النسخة الكاملة

أهلية المناصب وأهلها

الخميس-2020-11-28 04:01 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز- المحامي علاء مصلح الكايد

نشهد بين حين وآخر إنتقال شخص من موقعٍ وظيفيّ إلى آخر دون أن يُعرف سبب تركه للموقع السابق وإستحقاقه التالي ؛ هل كان أداؤه سلبيّاً فأُقصي أم أدّى مهمّة مرحليّة ثم غادر أم غير ذلك ؟
وتتزايد فرص الإستفهام إذا كان الشخص قد غادر موقعه السابق إلى التقاعد ثم عاد بعد مدّةٍ لموقعٍ يختلف إختلافاً بيّناً عمّا لديه من خبرات سابقة .

وفي ظلّ غياب المعايير ، يشقُّ علينا كذلك التمييز بين التنفيذيّ والإستشاريّ ؟ فالمعروف أن الاستشاري هو صاحب نظريّة وفكرٍ من نوعٍ خاصّ يمتلك قدرات تحليليّة وإستشرافيّة كما تتميّز شخصيّته بالبحث والتقييم وممارسة العصف الذهنيّ والتفكير النّقديّ ، أمّا التنفيذيّون فيميلون إلى السُّرعة النسبية ولا يمتلكون ترف الوقت الذي يمتلكه أقرانهم من الإستشاريّين ، ويكمّل كلٌّ منهما الآخر إذا تموضعوا في مواقعهم الصحيحة ، والعكس بالعكس .

لكن ، يصعب تقبّل فكرة إنقلاب الإستشاريّ صاحب الفكرة النظريّة إلى تنفيذيٍّ في ليلة وضُحاها ، ويُتقبّل عكس ذلك إذا ما إنتقل الشخص من الأدوار التنفيذية إلى الإستشاريّة بما يحمل من خبرات عمليّة راكمتها التجربة .

ومن أوجه الغرابة كذلك ، أن تنحصر مسيرة شخصٍ في مجالٍ أكاديميٍّ على سبيل المثال ثمّ يؤتى به لموقعٍ تنفيذيٍّ ، أو أن يكون صاحب خبرة سياسية فإذا هو في موقعٍ إقتصاديّ بين ليلة وضُحاها .

وهنا نعود لنظرية " الإدارة بالأهداف " والتي تقوم علي فرز أهداف الموقع المبتغاة وبالتالي مدى موائمة صاحب السيرة الذاتية لها ، وتقييم المسار على مدى قصيرٍ نسبيّاً يتراوح بين ستة شهور وعام واحد ليصار إلى تصويب المسار وتغذيته بالخبرات التكميلية أو إعفاء الشخص من موقعه ، ويتفق هذا تماماً مع الرّؤية الملكية التي عبر عنها جلالة الملك - حفظه الله - في إحدى لقاءاته من ضرورة مغادرة المسؤول الذي لا ينجز منصبه .

وكما عرفها جون همبل (John Humble) فإن الإدارة بالأهداف هي " نظام ديناميكي يوفق بين حاجة المنظمة لتحقيق أهدافها الخاصة بالإنتاج وتقديم الخدمات وتحقيق الأرباح والنمو من جهة وبين حاجات المديرين إلى المشاركة وتنمية طاقاتهم وقدراتهم من الجهة الأخرى " ، وأساس ذلك وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .

وإن إنعكاسات البُعد عن النظرية أعلاه على مسيرة الإدارة العامّة واضحة للعيان إذ قلّما ما نجد إرتباطاً بين الأداء وإستمرارية المسؤول ، ضعفاً وقوّة .

ومن المُلاحظ أيضاً أن تميُّز شخصٍ في موقعٍ مُعيّنٍ يكون سبباً لتصعيده حتى ينال موقعاً أكبر لكنّ المعضلة إذا ما كانت خبراته وسماته الشخصية لا تتناسب مع ذلك الموقع ، فعندها تكون الخسارة مزدوجة بين موقعٍ سابق خسر صاحب خبرة ورؤية ولاحقٍ أُفسِد بسوء الإجتهاد ، وذلك وجه آخر يعاكس النظرية التي تقوم على معايير موضوعية بحتة لدى إختيار المسؤول .

إن أسوأ ما يمكن وأن يُعدّ من معايير تولية المناصب العامّة هو ضغط العوامل غير المرتبطة بالكفاءة ، فكلّ المؤثرات لا تكفل وجود الرجل - ونقصد كلا الجنسين - المناسب في المكان المناسب ما لم تنطلق من معيار التناسب مع طبيعة العمل وأهدافه ، ولعلّ هذا هو الفارق الأبرز بيننا وبين غيرنا من الأمم التي إستطاعت أن تتفوّق بما راعته من أهليّة لدى تصعيد الكفاءات ولم تختزل تقييم المسؤول بالأوراق أو الروابط الشخصية بل أعارت شخصه وقدراته وأفقه الأهميّة القصوى .

والله من وراء القصد