جفرا نيوز - علق رئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة على مشروع القانون المعدل لقانون الكسب غير المشروع لسنة 2020.
وكتب العجارمة، الإثنين، "لقد كان لي الشرف بأعداد مشروع قانون الكسب غير المشروع في عام 2012 عندما عملت وزير للتنمية السياسية في حكومة دولة الدكتور فايز الطراونة وتم السير بإجراءات هذا القانون حكومة دولة الدكتور عبد الله النسور فيما بعد.”
وأضاف؛ "لأني اعرف تماما كل نص لماذا وضع والسبب الباعث الدفع والموجب لتشريع مثل هذا القانون في الدولة الأردنية وهو منع (أو الحد) من ظاهرة الفساد والحرص كل الحرص على نزاهة من يشغل الموقع العام في الدولة.”
وأشار إلى أنه وبعد الاطلاع على مشروع القانون المعدل لقانون الكسب غير المشروع لسنة 2020 والذي تقدمت به لمجلس النواب الحكومة السابقة (حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز). وبعد دراسة سريعة لمجمل هذا المشروع أسجل بشأنه الملاحظات التالية:
أولاً: المادة (2) من المشروع والتي جاءت معدلة للمادة (4) من القانون الأصلي من خلال:
أولا: بإلغاء كلمة (تطرأ) الواردة فيها والاستعاضة عنها بعبارة (أو نمو غير طبيعي يطرأ) : هذه العبارة غامضة وغير محددة ، ولم توضح معنى النمو غير الطبيعي ؟ فلو عرفنا معنى النمو الطبيعي لكن بمقدورنا ان نحدد ما يقابله من نمو غير طبيعي ؟؟ فهل العبرة بالزيادة المجردة ؟؟ ام مصدر هذه الزيادة !! أي قانونية أو عدم قانونية هذه الزيادة ؟؟ وإذا كانت المقصود بيان مصدر هذه الزيادة يكون النص قد نقل قلب عبء الإثبات من النيابة العامة الى المشتكى عليه وهذا يخالف المادة (101/3) من الدستور والتي تنص على (المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي).
ثانياً: تمت إضافة فقرة (ب) للمادة (4) بالنص التالي (تعتبر كسبا غير مشروع كل زيادة كبيرة أو نمو غير طبيعي يطرأ على ثروة وموجودات أو ممتلكات أي موظف عمومي غير مشمول بأحكام هذا القانون ولا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا الى دخله المتأتي من مصادر مشروعة)
1.ان العبرة الأخيرة التي جاءت في ذيل الفقرة (ولا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا الى دخله المتأتي من مصادر مشروعة) تخالف قرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور ولا يجوز ان يطلب من المشتكى عليه إثبات براءته ؟؟ فهذا يخالف كل قواعد المسؤولية الجنائية ويخالف كل ما هو مستقر في علم الاجرام والعقاب.
2.كلما اثّم (أو جرم) المشرع افعالاً بذواتها وجب تعيينها وتحديدها بشكل نافي للجهالة ، صوناَ للحرية الشخصية التي تعتبر من الحقوق الطبيعية و المكفولة بموجب المادة (7) من الدستور ، فالشخص لا يكون مسؤولا عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها الا باعتباره فاعلا او شريكا او محرضا فيها ، وهذا يتطلب وجوب إقامة الدليل على الجريمة التي نسبتها النيابة العامة الى المتهم بكل أركانها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة ، فالنوايا التي يضمرها الإنسان في أعماقه لا يتصور ان تكون محلا للتجريم !!
3.لكل جريمة ينشئها المشرع أركانها التي لا تقوم بكامل عناصرها إلا إذا أثبتتها سلطة الاتهام من خلال تقديمها لأدلتها والاقناع بها بما يزيل كل شك معقول حولها، ذلك أنها تعمد من خلال اتهامها لشخص بجريمة تدعيها، إلى خلق واقع جديد يناقض افتراض البراءة باعتباره تعبيراً عن الفطرة التي جبل الإنسان عليها، وصار متصلاً بها منذ ميلاده، فلا يزحزحها اتهام، ولا تنقضها إرادة أياً كان وزنها. إنما ينحيها حكم قضائي تعلق بجريمة بذاتها، وغدا باتا في شأن نسبتها إلى فاعلها، بعد أن قام الدليل جلياً قاطعاً على توافر أركانها التي نص عليها المشرع. فإذا كان الشخص مشتبهاً فيه، فإن معاملته على ضوء هذا الاعتبار وحده بما يجرده من حقوق كفلها الدستور، لا يكون جائزاً.
