النسخة الكاملة

تأثير أزمة كورونا على التنمية وانعكاس ذلك على الجريمة في المجتمع الأردني

الخميس-2020-08-24 11:44 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز - احمد البخيت

جائحة كورونا التي إجتاحت العالم واخترقت الحدود والطبقات والفئات ستُسجل في التاريخ الى جانب وقائع أخرى عرفها القرن العشرين من قبل الحربين العالميتين وإنهيار المعسكر الشرقي وسقوط جدار برلين وظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد أحادي القطب وما ترتب على ذلك من حروب قادتها أمريكا في افغانستان والعراق .
أزمة كورونا أضحت الحدث الرئيس والعنوان الكبير في وسائل الأعلام المختلفة في كافة دول العالم جميعا , حيث تعد تحديا غير مسبوق , الأمر الذي دعا الدول لإعلان حالة الإستنفار القصوى لموجهة هذا الوباء الذي يشكل خطرا وتهديدا محققا , لا يمكن التهوين من نتائجه على جميع قطاعات الحياة المختلفة لجميع أنحاء العالم , الذي لم يرتبط بقطاع معين , بل بمسار الحياة كاملا , فعلى أثره توقفت حركة العالم وأصيبت كافة القطاعات الحيوية بالشلل التام .
دخول العالم عصر التكنولوجيا والحداثة أنتج نظام عالمي جديد , نظام العولمة , فالعالم عبارة عن قرية صغيرة , وما يحدث هناك يؤثر هنا , ما يحل في أقصى العالم يحدث خلل في القسم الآخر وهكذا , رغم أن أول انتشار لفيروس كورونا كان في الصين , فلم تسلم منه أي دولة , الذي تجاوز أبعد من ذلك .
الأردن كغيره من دول العالم لم يسلم من وباء فايروس كورونا الذي كان له تداعيات وتأثيرات كثيرة على جميع مناحي الحياة الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية , وهو ليس أزمة عابرة خلق حالة من الإرباك سادت وأثرت على منظومة العلاقات وعلى الأمن وعلى الحياة ومختلف الأنشطة بما فيها عملية التنمية 
مفهوم التنمية إنشغل علماء الإقتصاد والإجتماع بعملية التنمية وخاصة في البلدان النامية , وذهب كل فريق منهم مؤكدا على حقل إختصاصه في نظرته الى التنمية , حيث ينظر الإقتصاديون لعملية التنمية كعملية مرتبطة بالتغيرات الهيكلية للبنية الإقتصادية من حيث تغير أساليب الإنتاج المستخدمة وتوزيع عناصر الإنتاج بين القطاعات الإقتصادية في المجتمع , كما ينظر الإجتماعيون إلى عملية التنمية على أنها عملية تتضمن تحول المجتمع من حالة التخلف الى حالة التقدم (جعفر, 2000) 
عملية التنمية الشاملة تمثل الجهد المنظم الذي يستخدمه المجتمع للوصول إلى قدرات ذاتية تمكنه من البناء وتؤكد استقلاقه , وهي عملية النهوض بالمجتمع والوصول به الى حياة أفضل في جميع مناحي الحياة لأفراده .
هناك علاقة تبادلية ما بين التنمية والجريمة فكل منهما يؤثر بالأخر , فقد تعيق الجريمة عملية التنمية , كما أن عملية التنمية قد تحد من الجريمة .
