النسخة الكاملة

ما هي حقيقة وجود «متآمرين مفترضين» على حكومة الخصاونة..وسط استحضار عبارة البخيت عن لوبيات تتحرك؟

الخميس-2021-01-13 01:19 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - أسوأ ما يمكن أن يحصل مع أي رئيس وزراء وهو يتعاطى مع مشهد النميمة المتحرك سياسياً في بلد كالأردن، هو الانشغال حصرياً بالبحث عن «متآمرين مفترضين على حكومته، وجهات أو جبهات تحاول تقليص فرصها، ونخب وصالونات تتحرش بها أو تنهشها.

تلك – في رأي جمهرة من أعمق الخبراء – اللحظة التي يبدأ فيها العد العكسي عند رئيس الحكومة، خصوصاً بعد المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت، التي كررها وسمعتها منه » مباشرة وهو يقول: «بدلاً من العمل، كنت أستنزف الكثير من الوقت لمعرفة من الذي أطفأ أنوار الكهرباء فجأة، أو لماذا أصبحت الغرفة مظلمة، أو متابعة من يتقافزون بين قدمي أو يضعون قدماً صغيرة لعرقلتي أثناء المسير».

تلك كانت مقولة مشهورة ومنقولة عن البخيت. وأغلب التقدير أن العديد من الشرائح النخبوية، وأحياناً مراكز الفعل والتأثير، تجد بين الحين والآخر بأن واجبها الوطني أو ذلك الذي اعتادت عليه، يتطلب القيام بالمناورات التي تزاحم الحكومة أو تعيق رئيس الوزراء أو تحيطه بكل الشكوك فيمن حوله، أو أبعد منه، أو فيمن سبقه أو سيلحق به.

لا أدلة أو قرائن تفيد بأن أي رئيس للوزراء تمكن فعلاً من النفاذ من هذا النمط الا عبر شخصية قوية مركزية مرجعية تؤمن بـ»الولاية العامة» وهي تكون في العادة شخصية تمارس هذه الولاية لكنها تخسر الدور والحكومة برمتها والتجربة بعد وقت قصير، لأن المطالبة بالولاية العامة شعبية وحزبية في الأردن، ولا أحد في هرم السلطة يؤمن بها أو يميل فقط إلى تجريبها ولو مرة واحدة.

في كل حال، تثبت مناقشات البرلمان  للأسبوع المنصرم على الثقة في حكومة الرئيس بشر الخصاونة أن ما يحصل مع الأخير لا يشكل حالة شاذة عن تلك الكلاسيكيات التحرشية، فالمناطق المقربة من رئيس الحكومة تثق اليوم بأن «ماكينة» ما غامضة بدأت تعمل مبكراً ضد حكومة شكلت في ظرف استثنائي كما نص خطاب التكليف الملكي، والمطلوب منها إجراءات استثنائية كما قال أمام رئيس أكبر كتلة برلمانية النائب الدكتور عبد الرحيم الأزايدة.

كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يتقدم بإجراءات استثنائية تتطلبها مرحلة استثنائية، فيما تبدأ فعاليات التحرش بحكومته مبكراً من المرحلة التي خرج فيها إلى العلن فجأة عدد من أشرطة الفيديو والوثائق التي تتحدث عن وزراء جدد في الحكومة في نطاق سلبي. وقبل ذلك.. بعد توثق بعض المخلصين لمشروع الخصاونة من أن تجربته تورطت وهي في مرحلة الخداج السياسي بطاقم وزاري إما طموح أو غير ممتثل، أو في النتيجة يمثل عبئاً على الجميع. وقد يبدو واضحاً الآن أنه طاقم قد يساهم لاحقاً وقريباً في «تقصير» عمر الحكومة والتجربة، مع أن الدكتور الخصاونة قد يكون الوحيد الذي قضى عامين على الأقل في أقرب مسافة من صناعة القرار المرجعي قبل تولي حكومة الظرف الاستثنائي. مجدداً يصعد السؤال: ما الذي يحصل مع رئيس الوزراء ومع حكومته الوليدة وحتى قبل الـ 100 يوم التي كانت تشكل بالعادة فترة سماح عند تشكيل كيانات الحكومات؟