4.إن أصل البراءة مفترض في كل متهم، فلا يجوز أن يهدم إلا بدليل جازم مستنبط من عيون الأوراق وبموازين الحق، وعن بصر وبصيرة ؛ وكان أصل البراءة يتصل بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، ولا يتعلق بطبيعة أو خطورة الجريمة موضوعها، ولا بنوع أو قدر عقوبتها؛ وهذا الأصل ينسحب على الدعوى الجنائية حتى خلال المراحل التي تسبقها وتؤثر فيها؛ وحيث ان النص المقترح يطلب اثبات اصل هذه الثروة ، والمفترض في المخاطبين بهذا النص انهم أنهم أسوياء استصحاباً لأصل براءتهم، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من المواطنين الذين يظلهم جميعاً هذا الأصل، فلا يُنْقض إلا بحكم يكون قطعي فإن هذا النص يكون بذلك متضمناً تمييزاً غير مبرر بين أولئك وهؤلاء، ومخالفاً بالتالي لنص المادة (6) من الدستور.
5.ن الاتهام الجنائي لا يناقض الحرية، ولا يجوز الفصل فيه بعيداً عن قيم الحق والعدل الغائرة جذورها ففي تلك القواعد المبدئية التي التزمتها الأمم المتحضرة وارتضتها سلوكاً لها، حتى في أكثر الجرائم خطورة، وهو ما يعنى أن الحرية الشخصية لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة، وأن الموازين الدقيقة التي يتكافأ بها مركز سلطة الاتهام مع حقوق متهميها لا يجوز الإخلال بها، وعلى الأخص ما تعلق منها بحق المتهم في أن يكون مدركاً للتهمة المنسوبة إليه، واعياً بأبعادها، متصلاً بحقائقها، بصيراً بأدلتها.
6.ان اختصاص السلطة التشريعية بإقرار القواعد القانونية ابتداء، أو تفويض السلطة التنفيذية في إصدارها في الحدود التي بينها الدستور، لا يخول أيتهما العدوان على اختصاص عهد به الدستور إلى السلطة القضائية وقصره عليها، وإلا كان هذا افتئاتاً على ولايتها، وتقويضاً لاستقلالها. وعليه، فان اختصاص السلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتحديد عقوباتها لا يخولها التدخل في المجال الجنائي لفرض قرائن قانونية تنفصل عن واقعها، ولا تربطها علاقة منطقية بالنتائج التي رتبتها عليها، إذ لا يعدو ذلك منها أن يكون إحلالاً لإرادتها محل السلطة القضائية، لتنحيها عن وظائفها الأصيلة في تحقيق الدعوى الجنائية وتقدير أدلتها في شأن جريمة بذاتها يدعى ارتكابها، ولا يتصور إسنادها لفاعلها إلا بعد توافر ركنيها بالشروط التي تطلبها المشرع فيهما.
7.لقد كفل الدستور الأردني حق الملكية الخاصة، توكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي فقد كفل حمايتها لكل فرد ، ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة – في الأعم من الأحوال – إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها. فلا يجوز أن ينال المشرع من عناصرها؛ ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها؛ ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها؛ أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تفتضيها وظيفتها الاجتماعية. ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية التي كفلتها المادة (11) من الدستور، ويكون العدوان عليها غصباً وافتاتا على كيانها!!
ثالثاً: المادة (3) من مشروع القانون الغيت الفقرة (د) من المادة (5) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي( تلتزم الدائرة بتزويد هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بناء على قرار من مجلسها بصورة طبق الأصل عن الإقرارات وأي بيانات أو معلومات تطلبها عن الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون في حال تبين وجود دلائل على نمو غير طبيعي في ثرواتهم.)).
