جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب محمود عبابنة
اقتضت الضرورة والحاجة والتطور أن تنتقل طبيعة تقديم الخدمات من حالة تحرير وكتابة الأوراق أو طباعتها إلى رقمنة ذلك بواسطة الخدمات الإلكترونية بقصد تيسير الخدمة واختزال الوقت، وبالتالي تخفيف احتشاد طوابير المراجعين، وتقليل حركة السيارات الغادية كل يوم إلى الدوائر الحكومية والمحاكم، ومن هنا خرج علينا المبدعون بمفهوم الحكومة الإلكترونية، وأصبحت كثير من المعاملات في كثير من الدول تتم من خلال جهاز الكمبيوتر أو الجهاز المحمول، وفي الأردن تبنت الحكومة منذ سنوات مفهوم الحكومة الالكترونية واللجوء الى التقانة وتبني السيستم الإلكتروني، نجحت بعض الدوائر على قلتها في حين أخفقت معظمها وما أكثرها، وأصبحت العبارة المتداولة شبه اليومية لدى مراجعة طالب خدمة أو محامٍ: «السيستم عطلان»، ويبدو أن هذه العبارة حلت محل عبارة «الموظف المعني مُجاز... راجع فلان..» لدرجة أن المصطلح أصبح معّرباً ومركباً لكثرة تردده اليومي على مسامع من يدخل دائرة حكومية.
من غير حاجة إلى مزيد من القول والتفصيل الذي خاض به كثيرٌ من المراقبين وكُتاب الأعمدة عن احتضار الإدارة العامة الأردنية التي كانت مثالاً يحتذى به ونفاخر بكفاءاته التي هاجرت إلى دول الخليج العربي، وأذكر شخصياً عندما زرنا الوحدة الاقتصادية في دبي، وبعد شرحٍ مفصل حول تقديم الخدمة وتسجيل الشركات والمؤسسات الفردية حاسوبياً، كان المشرف على مديرية الـ «IT» أردني الجنسية، ويقال أن النظام الذي تبنته محاكم دبي على مراحل قد وضعه وأشرف عليه أردنيٌّ آخر.
عبارة «السيستم عطلان» وسيلة جديدة مستحدثة للتنكيل بالمواطن الأردني، ولا يمكن أن تصبح تبريراً منطقياً لدوائرنا ومؤسساتنا الحكومية، لتبرير عدم قضاء الخدمة أو حاجة المراجعين، وهي تتكرر كل يوم بل حتى أن الأمر خرج عن نطاق المؤسسات الحكومية إلى مؤسسات القطاع الخاص، كالبنوك وشركات الاتصالات الخاصة، وما على المراجع المسكين إلا الانتظار والدعاء أو العودة بعد ساعات لعل وعسى أن تدب الحياة في عصب وعروق الإنترنت.
كما لا يمكن الاستمرار بالادعاءات التي يطلقها من يجلسون على مقاعد الإدارة الوثيرة من أننا نعيش زمن الحكومة الإلكترونية، وأن لدينا وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ولدينا وزارة تطوير القطاع العام، من حقنا أن نسألها أين هي الريادة وأين هي الحكومة الالكترونية؟!! وأين البرنامج المعجزة المسمى «سند»؟!! وكيف تتطور الإدارة إذا كانت الحصيلة أن هذا البرنامج أو غيره لا يعمل، وهل لدينا البنية التحتية الحاسوبية للتحول الى عصر المحاكمات الالكترونية أو تسجيل الشركات، وهل تغني هذه الخدمات عن عدم الذهاب الى الدوائر المختصة؟! ألم يكن من الأجدى أن يجري تطبيقها على مراحل وخلال مدد زمنية بحيث يتشربها الموظف وطالب الخدمة؟!! وبالمحصلة أين يقع العطب؟ هل هو في هذه البرامج أم في العامل البشري الذي يشرف على هذه البرامج؟؟!! وهل هذه البرامج بحاجة لخطط بديلة جاهزة للتعامل مع حالات تعطل السيستم؟!! إذا كانت الغاية من اللجوء إلى التقانة هي اختصار الوقت، فإننا بمعزوفة السيستم عطلان نلغي الوقت والنظام من حياتنا، ونعود إلى السيرة الموجودة والمتنامية: «بتعرفلك موظف بالدائرة الفلانية؟» أو «أنا جاييك من طرف فلان»، ودون ذلك سنبقى في الدائرة المفرغة نلوم زماننا والعيب فينا.