يقرر سياسي رفيع المستوى ناقش إجابة محتملة على هذا السؤال، فرضية تحصيل الإجابة بطرح سؤال أبسط قد يوضح الكثير من الملابسات وفيه منقوع من المألوف البيروقراطي: من الذي كتب البيان الوزاري بالصيغة التي تلاها الرئيس الخصاونة تحت قبة البرلمان؟
ليس سراً، وسط نخبة عمان، أن الملاحظة التي تقدم بها عدد معقول من النواب المستجدين في نقاشات الثقة كانت تتحدث عن «الإنشائيات» على حساب الإنجازات، لا بل بعض الملاحظات سجلت وأمام رئيس الحكومة وخلف حديقته ملاحظة موازية تقول بأن المنجز كان مهماً في مسألة زيادة عدد الغرف الطبية والتعاطي مع الفايروس كورونا، لكن جزءاً من سرديات الإنجاز تحقق في عهد الحكومة السابقة التي ترأسها الدكتور عمر الرزاز.

عملياً، لا أحد يعرف كيف وعلى أي أساس اختار الرئيس الخصاونة طاقمه الوزاري، وعندما استفسرت «القدس العربي» مباشرة منه في اللقاء اليتيم قبل أداء القسم بساعات، تحدث عن ثقته بجميع من اختارهم، وعن متطلبات في التمثيل، وعن برنامج وزاري واضح وتكليف ملكي أوضح، وعن عملية تقييم للأداء، داعياً -ضمنياً- إلى تطوير مفهوم التعاطي مع الحكومات في التقييم والتشخيص بعيداً عن الأسماء ودلالاتها، وفي سياق البرامج، وعلى أساس انتظار الحكومة في حلتها اللاحقة بعد 100 يوم من التقييم أمرت بها المرجعيات.

كان كلاماً طيباً وحماسياً وحيوياً، لكن الغريب أن مسألة تقييم الأداء ووجود أدوات للقياس والتقييم باعتبارها توجيهاً ملكياً مباشراً، لم تبرز أو تظهر بالجرعة التي تستحقها في البيان الوزاري الذي ألقي على النواب.

وعليه، فإن فهم ما الذي جرى وكيف ولماذا سقط مثل هذا الاعتبار سهواً، يحتاج فعلاً إلى الإجابة على سؤال أبسط: ما هي الظروف التي صاغت البيان الوزاري لأغراض الثقة؟ ومن هم الذين صاغوا من الوزراء؟ ولماذا لم يؤسس الطاقم البرلماني والسياسي في الحكومة غرفة عمليات تقليدية للاشتباك مع مناقشات الثقة وليس على أساس ضمان أصوات النواب؟ فهي مضمونة دوماً ولأسباب لا تتعلق ولم تتعلق سابقاً بفصاحة البيان الوزاري أو قدرات الحكومة ونجومية أو طاقة رموزها.

لكن على أساس ضمان أن لا تعبر تلك الملاحظة عن غياب مقاربة القياس للأداء أو عن الميل الإنشائي تحت قبة البرلمان، لتعتمد مرة في مؤسسات مرجعية أو سيادية يتم تفعيل الملاحظة فيها مبكراً أو حتى في أوساط مجالسي رئاسة مجلس النواب وأعضاء المكتب الدائم فيها.

فهم المفارقة الأخيرة قد يساعد في فهم ما جرى على الأرجح، خصوصاً أن بعض الوزراء بمعية الخصاونة لا يزالون قيد التصرف على أساس أنهم يمثلون الخيار الأقوى والأجدر، مع أن ذلك قد يكون وهماً كبيراً تتداوله النخب السياسية الأردنية بالعادة يومياً مع فنجان القهوة الصباحي.

 القدس العربي