1.السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الدلائل ؟؟ وما هو ضابطها ؟؟ ألا يفترض وجود شكوى ، فهذا أبسط الأمور!! لابد من وجود شكوى وبخلاف تجاوزنا فكرة القانون الأصلية وتحولنا الى محاكم تفتيش ، عدا عن ذلك هذه الفقرة تناقض مع الفقرة (ب) من المادة (4) من ذات المشروع والتي تنص على (لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد الحق في : الدخول الى السجل الإلكتروني والاطلاع على إقرارات الذمة المالية لغايات التحقق من وجود أي نمو غير طبيعي في ثروة أي من الخاضعين لأحكام هذا القانون لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بمقتضى قانونها.). فهذا الدخول مباشر ولا يحتاج الى اذن وهناك يتطلب النص وجود طلب من الهيئة الى دائرة إشهار الذمة المالية .
2.هذا النص جعل من دائرة إشهار الذمة المالية مجرد ساعي بريد وجردها من كل صلاحياتها فهل يعقل ذلك ؟؟ إذا كان الأمر كذلك إلغاء الدائرة أصبح واجبا !! حيث اصبح واجبها (فحص الإقرار المقدم إلى الدائرة وتدقيقه ودراسته ومراجعتها والتأكد من صحة المعلومات الواردة فيه كلما رأت الدائرة ذلك مناسبا) وهذا عمل مادي يقوم به موظف عادي وليس قاضي درجة عليا.
رابعاً: المواد (4) و (5) و (6) من مشروع القانون التي أوجبت إنشاء سجل إلكتروني بالإضافة إلى السجل الورقي والغت صلاحية طلب الإقرار بناء على شكوى ندبي بشأنه ما يلي:
1.هذه التعديل إلغاء كل صلاحية الهيئة القضائية المشكلة من (برئاسة قاضي تمييز وعضوية قاضيين اثنين لا تقل درجتهما عن الدرجة الخاصة) و التي كانت تتمثل وظيفتها بفحص الإقرار المقدم إلى الدائرة وتدقيقه ودراسته عند تقديم أي شكوى أو اخبار يحال إليها من الجهة المختصة بحق أي شخص تنطبق عليه أحكام هذا القانون وتتعلق بكسب غير مشروع تحقق له. كما كانت تطلب أي إيضاحات أو بيانات أو معلومات من مقدم الإقرار أو من أي جهة أخرى ذات علاقة بهذا الشأن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل وصلنا الى درجة لا نثق فيها بهيئاتنا القضائية؟؟ بالمقابل نعطي هذه الصلاحية للضابطة العدلية والتي تعتبر خصماً للمتهم ؟؟ ما هي الرسالة التي يبعث فيها هذا التعديل ؟؟ وهل ثمة مشكلة في النص النافذ حاليا ؟؟
وهل طلبت هيئة النزاهة معلومات مبررة من الهيئة القضائية ورفضت ؟؟
2.الأصل في فكرة الكسب غير المشروع و إشهار الذمة المالية إعطاء صلاحية للجهات المخولة قانونية في ملاحقة كل من
يرتكب جرم الكسب غير المشروع ، و السؤال : ما علاقة نشر المعلومات لكافة الناس ، و ما هي فكرة السجل الالكتروني ؟؟ اعتقد نقل التجارب الحرفية لبعض الدولة في هذا المجال- لاسيما تجربة سنغافورا – غير موفق ولا يراعي النصوص الدستورية ، وهذا يصدم مباشرة مع المادة (7) من الدستور (الحرية الشخصية مصونة) كما يخالف أحكام الفقرة (1) من المادة (128) من الدستور والتي تنص على: ( لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها).
ختاماً، الدولة القانونية هي التي تتقيد في ممارستها لسلطانها بقواعد قانونية تعلو عليها، والقاعدة القانونية يتحدد مضمونها على ضوء المعايير التي التزمتها الدول الديمقراطية في ممارستها لسلطاتها، بحيث يتوافر لكل مواطن فيها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته التي يرسى دعائمها القضاء.
فكرة مشروع التعديل غير موفقة ومن الأفضل تدارسها بهدوء وبشكل اعمق، بعيدا عن البحث عن مزيدا من الصلاحيات و تسجيل مواقف ورقية فقط دون أي عمل يذكر على أرض الواقع