جفرا نيوز - مبكراً، لا تشعر اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني بأن الأرقام والمعطيات التي تتقدم بها أجهزة الحكومة المعنية بواردات الخزينة تتسم بالدقة الشديدة والوضوح، الأمر الذي يدفع اللجنة مبكراً وهي تقرأ مشروع قانون الميزانية المالية المحول للمجلس، إلى الاهتمام بتلك البنود المتعلقة بواردات الخزينة من قطاعي الضرائب والجمارك.
بوضوح، وفي أول تواصل عمومي بين ورئيس اللجنة المالية الجديد والمختص الدكتور نمر العبادي، تبرز جرعة الالتزام بقراء علمية ومهنية ووطنية مسؤولة للبيانات المالية وعلى أساس التعامل مع الوقائع والحقائق وحق اللجنة والنواب في المناقشة والتفاصيل، حرصاً على تفعيل آليات الرقابة الدستورية، وتفاعلاً مع المصالح الوطنية العليا.
ولا يمكن الاختلاف، بطبيعة الحال، مع منطق من هذا النوع تستند إليه اللجنة المالية، التي تعدّ من أهم لجان مجلس النواب. ومن المرجح – بعدما التزم رئيس الوزراء بشر الخصاونة علناً تحت قبة البرلمان بأن لا تتعهد حكومته بشيء لا تستطيع إنفاذه – أن الحرص على المصلحة العامة وتوصيفات الدكتور العبادي يفترض أن تتوافق في ظل تبادل الشفافية مع منطوق مشروع الميزانية المالية، ومع ما يعد ويلتزم به وزير المالية الدكتور محمد العسعس تحت نفس العنوان الذي سمعته منه أيضاً « في تأصيل وتوصيف بيانات الميزانية، وعلى أساس المصارحة والمكاشفة أيضاً، كما ورد بالنص وفي ظل تصورات «واقعية جداً» ستطرحها الحكومة على ممثلي الشعب.
تلك مكاتفة تشريعية سياسية يأتي دورها الأسبوع المقبل مادام مجلس نواب الأردن الجديد قد تنظم عبر 6 كتل جديدة وحسم قضاياه المتعلقة باللجان وبدأ مرحلة الاشتباك مع السلطة التنفيذية في التفاصيل.
وهو اشتباك سيتخلله بعض الانقضاض الدستوري، فمجلس النواب معني -كما يؤكد النائب عبد الرحيم الأزايدة رئيس الكتلة الأكبر فيه – ليس فقط بالتعاون والشراكة مع الحكومة، ولكن بالحرص أيضاً على مساحته الدستورية وهيبة مؤسسته والمنافع العامة بالنتيجة التي تنسجم مع المصالح العليا للدولة. هنا وفي الأسبوع الحالي الذي بدأ صباح الأحد بطرح بيان الحكومة للحصول على ثقة مجلس النواب، يناضل الأعضاء الجدد لإثبات جدارتهم وأحقيتهم في مناصب التشريع ومقاعد البرلمان بعد عملية هندسة مثيرة وتجاذبية للانتخابات وفي ظل رأي عـام يشكك مسـبقاً بالنواب الجدد وإمكانية أن يتـقدموا في اتـجاه أي مشـروع مـنتج وطنـياً.
ما يظهر عليه المشهد أن أعضاء البرلمان يناضلون مبكراً حفاظاً على سمعتهم أو استعادتها، مما يكرس القناعة بوجود ترتيب مبادرات وتكتيكات كتلوية وفردية تؤكد للحكومة بأنها قيد الرقابة الحرفية والمهنية، وتعيد أمام الشارع إنتاج القاعدة التي يقول فيها النواب الجدد ضمنياً.. «لسنا في جيب الحكومة». وفي تفاصيل جلسة الثقة الأولى، ظهرت هذه الجرعة أيضاً؛ فقد تقدم رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بخطاب طويل وعميق نسبياً أطلق عليه اسم «الملامح العامة لبيان حكومته» متعهداً بعدم الالتزام إلا بما تستطيع الحكومة إنجازه، لكن ردة الفعل الأولى حضرت على لسان النائب المخضرم صالح العرموطي، الذي استبق الجميع باتهام بيان الحكومة الأولي بأنه مليء بالإنشاء.
وظهرت جرعة إضافية تقول بعدم الامتثال أو تحاول تأسيس جملة معاكسة له عبر الاعتراضات الفردية على وضع سقف زمني بموجب النظام الداخلي لمداخلات وخطابات النواب، حيث ألمح النائب عبد الكريم الدغمي هنا إلى أن المجلس سيد نفسه، وهو جديد، ولا يملك في مواجهة الحكومة مرحلياً إلا أداة ضغط واحدة، وهي الحديث.
اختلف النواب فيما بينهم، لكن رئيسهم عبد المنعم العودات حسم المسألة بأول تصويت للمجلس الجديد عملياً، انتهى بتحديد التواقيت للخطابات في نقاشات الثقة، فكل كتلة ستحظى بنصف ساعة، وكل نائب له الحق بالتحدث 20 دقيقة. أغلب التقدير أن الحكومة كانت قد طالبت العودات بتنظيم المسألة بسبب سقف زمني ضاغط عليها، فبعد الانتهاء مباشرة من نقاشات الثقة سينتقل الجميع لنقاشات الميزانية المالية.
الترتيب الجديد يؤسس لأول استعراض تحت قبة السلطة التشريعية، فالحكومة عالقة اليوم في عمق ووسط تفاعلات ماراثون الثقة والميزانية ولديها مصلحة بعبور سريع وآمن، فيما لدى النواب مصلحة معاكسة عنوانها نقاش تفصيلي والإبلاغ عن ولادة نجوم عبر الميكروفون على الأقل ونقاشات بطيئة تحت عنوان الحفاظ على سمعة وهيبة المجلس. سيصل الطرفان إلى معادلة توقيتية يتنازل فيها كل طرف عن حصة من طموحه.
والحكومة ستحظى على الأرجح بثقة برلمانية مريحة، والميزانية المالية ستعبر أيضاً، لكن النواب يسعون إلى الاستثمار في الماراثون إياه بهدف الإعلان عن أن اتجاهات ومشاريع الحكومة ليست ميسرة بالمقدار الذي يتوقعه الجميع، وبأن الإدارة اليوم أمامها مجلس نواب صلب وقوي وشاب وطموح أو فيه طاقات تبحث عن دورها وحضورها، على حد تعبير القطب خليل عطية القدس العربي .