التنمية والجريمة بدأ الإهتمام بموضوع العلاقة بين التنمية والجريمة مبكرا وأحتل مكانا متباينا في مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرين منذ المؤتمر الأول عام 1955 والذي عقد في جنيف , حيث أثيرت مشكلة العلاقة بين التغير الإجتماعي الناجم عن التنمية وجنوح الأحداث , وتوالى الإهتمام بالعلاقة بين التنمية و الجريمة وتماشى هذا الإهتمام مع التطور في مفهوم التنمية وتطور المجتمعات البشرية وما رافق ذلك من تغير في أشكال الجريمة وأنماطها (البداينة , 2010) 
أكبر التحديات التنميوية في القرن الحالي وأكثرها التصاقا وتأثيرا على حقوق الإنسان , نابعة عن المخاطر و التهديدات الناتجة عن العولمة , وإنتشار الأمراض و الأوبئة الفتاكة ومخاطر إنتقالها عبر الحدود وارتفاع معدلات البطالة واتساع الفجوة بين الدخول وغيرها من المخاطر 
أما بخصوص إنتشار وباء كورونا في العالم فهو بالنتيجة مؤثر في جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والساسية ومعيق في عملية التنمية أين كانت ولجميع أشكالها 
آثار كورونا موضوع كورونا ليس فقط أزمة اقتصادية بل أزمة إنسانية على جميع الأصعدة نتج عنها تداعيات اقتصادية , فهي أزمة إنسان , أزمة مواطن , أزمة معيشية فالاقتصاد مبني على الناس , واذا كان الإنسان هو المتضرر فسيتضرر بالتالي الإقتصاد , إن الإضطراب الإقتصادي المفأجي الذي سببه كورونا مؤثر بشكل كبير على جميع العالم , وأن الاجراءات التي أتخذتها الدول لمكافحة تفشي هذا المرض مثل إغلاق الحدود والعزلة و الحجر الصحي , مهمة لإنقاذ الناس , لكنها جعلت الأمور أسوى بالنسبة للاقتصاد وأدت الى إغلاق قطاع اقتصادي تلو الآخر 
وتشير توقعات المراجع الاقتصادية الى أن نتائج فيروس كورونا ستكون بالغة الخطورة على الاقتصاد العالمي , وأن تداعياتها ستستمر لسنوات طويلة , وكانت منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية قد خفضت توقعاتها لنمو عام 2020الى النصف من 2.9% الى 1.5% ثم عادت وخفضتها الى أكثر من الصفر بقليل ( أطرش,2020) 
وفي تقرير للأسكوا عن آثار الجائحة في المنطقة العربية فقد قدرت خسائر المنطقة العربية بحوالي 22 مليار دولار أمريكي , وتوقع إستمرارية هذه الآثار حتى بعد انحصار الجائحة , وأن أكثر من 8 مليون سينضمون لعداد الفقراء ليصبح المتوقع 101.4 مليون نتيجة هذا الوباء , ومعاناة أكثر من 50 مليون شخص في المنطقة العربية من نقص التغذية مع وجود مخاوف بإنعدام الأمن الغذائي (الحياري ,2020) 
لاشك أن هذه الأزمة وجهت ضربة عنيفة للاقتصاديات الوطنية , نتيجة تأثيراتها على القوى الفاعلة في السوق المتمثلة في العرض والطلب , إذ تطلبت مكافحة الفيروس بقاء الناس في المنازل , بما يعني تراجع في الطلب على السلع والخدمات وإغلاق المنشأت و تقليص عددهم , وهذا بدوره يؤدي إلى إنخفاض العرض وإنخفاض الطلب , فيؤثر مباشرة على الإقتصاد الوطني وتهديد الأمن المجتمعي وزيادة معدلات البطالة مع فقدان الكثيرين لوظائفهم ومصادر دخلهم التي يلبون بها احتياجات المعيشية لأسرهم وهذا يعني تزايد معدلات الجريمة نتيجة تشرد المواطنين بدون عمل , الأمر الذي يفرض على الدولة التدخل بأنظمة حماية اجتماعية توفر مصدر دخل لهولاء المواطنين الذين تأثروا من هذا لحين عودة الانتاج وهذا يعني مزيد من العجز في الموازنات العامة للدول ( طاهر,2020) 
اقتصاديات الدول لابد ان تتأثر , لكن الدول الضعيفة والفقيرة والتي من ضمنها الاردن لابد ان تتاثر أكثر من غيرها  أختار الأردن إعطاء الأولوية بشدة للصحة العامة الخاصة بحياة الناس على حساب الاقتصاد رغم الظروف الاقتصادية الصعبة في الاردن التي يعكسها كل من مؤشرات البطالة المرتفعة ونسبة المديونية المرتفعة و النمو الاقتصادي البطيء والركود الاقتصادي في هذا البلد , وتم اعلان حالة الطواريء او قانون الدفاع وحشد القوات المسلحة واغلاقات الشوارع 
اتخذت الدولة الاردنية مجموعة من الاجراءات لتخفيف من الآثار الناتجة عن عملية الإغلاق وتركز بشكل خاص على تبعاته الاقتصادية , حيث كانت هناك جهود لجمع الأموال الحصول على مبالغ مالية من المؤسسات و الأفراد فأنشأت صناديق متخصصة لدعم وزارة الصحة والقطاعات المتضررة , وأصدر البنك المركزي رزمة من التدابير الاحترازية لإحتواء قدر الامكان من التداعيات السلبية للوباء على الاقتصاد الوطني حيث سمح للمصارف بإعادة هيكلة قروض الأفراد والشركات وتخفيض كلفة التمويل وزيادة المهل الزمنية للمنشآت الاقتصادية وتاجيل سداد قروض الأفراد الشهرية للبنوك 
ورغم هذا ستعاني القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في الأردن من جراء الأزمة من دون شك. كورونا والأردن
ستكون التحديات ملحوظة في كافة القطاعات الأردنية ، ابتدأ من حالات الإفلاس ووصولا إلى معدلات البطالة المرتفعة والنمو الاقتصادي البطيء والخلل في قطاع السياحة الذي عمل الأردن جاهدا لبنائه , وانخفاض التحويلات من العمّال في الخارج , اعاقة التنمية البشرية والتحولات الديمقراطية وتطوّر المؤسسات السياسية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني ، خاصة حين تُمدد قوانين الطوارئ 
على المدى المتوسط ، قد يؤدّي تراجع الحريات في هذه الأزمة وخاصة في اعلان حاالة الطواري , إلى بروز تحديات مجتمعية جديدة ، مثل ارتفاع معدلات الجرائم والسلب والسرقة وانتشار تعاطي المخدِّرات وازدياد الإصابة بالأمراض العقلية وربما الانتحار(الشرفات , 2020).
هل لأزمة كورونا تأثير على التنمية في الأردن ؟ واجه الاقتصاد الأردني تحديات قاسية تزداد سنويا متمثلة بارتفاع مستويات الفقر والبطالة والعجز في الموازنات وإنحفاض إيرادات البلاد وإرتفاع الدين العام ومعدلات الضرائب وكلفة اللجوء السوري وضعف مصادر التمويل وكان هذا قبل أزمة كورنا
أما بعد أزمة كورونا , لاشك أن الأردن من بين أكثر البلدان التي تضررت من فيروس كورونا من حيث تراجع معدلات النمو المقدر أن تنخفض بنسبة 3.4% بحسب البيانات الحكومية , إضافة الى ارتقاع المديونية والفقر و البطالة , ووفقا للتقديرات الحكومية فإن الاقتصادالأردني يخسر يوميا حوالي 140 مليون دولار بسبب كورونا , كما أن القطاعات الإقتصادية طالتها خسائر مفاجئة بسبب توقفها عن العمل نتيجة الحظر الشامل والجزئي الذي طبقته الحكومة ( الكباريتي ,2020) . اذا نستطيع أن نجزم بأن كورونا خلفات خسائر فادحة كبيرة جدا وأثار سلبية على الاقتصاد الأردني في جميع قطاعاته بما فيه السياحي وحركة الطيران , وغيرها وهذا بدوره يؤثر على التنمية .
أثر أزمة كورونا على البعد الاقتصادي لأهداف للتنمية في الأردن
كما هو معلوم أن الاقتصاد الاردني يعاني سابقا من ضعف وتراجع ومديونة مرتفعة وقائم على المساعدات الخارجية , ومع ظهور كورونا فإن في البعد الاقتصادي لأهداف التنمية المستدامة , هناك العديد من التحديات للنظام الاقتصادي في تخطي الأزمة , حيث كان من المستبعد قبل الأزمة تنفيذ أهداف التنمية بالقضاء على الفقر والبطالة ولكن بعد أحداث الأزمة فقد أصبح الوضع أكثر صعوبة , حيث زاد عدد المتعطلين عن العمل وهناك فئات كثيرة تأثرت وخاصة العاملين في القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة وقطاع السياحة و المطاعم والمواصلات , فقد نجد مجموعة كبيرة من المحلات التجارية والصناعية والمهنية اغلقت نهائيا بسبب كورونا الأمر الذي أدى الى الاستغناء عن مجموعات كبيرة من الأفراد الذين يعملون بها ويعتاشون عليها هم وأسرهم وسيفقدون دخولهم , كما أن هناك تداعيات طويلة الأجل منها إفلاس الشركات غير القادرة على تغطية التزاماتها المالية , افلاس الأفراد غير قادرين على تسديد ديونهم , تسريح الأفراد الذين يعملون في شركات غير قادرة على دفع مرتباتهم , وهذا الأمر خطير جدا الذي يدفع بالفرد الى سلوك سبل أخرى كالإنحراف او الجريمة التي ستؤدي لحدوث بعض المشاكل الداخلية والأمنية , كما أن إيرادات الدولة وموارد الدولة ستقل وهذا بالنتيجة يؤدي الى حدوث تغيرات في خطط وأولويات الانفاق عما هو مطروح في خطط التنمية المستدامة , الأمر الذي ينعكس على التنمية وهذا بدوره لها أثر على الفرد . كما ارتفعت تكلفة الإجراءات الصحية التي تشمل الفحص والحجر و التحاليل والمعدات الخاصة والساعات الإضافية للكادر الطبي .
