النسخة الكاملة

الثقافة الذكورية

الخميس-2019-10-25
جفرا نيوز - جفرا نيوز ـ لعهدٍ قريب،كنت من أشد المنكرين لهذا المصطلح،لا بل كنت أدرجه في سياق المؤامرة التي يحشدها الغرب،لتجريد العرب والمسلمين من رجولتهم!

وأنا هنا أتحدث عن ممارسة،هي دون العنف الجسدي والنفسي،وبمعزلٍ عن كل ما يطفو على سطح النقاشات الدائرة هذه الأيام،من المثلية الجنسية،إلى جرائم الشرف إلى تمكين المرأة!

بل أتحدث عن ظاهرة مجردة،هي نظرة الرجل العربي المسلم إلى الأنثى التي تربطها به علاقة ما،زوجة، أم،أخت زميلة،صديقة،حبيبة،ومرة أخرى بغض النظر عن المصطلحات العائمة والغائمة،القوامة والضلع القاصر،لأن حتى هذه المصطلحات تزعزعت،على مستوى المفاهيم،وداخل البنية الإجتماعية،التي دخلت ثوابتها الماضية في مرحلة القلق!

والله سبحانه تعالى يقول: ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون!

ولذا ساروي تاريخاً أو سلسلة من التجارب التي اطلعت عليها عن كثب،صديقي وزميل دراستي تخلى عن حب حياته وتزوج بأخرى،فقط لأنها بادلته كلمة الحب وقبلت بتودداته إليها رغم أنها رفضت الخروج معه،وحجته في ذلك،أن هذا التنازل كان يمكن أن تقدمه لغيره،كما قدمته له!

فهل هذا وسواسٌ قهري أم سوء تقديرٍ للذات،أم شعور بالدونية،أو وصمٌ لجنس حواء بالخيانة؟

لا بل إنه تشوه في النظرة،أو رؤية لصورة المرأة في مرآة مشوهة هي ميراث ثقافة شعبية،الدين براء منها بالتأكيد، لأن الله سبحانه ذكر في كتابه ،بل قرن الصالحين والصالحات والقانتين والقانتات ،ولم يقدم جنساً على آخر،بل نسب الفضل لأهله ذكراً كان أو أنثى، وإذن فهي مرآة الذكورية،التي مررها جيلٌ لآخر وأوصاه بالحرص على استخدامها،مغبة الوقوع في شراك ذلك المخلوق المخادع،المرأة!

تعزز ذلك الأمثال والحكايات الشعبية،عن كيف غلبت المرأة الشيطان،وحتى كيف جعلت زوجها ينزل لها سروالها بيديه لتذهب إلى عشيقها،،وعادت بكل براءة لتندس إلى جانبه في الفراش ليسألها بكل براءة: هل قضيت حاجتك؟

وليست حكايات عشش الفراخ ولقاءات السطوح،التي تشيع حتى في القصة والرواية المصرية،وتصورها أفلام السينما،إلا تكريساً لهذه الثقافة،التي ترسخ في الوعي واللاوعي!

أما ما دعاني لإنكار هذه الثقافة لا بل نقضها من أساسها،فهي تجاربي الشخصية!

فالمرأة عندنا على الأقل ،في مجتمعاتنا الإسلامية،تميل إلى الإخلاص فيما لو جنحت بها عاطفتها الطبيعية،وهي تحرص على الخصوصية والاستمرارية،ولا توزع عواطفها يمين شمال على عابري السبيل ومُرّار الطريق!

فإذا كانت زوجة! نذرت نفسها لزوجها وأولادها،حتى لو كانت قد جنحت بها العاطفة ومال قلبها لشخص ما قبل الزواج وحالت بينهما الظروف!

طبعاً هذا لا ينفي الخيانات والانحرافات،والتي لا تتأتى إلا بالتفريط بالدين والخلق،من الرجل والمرأة على حد سواء،فإنّ ضعف الوازع الديني والخلقي،يبتلى به الرجل كما المرأة على حدٍ سواء! فلماذايصرّ ضريرو الثقافة وعميانها على نسبة هذا الخلل للدين؟

مرة أخرى إنه التشوه الثقافي الذي يحمّل دائماً على الظهر الخطأ،ويقذف بالحجارة الشجرة الخطأ أيضاً!

فيصبح كلا الدين والمرأة ضحيتين لهذا الإنحياز المشوه،الذي تحرص دوائر مشبوهة على إذكاء ناره في الأوساط الإجتماعية والثقافية والفنية!

ولعلي لا أجد صورة أنقى وأوضح،لصورة لقاء الرجل والمرأة وكيف تُؤسّس وتُطور بطهارة ونقاء،من صورة لقاء موسى عليه السلام على البئر مع ابنتي شعيب عليه السلام،والأطراف كلها حاضرة الأب والإبنة، المرأة والرجل ،الشهم العاشق،والمرأة التي مال قلبها!

وبالمقابل قصة يوسف عليه السلام! وبين الغواية والخيانة والتمنع والحصانة مسافة قريبة وخاصة إذا جمعتهما الظروف في حيز ضيق،ولكنها صعبة الإجتياز ولا تقبلها النفس العفيفة!

فإذا حدثتني عن ابتذال المرأة و ترخيصها  وتسليعها فحدثني عن مسلسل جن وعروض الازياء وأفلام السينما،ولا تحدثني عن الدين فهو منكم براء!

نزار حسين راشد
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير