جفرا نيوز -
جفرا نيوز- الكاتب : فايز الفايز
يعشق الأثرياء وأصحاب المال والأعمال استخدام الدولار الأميركي، وأكبر فئة منه هي ورقة المئة دولار المزينة بصورة الرئيس «بنجامين فرانكلين»، والكثير من المستخدمين يضعون تلك العملة الورقية داخل محافظهم ويخبؤونها في جيب البنطال الخلفي، ولكنهم لا يدركون معنى اختيار النظام الأميركي العتيق لاستخدام صورة فرانكلين على أكبر ورقة عملة، رغم وجود أكثر من أربعين رئيساً تداولوا حكم الولايات المتحدة عبر التاريخ، بل لا أحد يهتم لدلالات الصورة.
فرانكلين لم يكن رئيسا للولايات المتحدة التي ستصبح فيما بعد أعظم دولة في العالم، بل انه لم يغتصب السلطة ولم يعاند ليضرب جدار المجتمع السياسي كترمب مثلا، بل أنه آثر أن يبقى سياسياً مكافحاً للاستقلال عبر رحلة عظيمة قادها بنفسه منذ بدأ تعليمه المنزلي وعمله في الطباعة، واصراره على التعلم خارج الأطر التقليدية، فأبدع في نظريات فيزيائية وناقش عمليا ظاهرة البرق وكيفية تحويله لطاقة كهربائية، وقاده ذكاؤه الحاد الى سلم العلماء، فهو أول من ابتكر مانع الصواعق والعدسة المحدبة للقراءة وعداد المسافة، وزيادة على ذلك كان فرانكلين مثقفاً تنويرياً وسياسياً حاذقاً وناقداً لاذعاً وصحفياً عنيداً.
بنجامين أبو المئة دولار، يعتبر من أوائل وأفضل المؤسسين للولايات المتحدة، حيث خاض معارك سياسية عنيفة لانتزاع حقوق بلده، وتوحيد المستعمرات في سعي لإعلان استقلالها ضمن دولة واحدة، لهذا قام بوضع مسودة إعلان الاستقلال عام 1776 مع مجموعة الآباء المؤسسين، وبقي يصارع من مقعده في مجلس الشعب الأميركي حتى تم لهم ما يريدون، مؤمنين بإرادة الشعوب لتقرير مصيرها، ويؤثرون على أنفسهم أن ينغمسوا بملذات لا تستطيعها قواعدهم.
إن مجرد التفكير بتاريخ الولايات المتحدة وكيف أصبحت اليوم، يخال لك أن المؤسسين العظماء كانوا من الجنّ، رغم بدائية أدواتهم فإنهم امتلكوا عقولاً عبقرية تؤسس لكل مرحلة طريقاً الى التقدم والاختراع والاستكشاف وتوسيع رقعة المشاركين في رسم الصورة المستقبلية لبلادهم، وهكذا أصبحت أميركا دولة الخليط المتجانس من شتى الأصول ولكن ولاءهم لأميركا.
ما أريده هنا ليس المقارنة بين الغرب والشرق، فذلك ظلم للغرب بلا شك، ولكن بلاد العرب لم تؤسس على قواعد تعظيم الانجاز وأهلها، ولا العلم والمعرفة رغم اكتشافها لأكبر حقول النفط والغاز والثروات المخبوءة، ولهذا باتت عقيمة لأي محاولة لبناء قوتها الاقتصادية والعسكرية بعيدا عن الاستقطاب الغربي أو الشرقي، وهذا يبقي الأجيال المتعاقبة في حالة من اليأس والإحباط وانعدام الرؤية لمستقبلهم المرهون بالصدفة، ولو جاء العلماء والفلاسفة والمستشرفون لآفاق المستقبل وقراءته بشكل عميق على رأس الحكومات لرأينا حالا غير هذا الحال الذي نراه في شرقنا المتوسط الملطخ بالدماء.
فرانكلين المواطن، ولد في هذا الشهر قبل 315 عاما، ولكنه ما زال متصدراً بصورته أقوى عملة يتداولها العالم اليوم، وهذا دليل على أن العظماء، وما أكثرهم عندنا، لا تموت سيرتهم بموتهم، بل انهم يموتون لتحيا أجيال تستذكر مآثرهم، وإنكار ذاتهم لصالح المجتمعات رغم أن من حقهم الفخر بتاريخ إنجازاتهم العظيمة.
أخيرا، مقولة لفرانكلين تختصر قصة الحياة إذ قال: «إما أن تكتب شيئا يستحق القراءة، أو تفعل شيئا يستحق الكتابة عنه»، فهل هناك شيء يستحق منا الكتابة عنه؟.