أثر أزمة كورونا على البعد الاجتماعي لأهداف التنمية في الاردن في البعد الاجتماعي لأهداف التنمية هناك مؤشرات سلبية في منظومة التعليم وخاصة التعليم المدرسي حيث إننا في الأردن لم نخطو صوب التعليم الالكتروني ولا توجد جاهزية , وبها الكثير من العيوب وكذلك الحال في التعليم الجامعي التي تعاني مؤسساته من ضعف في البنية التحتية والمشاكل الفنية وبطء الانترنت , وهذه الأمر يؤثر سلباعلى مخرجات العملية التعليمية , كما أن منظومة القيم والعادات تأثرت بجائحة كورونا .
الخلاصة نستطيع أن نجزم بأن كورونا وما أثرته على دول العالم وعلى الأردن بشكل خاص , وخاصة ان الأردن من الدول النامية المتعثرة اقتصاديا و ذات مديونية ودين عالي متسارع الارتفاع , سيتأثر كثيرا في جميع قطاعاته , وخاصة القطاعات الاقتصادية والسياحية , كما حركة الاستثمار وإن كانت قبل أزمة كورونا تعاني , بل بعد هذه الأزمة سيدخل في حالة التراجع والخمول , والذي خلف الكثير من الخسائر المختلفة المادية والمعنوية التي اصابت الدولة و الأفراد , وهذا الأمر ينطبق بدوره على عملية التنمية التي تسعى لتحقيق الرفاه للبلد وللمواطنين , حيث ان عملية التنمية التي لها نصيب الاسد من تداعيات كورونا ستصاب بعملية شلل نتيجة تداعيات , وعلى أثر ذلك ستحدث التقلبات الاقتصادية وهي التغيرات المفاجئة نتيجة كورونا والتي قد تكون وقتية او قد تستمر لفترة طويلة , الامر الذي يرافقه تقلبات بالاسعار وتقلبات بالدخول وكساد , هذه الأمر وجميعها لها أثر على الجريمة 
عملية الكساد وتقلبات الاسعار وخاصة أنها عندنا في الأردن دائما تتجه للأعلى و وزيادة اسعار السلع وغيرها من المواد والخدمات الضرورية مثل اجور المسكن ونفقات التعليم والصحة وفرض الضرائب وارتفاع الرسوم و اضطرابات الدخول وزيادة اعداد المتعطلين عن العمل بسبب كورونا جميع هذه المور وغيرها تساهم بشكل أساسي في الاتجاه نحو الجريمة والسلوك الجرمي , اذا ان لكورونا اثر مباشر على عملية التنمية وبالتالي انعكس على عملية الجريمة التي ستزيد أعدادها وأنواعها , فانخفاض الدخل الحقيقي للفرد يؤدي إلى الزيادة في ارتكاب جرائم الأموال إذ أن العلاقة بين هذا الدخل و هذه الجرائم علاقة ثابتة ، فإذا انخفضت الدخول ازدادت نسبة ارتكاب جرائم الأموال ولا سيما جرائم السرقة ، لان انخفاض الـدخل يـشكل حائلا بين الفرد وبين إشباع حاجاته ومستلزماته الأساسية مما يدفع به إلـى سـلوك طريق غير مشروع لإشباع هذه الحاجات فيرتكب جريمـة الـسرقة.