأجهزة العسكرية والأمنية والعناية بالتدريب والتسليح حتى أصبح الجيش الأردني والأجهزة الأمنية والمخابراتية من الأجهزة القوية على مستوى العالم كما ساهم الجيش الأردني بالدفاع عن أرض فلسطين وقدم الشهداء فداء لها في حرب حزيران عام 1967 وشارك في حرب تشرين في العام 1973 في سوريا.
كما أسهم الأردن في حفظ الأمن والسلم الدوليين في كثير من البلدان التي شهدت حروبا ونزاعات من خلال قوات حفظ السلام وبناء المستشفيات الميدانية في كثير من البلدان كما كان للأردن إسهامات في المساعدات الغذائية والطبية والدوائية من خلال الجمعية الخيرية الهاشمية.
وقد وضع جلالة المغفور له الملك الحسين المعظم الأردن على خريطة العالم في الدفاع عن قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين كما كان الحسين الراحل، مثال الاعتدال والوسطية في خطاباته في المحافل الدولية.
المرحلة الرابعة:
إن المرحلة الرابعة في عهد الدولة الأردنية في مئويتها الأولى والتي بدأت في 7-2-1999 عندما تولى حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية بعد وفاة المغفور له جلالة الملك الحسين رحمه الله.
وفي عهد جلالته والذي سار على نهج والده وأجداده من الغر الميامين من أبناء هاشم، عزز الاستقلال حيث شهد الأردن تطوراً واسعاً في كل المناحي والمجالات.
وفي مجال التعليم شهد الأردن تطوراً من حيث الكم والكيف للقطاعين العام والخاص والتعليم الجامعي وحقق طلبة الأردن مراتب متقدمة في الدراسات الدولية، وعمت المدارس جميع مناطق المملكة والتحق بها كل الطلبة ممن هم في سن التعليم في المجالين الأكاديمي والمهني..
وفي المجال الصحي أيضا شهد الأردن تطورا في المجالين المدني والعسكري، وأجريت أدق العمليات الجراحية على أيدي الاطباء المهرة.
كما شهد الأردن في عهد جلالته تقدماً في المجالات والقطاعات الصناعية وشبكة الطرق والبنى التحتية.
كما أن الأردن خطا خطوة نحو الحكومة الإلكترونية وتقديم الخدمات للمواطنين إلكترونياً مما يوفر عليهم الجهد.
وفي هذه المرحلة أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني رسالة عمان في العام 2005 ليدلل على أن الخطاب الديني لنظام الحكم في الأردن يقوم على الإعتدال والوسطية ومحاربة الإرهاب والتطرف مما كان لها صدى في المحافل الدولية والإحترام والتقدير لشخص جلالته بين زعماء العالم.
كما أن هذه المرحلة شهدت الإعمار الهاشمي الخامس للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس انطلاقاً من المسؤولية التاريخية والدينية للهاشميين على المقدسات في القدس.
إن الاوراق النقاشية التي وضعها جلالة الملك عبدالله الثاني ركزت على مفاصل الدولة المختلفة وضرورة إرساء الديمقراطية والعدل والمساواة ومدنية الدولة والمواطنة، والتي أصبحت اليوم منطلقات لكل الحوارات، وأسفرت عن قيام كيانات سياسية هدفها خدمة المواطنين من خلال اللامركزية..
كما شهدت هذه المرحلة عودة منطقتي الغمر والباقورة إلى حضن الوطن بعد إنهاء جلالته لإتفاقية التأجير في موعدها ورفع العلم الأردني عليها..
وشهد الأردن بمئويته الأولى وفي المرحلة الرابعة بعهد جلالة الملك المفدى حفظه الله كما شهدت الدول العربية الاخرى ما سمي بالربيع العربي الذي أدى إلى تدمير دول مجاورة وغير مجاورة ولكن حكمة القيادة الهاشمية في هذا البلد استبقت الأحداث وشكل جلالته لجنة من رجالات الدولة لتعديل بعض مواد الدستور وصلت إلى ثلث مواده بحيث أتاحت الفرصة لابناء الوطن بالمشاركة الفاعلة في الحكم، مما أدى إلى تجنيب الأردن ومؤسساته وشعبه الويلات التي واجهتها شعوب الدول الاخرى.
كما لا يفوتنا أن الأردن وبدءا من العام 2011 استقبل أكثر من مليون ونصف المليون من الإخوة السوريين الذين شاركهم الأردنيون لقمة العيش والسكن.
ومن أبرز ملامح الفترة الرابعة بعهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين رفضه ومعه الشعب الأردني (صفقة القرن) التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية وكان موقف الأردن بقيادة جلالة الملك دعماً للشعب الفلسطيني الشقيق لإقامة دولته على تراب وطنه وعاصمتها القدس الشرقية..
ونحن منذ عام نعيش جائحة كورونا حيث استطاع الأردن السيطرة على الوباء وتعزيز القطاعات الصحية وبناء المستشفيات الميدانية لتكون مراكز علاج لمصابي الكورونا وقد أشاد العالم بتجربة الأردن بمواجهة هذا الوباء.
وفي الختام ونحن نودع المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية نستقبل المئوية الثانية، والأردن يواجه أخطر تحد والمتمثل بالوضع الاقتصادي الصعب وتعاظم مشكلتي الفقر والبطالة.
إن الوضع الاقتصادي الصعب وافتقار الأردن إلى الموارد الاقتصادية، يوجب على الحكومة الأردنية والحكومات التي ستأتي الإعتماد على الذات واستغلال الموارد الطبيعية المتوفرة، وعدم اعتماد الموازنات على المساعدات الخارجية بشكل رئيس، كما يتوجب على الحكومة والحكومات القادمة السعي إلى إعادة النظر بمؤسسات الدولة ودمج كل المؤسسات المستقلة بالوزارات ذات الاختصاص لتوفير المال وصرفه على مشاريع تعود بالنفع على المواطنين الأردنيين..
إن محاربة الفساد بشكليه الإداري والمالي مسؤولية وطنية ترد في خطابات العرش السامي والتوجيهات المستمرة للحكومات المتعاقبة يتوجب على المسؤولين في الدولة التصدي لهذه الآفة.
كما يجب على الحكومات الحالية والقادمة انتهاج سياسات العدالة والمساواة بين إفراد المجتمع حتى لا يخسر الأردن الولاء والإنتماء لتراب هذا الوطن ونظامه السياسي..
وفي ظل ظروف عالمية استثنائية استطاع الأردن بقيادة جلالة الملك المفدى وحكمته وولي عهده الأمين، وإرادة الأردنيين كانت المملكة وستبقى الملاذ الآمن والحضن الدافئ لجميع أبناء الوطن ومقصد الرعايا العرب الذين افتقروا إلى الأمن والأمان في بلدانهم وموئلاً لأحرار العرب.