جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب : مشعل ظاهر الماضي
استقر لدى المجتمع الأردني موروث حيازة الأسلحة منذ زمن بعيد سبق مرحلة تاسيس الدولة الأردنية حيث كانت تسود الغزوات بين القبائل في شتى انحاء الإقليم العربي ، فكان للسلاح اهمية بالغة للذود عن الأرواح والممتلكات والمراعي ومصادر المياة . أخذت أهمية السلاح تتنامى وتزداد الحاجة له بسبب مرور المنطقة العربية بشكل عام والأردن بشكل خاص بظروف شتى ، جعلت من إقتناء السلاح والتفاخر بحيازته ثقافة التصقت بذهنية كل شخص عربي ، ونستطيع أن نحصر المراحل التاريخية التي ساعدت على تكريس تلك الثقافة لدى المجتمع الأردني بالمحطات التاريخية التالية :
ا : الثورةالعربية الكبرى وما تخللها من احداث حيث كان الثوار أحوج ما يمكن للسلاح واستمرت هذه الحاجة حتى تم تحرير البلاد العربية وطرد الأتراك منها .
ب: الفراغ الأمني الذي عاشته كل من فلسطين والأردن بعد رحيل الأتراك حتى مجيء الملك عبد الله المؤسس .
ج : الضعف الأمني الذي شهدته الإمارة الأردنية ما بين عامي 1921 1923 حتى استطاع الملك المؤسس بناء قوة أمنية مؤلفة من ثلاثة كتائب كان لها الدور الرئيس في إنهاء الغزوات بين القبائل المتناحرة داخل البلاد
د : تطورات الأحداث عندما حل الإستعمار الفرنسي والبريطاني في بلاد الشام على اثر وعد بلفور وما ترتب عليها من مقاومة عربية .
ه : الحروب الاسرائلية ١٩٤٨و١٩٦٧ وما تبعها من استعدادات رسمية وتحركات عسكرية وشعبية، وصد الهجوم الاسرائيلي على المملكة خلال معركة الكرامة عام ١٩٦٨ ، وما تلاها من مقاومات شعبية وفدائية . حيث تعاظمت في تلك الحقبة الزمنية الحاجة للسلاح وتنامت تجارته بشكل كثيف جدا حتى اصبحت وسيلة كسب وعيش للبعض ممن امتهنوا تجارة الأسلحة.
و حرب الخليج الأولى (العراقية الايرانية 1980 1988 ) وحرب الخليج الثانية عام 1990 التي خاضها التحالف الدولي ضد العراق ،ثم الغزو الامريكي للعراق عام 2003 حيث زادت حركة دوران وتهريب و بيع وشراء الأسلحة.
ز الربيع العربي في أواخر عام 2010 و مطلع 2011 وما تلاها من أحداث ودخول العديد من الميليشيات والمنظمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق .
شكلت تلك التحديات والصعوبات عائقا كبيرا حد من جهود الدولة الأردنية في مواجهة ظاهرة الإتجار بالاسلحة ، بحكم الموقع الجغرافي الذي جعل من الأردن منطقة مرور لتجارة الأسلحة ما بين مختلف الدول العربية ، علاوة على ظروف مقاومة الاحتلال الصهيوني مما ساعد على تكريس ثقافة حيازة السلاح واعتبارها عنوان للعزة والكرامة والشجاعة والقوة والمنعة المفترضة في شخص حائز السلاح وقدرته على الدفاع عن نفسه وممتلكاته والذود عن حمى الوطن ، ذلك الدور الذي أصبح مناطا بالدولة وهي الأقدر على القيام به، وفرض هيبة الدولة على الجميع، حيث شهدنا منذ منتصف سبعينات القرن الماضي تطورا و تحديثا على جميع مفاصل الدولة و تطوير القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها ، ما ادى إلى الحد من ظاهرة الإتجار بالأسلحة حتى تمت السيطرة عليها بشكل شبه نهائي ، وعم الأمن والأمان سائر انحاء المملكة، ولكن مازالت بلادنا تعاني من سلبيات ذلك الموروث الإجتماعي المتمثل بإقتناء سلاح فردي في كل بيت أردني ، وما ترتب عليه من استخدامات خاطئة للتعبير عن الأفراح والبهجة في المحافل الاجتماعية ونتمنى أن تكون نهاية هذه الظاهرة ما شهدناه من إطلاق عيارات نارية بشكل غير مسبوق وغير مسؤول بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابة الحالية.
وهنا نتوجه بالعتب واللوم إلى السلطة التشريعية التي لم تواكب الجهود المضنية المبذولة من قبل الجهات الإدارية في الدولة على رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني عندما أصدر توجيهاته الحكيمة عام 2015 للحكومة بضرورة إتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع اطلاق العيارات النارية ، بضرورة منع تلك الظاهرة وتطبيق القانون على الجميع دون محاباة فكانت الإستجابة فورية من قبل الحكومة حينها وتم إعداد مشروع قانون معدل لقانون الأسلحة والذخائر تضمن بنودا تنظم حيازة واقتناء بعض أنواع الأسلحة النارية، وأيضا نص القانون المعدل على اعتبار جميع رخص إقتناء وحمل الأسلحة ملغاة، كما يجب على المواطنين تسليم اسلحتهم المحظورة خلال فترة زمنية حددها القانون لقاء تعويض عادل ، وتم حينها تحويل مشروع القانون لمجلس النواب الثامن عشر ولكن للأسف لم يرى النور لغاية اليوم ، وبقيت نصوص القانون التي تنظم حيازة الأسلحة النارية في وقتنا الحاضر ونحن اقتربنا من نهاية الربع الأول من الألفية الثالثة هي ذات النصوص التي وضعها النواب الآباء والاجداد خلال عام 1952 والتي لا تزال تتحدث في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة منه بما يلي : السماح لخفر وحرس القصبات والقرى بحمل السلاح ، وكذلك اجازت المادة الثالثة منه لجميع الأهالي أن يحتفظوا في منازلهم في البنادق والمسدسات مع كمية من العتاد بالقدر الضروري للدفاع عن النفس بشرط حصولهم على ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه .
على ضوء ما سبق نأمل بما يلي :
أ - أن يعمل مجلس النواب الجديد على نفض الغبار عن قانون العقوبات الضارب في القدم ، والقواعد القانونية المكملة له واعطاء الاولوية في ذلك إلى إنجاز مشروع قانون الأسلحة والذخائر الذي ما زال ينتظر داخل قبة المجلس .
ب قيام وسائل الإعلام المختلفة بدورها المأمول والتركيز على محاربة الشواهد والمماراسات السلبية واستنفار الهمم الشعبية والرسمية للتخلص من ظاهرة إطلاق العيارات النارية والمساهمة في خلق ثقافة عامة من شأنها تغيير الواقع الاجتماعي بما يخدم تفعيل مبدأ سيادة القانون ، فالدولة هي الأقدر على حماية الأرواح والأعراض والأمول بعيدا عن استيفاء الحق بالذات .