سطور الملك الموجهة من منبر الأمة ثورة سياسية تعيد ترتيب المشهد
الخميس-2011-10-27

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - محمد خير الرواشدة
ثورة سياسية، تلخصت تفاصيلها في سطور خطبة العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية من عمر مجلس النواب السادس عشر أمس، والتي أعادت ترتيب "التخبط" الحكومي والنيابي، في التعامل مع معطيات "اللحظة الحرجة" للحياة الأردنية.
فعلى التزام ملكي، بإنفاذ الإصلاحات الشاملة والمنشودة، التي تعهد بها جلالته، وتُطالب بها قوى سياسية وشعبية، افتتحت أمس الدورة العادية الثانية لمجلس النواب السادس عشر.
ورسم جلالة الملك خريطة طريق الإصلاح، ووضع خطوط طولها ودوائر عرضها، عبر مجموعة قواعد ديمقراطية، ستشكل مستقبل المملكة السياسي. وصار لزاما على المؤسسات الدستورية، أن تنهض بمسؤولياتها على رأس مرحلة التحول الديمقراطي، الأهم والأكبر، في تاريخ المملكة السياسي.
تلك المرحلة التي تعتمد في تطورها، على أبجديات العمل الديمقراطي ومفهومه الشامل، والذي يعتمد في الأساس، على التدرج في اعتماد خطوات التنمية السياسية والديمقراطية.
هذا ما انعكس واضحا، وبدون أي لُبس في المنطوق السامي، وبين سطور خطبة العرش، بحيث يقول جلالته إن "رؤيتنا للنهوض بوطننا الغالي تعتمد التدرج والمراكمة، وذلك من باب الحرص على الوصول إلى النتائج التي تكفل التعددية البرلمانية والتنوع السياسي، وليس من باب المماطلة والتأخير".
إذن، العبرة في كل ذلك هي في النتائج، والتي أضحى التعهد الملكي بتحقيقها، ميزة تضفي عليها الكثير من الإلزامية لعمل السلطات الدستورية، للشروع بها في ظل زخم الجهد الديمقراطي، والذي تناغم وقع خطواته مع حراك الشارع الضاغط بمطالبه بتحقيق إصلاحات، وهو ما التزم به جلالته بالقول إن "الهدف النهائي من عملية الإصلاح السياسي، هو الوصول إلى حكومات نيابية"، وهي نقطة التقاء الموقف الملكي مع شعارات الشارع، وما يمكن أن يكون خطوة كبيرة في ردم الفجوة الصغيرة، بين مطالب الشارع في استعجال الإصلاحات، وتأني النظام في بناء حالة سياسية ديمقراطية مستمرة، تحمل صفة التطور والديمومة.
جديد خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية الثانية من عمر مجلس النواب، يكمن في الحسم لبناء أولويات المرحلة، التي تقاسمت هموم السياسة والاقتصاد ذات فترة مضت، لكنها اليوم تحددت بالأولوية السياسية، عندما قال إن "الأولوية اليوم هي الإصلاح السياسي، وخارطة الطريق لهذا الإصلاح قطعت شوطا كبيرا".
يحاول جلالة الملك لفت الانتباه أكثر، لمسيرة الإنجازات في مشروع الإصلاح السياسي الأردني، ويبين أن ما تم قطعه من شوط مهم في هذه المرحلة تجسد، بإنجاز التعديلات الدستورية وإخراجها إلى حيز الوجود القانوني، ثم استكمال إنجاز البنية التشريعية، التي تؤسس لتطوير العمل السياسي، وهي قوانين الانتخاب والأحزاب، والهيئة المستقلة للانتخابات، والمحكمة الدستورية، وغيرها من القوانين الناجمة عن التعديلات الدستورية.
ويؤكد أن ما تم إنجازه مع بدايات العام الحالي ليس بأقل أهمية، عما يطمح إليه الشارع اليوم، فقد تم إنجاز قوانين الاجتماعات العامة، ونقابة المعلمين، والتشريعات الناظمة للعمل الإعلامي، وحريات الرأي والتعبير.
يستبق جلالته الرد على أي نقد للبناء التشريعي لمنظومة هذه القوانين "لكن موقفنا الصريح هو أن هذه البنية التشريعية ليست نهائية، وإنما هي خطوة ضرورية وكفيلة بتأمين التطور الديمقراطي، الإيجابي والنوعي، الذي يسمح بتوسيع قاعدة المشاركة والتمثيل".
إن الهدف النهائي من عملية الإصلاح السياسي هو الوصول إلى حكومات نيابية، خلاصة أوردها جلالة الملك في خطبة العرش، وهنا فإن مراقبين وجدوا قاسما مشتركا بين الرؤية الملكية وشعارات الشارع، ما سيصب في صالح تقريب المواقف بين النظام والشارع، وردم الهوة بين التطلعات والرؤى، فجلالة الملك، بحسب متابعين، تطلع سلفا لهذا القيمة الديمقراطية، لكن الظروف السياسية وعقبات قوى الشد العكسي، كانا الحائل دون تطبيق هذه الرؤية.
لكن الطرح الملكي، الذي قد يلقى تجاوبا واسعا من قوى الشارع، لن تتبلور اشتراطاته بدون مدخلات سياسية، تحقق النتائج المرجوة، فالقوى الحزبية الغائبة عن ساحة التأثير الشعبي، تظل عقبة في وجه تشكيل حكومات نيابية على أساس حزبي.
ولتكريس المبدأ والهدف النهائي من عملية الإصلاح السياسي، وهو الوصول إلى حكومات نيابية، تعهد جلالته بتكريس مبدأ التشاور في تشكيل الحكومات، حتى يتشكل لدى المواطن يقين، بأنه يشارك عبر البرلمان في تشكيل الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها، ما يدعو إلى التريث حتى إنضاج بنية الأحزاب، ويكون لها وزن سياسي فاعل داخل البرلمان.
أما عن حزبية الحكومات، فقد بين جلالة الملك أنها "قضية بيد المواطن والناخب الأردني، وهي مرهونة بقدرة الأحزاب على التنافس الوطني الحر"، ويؤكد جلالته على رغبته في أن تتحمل كل القوى السياسية مسؤولياتها، لتشارك في عملية صنع القرار، وأن تكون المعارضة معارضة وطنية بناءة، وركنا أساسيا من أركان الدولة".
كل ذلك، وبدون أدنى شك، سيكرس الركن النيابي للنظام، عبر الأخذ بعين الاعتبار توجهات مجلس النواب، الذي يمثل تطلعات وطموحات الشعب، لدى تكليف رؤساء الحكومات، ليشدد جلالته الحرص على تطبيق ذلك "اعتباراً من المجلس النيابي القادم والذي سيأتي نتاجا لهذا التحول الديمقراطي الكبير".
إذن، هي تراتبية في الطرح الملكي، للجدول الزمني لتنفيذ خطة خريطة الإصلاح السياسي، ولعل عرضها، مقصود الزمان والمكان، وموجه ليكون هاديا للأردنيين، حكومات ونوابا ومواطنين، للفترة المقبلة.
في حين يبقى على الحكومة، صاحبة الولاية الدستورية والنواب، أصحاب السلطة التشريعية، أخذ زمام المسؤولية، وتحمل أعباء المرحلة، ليكونوا حلقة الثقة، بين شارع عاتب على تأخير الإصلاحات، ونظام راغب في إنفاذ الإصلاح الشامل على مستويات قطاعية وهيكلية.

